تحت رعاية ولي العهد.. السعودية تستضيف غداً مؤتمر الاستثمار العالمي لعام 2024م في الرياض    "السجل العقاري" يبدأ تسجيل 227,778 قطعة عقارية بمدينة الدمام والخبر والقطيف    «التعليم» تطلق برنامج «فرص» لتطوير إجراءات نقل المعلمين    "البرلمان العربي" يرحب بإصدار الجنائية الدولية مذكرتي اعتقال بحق رئيس وزراء كيان الاحتلال ووزير دفاعه السابق    جلسة تكشف الوجه الإنساني لعمليات فصل "التوائم الملتصقة"    أمر ملكي بتعيين 125 «مُلازم تحقيق» على سلك أعضاء النيابة العامة القضائي    " هيئة الإحصاء " ارتفاع الصادرات غير البترولية بنسبة 22.8% في سبتمبر من 2024    اقتصادي / الهيئة العامة للأمن الغذائي تسمح لشركات المطاحن المرخصة بتصدير الدقيق    الأرصاد: أمطار غزيرة على عدد من المناطق    15 مليار دولار لشراء Google Chrome    أقوى 10 أجهزة كمبيوتر فائقة في العالم    تنافس شبابي يبرز هوية جازان الثقافية    يلتهم خروفا في 30 دقيقة    مسودة "كوب29" النهائية تقترح 300 مليار دولار سنويا للدول الفقيرة    «اليونيسف» تحذر: مستقبل الأطفال في خطر    "الداخلية" تختتم المعرض التوعوي لتعزيز السلامة المرورية بالمدينة    3 أهلاويين مهددون بالإيقاف    افتتاح الأسبوع السعودي الدولي للحِرف اليدوية بالرياض    وزير الثقافة: القيادة تدعم تنمية القدرات البشرية بالمجالات كافة    المدينة: ضيوف برنامج خادم الحرمين يزورون مجمع طباعة المصحف ومواقع تاريخية    لماذا رفعت «موديز» تصنيف السعودية المستقبلي إلى «مستقر» ؟    «مجمع إرادة»: ارتباط وثيق بين «السكري» والصحة النفسية    محمية الأمير محمد بن سلمان تكتشف نوعاً جديداً من الخفافيش    600 شركة بولندية وسلوفاكية ترغب بالاستثمار في المملكة    "الحياة الفطرية" تطلق 26 كائنًا مهددًا بالانقراض في متنزه السودة    بحضور سمو وزير الثقافة.. «الأوركسترا السعودية» تتألق في طوكيو    تحفيزًا للإبداع في مختلف المسارات.. فتح التسجيل في الجائزة السنوية للمنتدى السعودي للإعلام    فعاليات متنوعة    111 رياضيًا يتنافسون في بادل بجازان    القِبلة    «واتساب» يتيح التفريغ النصي للرسائل الصوتية    أمراء ومسؤولون يواسون أسرة آل كامل وآل يماني في فقيدتهم    الأكريلاميد.. «بعبع» الأطعمة المقلية والمحمصة    تأثير اللاعب الأجنبي    الخليج يُذيق الهلال الخسارة الأولى في دوري روشن للمحترفين    «النيابة» تدشن غرفة استنطاق الأطفال    فرع وزارة الصحة بجازان يطلق حزمة من البرامج التوعوية بالمنطقة    «صواب» تشارك في البرنامج التوعوي بأضرار المخدرات بجازان    القبض على مقيم لاعتدائه بسلاح أبيض على آخر وسرقة مبلغ مالي بالرياض    "تقني‬ ‫جازان" يعلن مواعيد التسجيل في برامج الكليات والمعاهد للفصل الثاني 1446ه    خسارة إندونيسيا: من هنا يبدأ التحدي    مشكلات المنتخب    المدى السعودي بلا مدى    الأساس الفلسفي للنظم السياسية الحديثة.. !    1.7 مليون ريال متوسط أسعار الفلل بالمملكة والرياض تتجاوز المتوسط    معتمر فيتنامي: برنامج خادم الحرمين حقّق حلمي    سالم والشبان الزرق    الجمعان ل«عكاظ»: فوجئت بعرض النصر    الحريق والفتح يتصدران دوري البلياردو    إبر التنحيف وأثرها على الاقتصاد    «سلمان للإغاثة» ينظم زيارة للتوائم الملتصقة وذويهم لمعرض ترشح المملكة لاستضافة كأس العالم 2034    فيصل بن مشعل يستقبل وفداً شورياً.. ويفتتح مؤتمر القصيم الدولي للجراحة    وزير التعليم يزور جامعة الأمير محمد بن فهد ويشيد بمنجزاتها الأكاديمية والبحثية    قرار التعليم رسم البسمة على محيا المعلمين والمعلمات    "العوسق".. من أكثر أنواع الصقور شيوعًا في المملكة    سعود بن نايف يرعى الأحد ملتقى الممارسات الوقفية 2024    الأمر بالمعروف في عسير تفعِّل المصلى المتنقل بالواجهة البحرية    وزير الدفاع يستعرض علاقات التعاون مع وزير الدولة بمكتب رئيس وزراء السويد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



سيرة الموسيقي العربي الرائد كما يرويها ابنه مصطفى . الشيخ علي الدرويش حافظ على الهوية الموسيقية العربية وأحيا التراث الأندلسي وعرّب السلّم التركي... ودونه
نشر في الحياة يوم 29 - 02 - 2000

في وسط شارع النيل في حلب، التقيت مصطفى علي المصري الدرويش المولود في مصر سنة 1929، وهو ابن العالم الموسيقي العربي الكبير الشيخ علي الدرويش. سألت مصطفى عن قصة حياة والده، فروى لي تفاصيل حياته وتجربته الموسيقية الرائدة.
وعلي الدرويش كان أول عالم موسيقي في العصر العربي الحديث. وقد أسندت إليه رئاسة أو عضوية معظم لجان المؤتمر الأول للموسيقى العربية الذي عقد في القاهرة عام 1932 وقد مثل سورية فيه. وكان هو من الروّاد الأوائل الذين حافظوا على الهوية الموسيقية العربية. وكان هو يجيد العزف على الناي وقد ألّف كتاب "النظريات الحقيقية في علم القراءة الموسيقية".
وتدين له الموسيقى العربية والغناء العربي بإحياء التراث الأندلسي وتدوينه النوطات الأندلسية المتوارثة بالتواتر في تونس.
وقد عرّب سلّم الأتراك الموسيقي وسجّل الكثير من التراث الموسيقي المتوارث مدوّناً إياه بالنوطات خلال تجواله في الوطن العربي. وتلاميذه ينتشرون في مشرق العالم العربي ومغربه.
هل لك ان تروي لنا قصة حياة الموسيقار العالم الكبير الشيخ علي الدرويش، ولادته، علمه، وكل ما يتعلق بعمله.
- ولد والدي الشيخ علي في حي قرب قلعة حلب، اسمه حارة المزوّق، سنة 1872 في أقوال و1882 في أقوال اخرى. ليست السنة مؤكدة، وليس لدينا ما يثبت تاريخ ولادته. ما أذكره، انه قبل ان يتوفى، حادَثتُه في الموضوع، فقال لي ان عمره سبعون سنة. وقد توفى سنة 1952.
يعني ان الولادة سنة 1882.
- نعم! جدي، والده الحاج ابراهيم المصري الدرويش لانه كان في التكية لُقّب بالدرويش، كان في التكية المولوية في حلب، وتسمى الآن المُلاّخانة، تحويراً عن التركية: مولوي هانة، أي دار أو مكان المولوية.
وهي طريقة صوفية طبعاً.
- نعم، انشأها الشيخ جلال الدين الرومي.
في قونية في تركية اليوم.
- نعم، دُفن الرومي في قونية. وحتى الآن له أتباع يقيمون كل سنة مراسم الدراويش. فوالدي كبر وصار يذهب مع جدي الى التكية. فراق له هذا الجو، لان من شروط الدراويش اثناء الفتل الدوران ان ترافقهم آلات موسيقية سَحْب أي كمان أو ناي في معظم الأحيان.
لا آلات نقر؟
- لا نقر: قانون أو عود، أو بزق أو نشأت كار. هذه لا تُستخدم في الحلقات الصوفية. الموسيقى الصوفية يقال لها: آيين شريف، أي ألحان قدسية، فاستساغها والدي في صغره، وأحب الحركات، ثم ترعرع وأخذ يبحث عن عازفي الناي المُجيدين. وكان صوته جيداً، فعُيّن مؤذناً في هذه التكية، بعدما اتقن التجويد. وكان طبيعياً انه تعلّم التجويد في الجامع والكُتّاب. وصار يؤذن مدة.
وحاول بعدئذ ان يعزف على الناي. وكان استاذه في أصول الغناء أو الناي كجك عثمان. وكان استاذه في التدوين والقواعد الموسيقية مهران السالونيكي، وأصله من اليونان وكانت من الولايات العثمانية آنذاك. وبدأ بالعمل الجدي والدراسة الجدية بعدئذ.
وثمة قولان. أحدهما سمعته منه، وهو انه توظف في التكية المولوية في حلب. وكان شيخها اسمه عامل شلبي. كان هذا زعيم التكية ومن يلوذ بها. وكان يرتدي القبعة العالية من الصوف، مثل الذين نشاهدهم اليوم في الحلقات الصوفية. ولعله كان من أصل تركي.
أو عراقي ربما.
- نعم! في حلب ايضاً آل الشلبي. وكان هذا يحب والدي ويحترمه. فنُقل الشلبي. وكان للدرويش، كما روى لي والدي، أهمية كبيرة. فتهتم الدولة به، وكان معفياً من الجندية. وأعفي من الجندية لانه كان درويشاً.
كان أصحاب المذاهب والطرق الصوفية أعيان المجتمع الثقافيين والاجتماعيين.
- طبعاً! نُقل عامل شلبي شيخ التكية، من حلب الى مدينة قسطموني في تركية. وكان والدي لا يعرف تركية ولا غيرها. لم يكن يعرف غير حلب. ومن هناك طلب والدي من طريق قيادة الدراويش، ان يأتي الى قسطموني. فجاء أمر تعيينه في قسطموني. في هذه الاثناء، هناك قول آخر سمعته من والدي، انه نُقل نقلاً، مثلما يُنقل الموظف، الى قسطموني. أما أخي الاكبر ابراهيم، ولعله يعي الموضوع أفضل مني، فيقول انهم أعلنوا اجراء مسابقة لمدرسي الموسيقى، تقدم لها الوالد في طرابلس.
طرابلس الشام، في شمال لبنان؟
- نعم، طرابلس الشام. وعُيّن في قسطموني. ولا أدري أي القولين هو الصحيح. لكنه بقي في قسطموني تسع سنوات.
أي سنة تقريباً؟ 1910، أو قرب هذه السنة.
- بالتواريخ الغربية لا أعرف. ولكن عندي صور من مدرسين هناك، قدموا اليه هدايا، أو دراويش قدموا له هدايا، وكتبوا تواريخ.
سمعت انه عاد من قسطموني سنة 1924. إذا بقي تسع سنوات فيكون قد ذهب الى هناك سنة 1915.
- السنوات الهجرية 1333 و1334 و1335، كان في قسطموني.
تصادف هذه السنوات ما بين 1914 و1917 ميلادية.
- هذه الصور والهدايا مكتوب عليها تواريخ هذه السنوات. كان في حلب تعلم التدوين الموسيقي وتجويد القرآن الكريم والنظريات. علمه مهران السالونيكي وكجك عثمان العزف على الناي والنظريات الموسيقية. فسجّل في قسطموني تدويناً كل ما وجده في تركية من تراث. وهو كله موجود عندي مدوّن بالنوطة: أغنيات تركية ومقطوعات وسماعيات وبشارف، بكتابة يده.
بشارف وسماعيات عربية وتركية، أم تركية فقط؟
- في رأيي، واسمح لي، ولو خرجنا قليلاً على الموضوع، ان البشرف والسماعي واللونغا قوالب عربية. سمعنا كثيراً انها قوالب موسيقية تركية. أما أنا، فاطلعت في قراءاتي واتصالاتي على ان الاتراك، من زمن قريب، لا يمتد ألفي سنة، هاجروا خوفاً من بطش جنكيزخان وحفدته.
هذه القبائل التي تعذبت كثيراً من فتوحات جنكيزخان وتخريبه، هربت من وسط اسية وجاءت الى تركية التي نعرف اليوم. وهناك قصص عن مرحلة استقرارها ومكوثها في تركية.
فتعلموا موسيقى أهل المنطقة؟
- عندما جاءوا مهزومين هاربين، ما كان يمكن ان يحملوا معهم آلات موسيقية، وهم ما زالوا آنذاك قبائل رحّل. فلما استقرّوا في تركية وأسسوا الدولة العثمانية...
تأسست الاسرة العثمانية في القرن الثالث عشر.
- قرأت هذا التاريخ بالسنوات الهجرية ولم أحوّل الى تواريخ ميلادية. ولكن هذا حوالي سنة 700 هجرية.
فعلا سنة 700 هجرية صادفت سنة 1300 ميلادية.
- في ذلك الزمن تأسست الدولة العثمانية. فلما احتلوا هذه البلاد كانت بلاد الأندلس قد نقلت الى شمال أفريقيا وبلاد الشام الفنون التي ازدهرت هناك. من رسم وألحان وتراث. والتاجر أحضر ما لديه.
حضارة بكاملها هُجّرت من هناك.
- نعم، وجاءوا الى شمال افريقيا، ثم احتل الاتراك كل هذه المناطق، ووصلوا الى جزء من شمال افريقيا. واعتقد انهم أخذوا هذا النوع من القوالب الموسيقية التي استعملت هناك. ولعل للاتراك فضلاً هو انهم نمّقوا هذه الموسيقى وسموها: السماعي كان له اسم آخر ربما. ووضعوا له نظاماً، انه يتألف من اربع خانات. كذلك البشرف واللونغا. وأرى ان هذه الموسيقى ليست من صنع الاتراك. بل أخذوها من البلاد العربية، وطوروها قليلاً ووضعوا لها شروطاً وأنظمة.
يقول الاستاذ زاوول فيتالي مكتشف موسيقى أوغاريت، ان المقامات حتى أساسها موجودة في بلاد الشام. وحتى سلم فيثاغور الموسيقي كان معروفاً في أوغاريت قبل ان يعرفه فيثاغور بألف واربعمائه سنة. لذلك، حين يقول اي باحث ان اسم أي مقام هو السيكا أو الدوكا والبيكا هو اسم تركي، ولذلك فالمقام تركي، هذا غلط. فالمقامات كانت تسمى بأرقام. فسماها الاتراك اسماً جديداً، فاعتمدنا نحن الاسم الجديد وتهيأ للبعض ان المقام تركي وهو ليس كذلك.
- صحيح. وبعض الاسماء تركي أو فارسي أو عربي.
الحجاز طبعاً عربي.
- نعم. السيكاه كلمة فارسية تعني ثلاثة. ودو تعني اثنين. وجهار تعني اربعة. وجهاركاه تعني الصوت الرابع.
كانت المقامات تسمى بالارقام في الاصل عند العرب. ولكن هذا يدل على انهم سموا المقامات بالارقام التركية والفارسية، بدل العربية.
- نعود الى سيرة والدي. أين كنا؟ نعم، بقي في تركية تسع سنوات، وفي اثناء وجوده في قسطموني كان يدوّن التراث التركي هناك. وخلال اقامته هناك غادر الى اسطمبول، ودرس سنتين في دار الألحان، ثم عاد الى قسطموني.
وولد له صبي توفي بعد سنة ونصف. وكان والدي من الناحية الانسانية حنوناً حناناً لا يوصف. فما عاد قادراً على البقاء في قسطموني لوفاة ابنه فيها، وكان الولد الاول، وسماه صباح الدين.
سمعنا هذا الكلام منه، انه لم يعد قادراً على رؤية قسطموني. جاء الى حلب فمكث مدة قصيرة. في تركية بدأ بتأليف كتاب "النظريات الحقيقية في علم القراءة الموسيقية" الذي تراه بين يدي بدأ تحضير افكاره ويدوّن رؤوس أقلام، ثم يكتب فيما بعد. البداية كانت في قسطموني.
أكمل الكتاب فيما بعد في حلب. فاستدعي الى مصر على اساس ان يدرّس الكتاب ويبيعهم إياه، على ان يطبعوه. ولم يُطبع منذ سنة 1928 حتى الآن. ولدي أوراق تثبت دعوته الى مصر والاتفاق وكيف ذهب وماذا فعل. وقد أعاد النظر في مضمون الكتاب وعدلّ فيه.
والكتاب الذي أمامنا معاد فيه النظر؟
- نعم! إنه منقّح. ففي كتابه الذي أخذه الى مصر ثمة أمور غير موجودة. كان ذهابه الى مصر سنة 1928 وبقي الى سنة 1931، قبل بدء المؤتمر.
مؤتمر سنة 1932؟
- نعم! قبل المؤتمر جاء البارون درلانجيه الى مصر، وهو مستشرق مقيم في تونس. فتعرّف بوالدي ووجد انه يمكن التعاون معه لاغراض المؤتمر، فاستأذن له من الملك فؤاد، لان المؤتمر كان بايعاز الملك فؤاد. فأخذ درلانجيه والدي معه الى تونس ليحضرا الامور التي كان مطلوباً تحضيرها للمؤتمر. فوافق الديوان الملكي على اعفاء والدي من التدريس لينصرف الى التحضير لمؤتمر الموسيقى.
في تونس حضّرا بعض الدراسات التي قُدّمت في المؤتمر: الايقاعات المستعملة في سورية وبخاصة في حلب. والمقامات المستعملة في سورية وبخاصة في حلب.
وفي كتاب المؤتمر محاضرة كل الجلسات التي اشترك فيها الشيخ علي. والأمور التي طرح فيها بحث النظريات الموسقية الشرقية، كان مشاركاً هو في معظمها.
على أساس انه عالم نظري كبير.
- لا! هناك ما كان احد يعرفه. لكنه أثبت وجوده. ولم يكن يمثل سورية. كان الحكم في سورية للفرنسيين، في حقبة الانتداب. فأرسلوا وفداً يرأسه أب كاهن، وفرقة موسيقية تضم توفيق الصباغ واحمد الأوبري وصالح المحبّك المطرب.
وكان في مصر كثير من الموسيقيين الشوام: أنطون السوّا وفاضل وسامي الشوّا، وغيرهم.
- هؤلاء كانوا هناك من قبل، رحلوا منذ زمن. أدخلوا آلة الكمان في الموسيقى العربية.
وكان هناك جميل عويس ايضاً.
- نعم، وكان رئيس فرقة محمد عبدالوهاب الموسيقية، وكان من الموسيقيين المهمين في مصر.
هل درس الشيخ علي المقامات والايقاعات في تونس والمغرب ايضاً، أم انه رافق درلانجيه وعمل معه في التحضير للمؤتمر؟
- حضر هناك للمؤتمر، ثم جاء وحضر المؤتمر، وبعدئذ عاد الى تونس حيث درّس في معهد العطارين والرشيدية. وهما معهدان خاص وحكومي.
وفي أي سنة وُلدت انت؟
- سنة 1929، حين كان والدي في مصر. ولدت في القاهرة. إذن بقي في تونس سبع سنوات، من 1933 الى سنة 1939. وكان له هناك طلاب ومريدون كثر. وفي تونس، الى الآن يقولون لو لم يكن الشيخ علي درويش في تونس لما حدثت نهضة موسيقية.
مرة جاء قبل خمس أو ست سنوات تونسيون مهتمون بتاريخ الموسيقى، وقالوا في محاضرة في حلب ان للشيخ علي الدرويش فضلاً على الموسيقى في تونس. أحد طلابه كان...
صالح المهدي؟
- نعم، صالح المهدي، وهو موسيقي كبير.
كان رئيساً للمجمع الموسيقي العربي.
- نعم، وكان له مركز كبير ايضاً في وزارة الثقافة في تونس ايضاً. بعدئذ عاد الشيخ علي سنة 1939 الى حلب، وبقي عاطلاً عن العمل سنوات الحرب. ثم ذهب سنة 1942 أو 1943 الى القدس مع احمد الفقش وأخي نديم. فسجلوا هناك في اذاعة القدس ما يقرب من مائة موشح على ما أقدّر. موشحات تذاع ربما الى الآن.
من تأليفه هو أم من التراث؟
- لا، من التراث! هو لم يضع الكثير من الموشحات. ألحانه كلها نحو 40 الى 50 لحناً، بين سماعي وبشرف وموشح.
وأدوار؟
- لم يلحن أدواراً. جمعت تراثه عندي. لا أدوار لديه. سماعي وبشرق ولونغا وموشح.
ألم يطرق باب القصيدة والموال؟
- كلا! الموشح والمعزوفات. وكان شاغله الاكبر علم المقامات العربية. وهو علم لا يستهان به ابداً. فمن يدرس الموسيقى العربية بشكل جيد، يصبح عالماً.
بسبب غناها وتعقيدها.
- في كتاب المؤتمر أحصي مائه مقام ومقام. طبعاً ثمة مقامات متشابهة. وتختلف درجات ارتكازها فقط. هذه لا تُحسب مقامات. ولكن المقامات التي تُحسب لا تقل عن ستين أو سبعين مقاماً. عاد الشيخ علي من القدس، واستدعي سنة 1944 الى بغداد ليدرّس في معهد الفنون الجميلة. فبقي من سنة 1944 الى سنة 1950 أو 1951.
هل كنتم ترافقونه في هذه السفرات؟
- كلا، كان يذهب وحده وتبقى عائلته في حلب. وسنة 1951 مرض، وكان مريضاً بالسكري. فلم يقو على السفر من جديد. واشترك في حلب في تأسس معهد هو والدكتور فؤاد رجائى.
الدكتور فؤاد رجائي آغا القلعة، والد الدكتور سعد آغا القلعة؟
- نعم! وتوفي يوم الخميس 27 تشرين الثاني 1952.
رحمه الله. استاذ مصطفى الدرويش، نستطيع ان نقول اذن ان أهم ما فعله الشيخ علي درويش مسألتان على الخصوص: انه حفظ التراث، وأسس ربما بؤراً لتعليم الموسيقى العربية وتدوينها وعلم المقامات والإيقاعات. وضمن هذا اشتراكه الأساسي في مؤتمر الموسيقى العربية. هل هذا رأيك؟
- ما من شك في هذا. في بداية عمري لم أكن اهتم للموسيقى كثيراً. الآن، منذ خمس عشرة سنة أو عشرين سنة، أتصور والدي كيف كان يتحمل دماغه حفظ هذه المقامات العربية وفهمها، والايقاعات والموشحات. شيء غريب جداً. هذا المقدار من الأمور والعلوم التي كانت في دماغه.
كان بحر معلومات.
- فعلاً! أنا كنت أنظر اليه على انه والدي. اما الآن، فبعدما تعمقت في ما فعله، استغرب كيف استطاع ان يحمل في رأسه كل هذه المعارف والهموم.
في رأيك، هل غيّر الشيخ علي الدرويش شيئاً في الموسيقى العربية، من حيث الاشكال والمقامات، واقترح شيئاً ما جديداً. أم ان إنجازه الاكبر كان انه كان معلماً كبيراً، لا مبدلاً.
- لا! لم يبدل شيئاً. فما تعلمه اختزنه. وطبعاً ربما أدخل شيئاً من التعديل، لأن المؤتمر ثبّت كل المقامات والايقاعات التي قدمت في المؤتمر.
وُضعت في المحاضر.
- طبعاً. فما كان باستطاعة أحد ان يقول ان مقام النهاوند هو كذا وكذا. فيعتمدونه كان لا بد من براهين وقياسات.
قياساً فيزيائياً علمياً.
- وما قدمه الشيخ علي فخر له. لقد قدّم مقامات لم يقدمها أحد غيره. في محاضر المؤتمر إسهامه واضح. في كل جلسة الشيخ علي الدرويش.
ولكن للأسف لا يزال الى اليوم بعض الموسيقيين يسألونك: لماذا نجد في نغمة القارجغار مثلاً كذا وكذا؟ يجب ان تكون هكذا. لا يعرفون الدرجات والمقامات. فيبدّلون على هواهم المصطلح عليه في مؤتمرات علمية.
حتى الآن لدينا اجتهادات. مجدي العقيلي اجتهد في وجهة ما. الاستاذ عبدالرحمن الجبقجي ايضاً، وهذا يعني امراً واحداً: أين ذهب عمل المؤتمر؟
المطلوب توحيد علوم الموسيقى العربية بناء على دراسة الأوائل الذين أسسوا هذه العلوم، ومحصوها وتمعنوا فيها واختاروا المصطلحات.
- عندما نرغب في أي تغيير ندعو لجنة من كبار الموسيقيين فنعرض عليهم ما نقترح: مثلاً أرى ان تكون هذه النغمة كذا وكذا. ثم توافق اللجنة بناء على ما وفق عليه في المؤتمر سنة 1932. هذا يصبح مقبولاً. اما ان نظل في اجتهادات فردية فهذا غير مقبول.
ماذا عن تراث الشيخ علي الدرويش، الكتب التي خلفها ولم توضع في التداول؟
- هذا الكتاب: النظريات الحقيقية في علم القراءة الموسيقية، من تأليفه. وأنا أذكر تماماً يوم ان كتبه بخط يده. وهو في 540 أو 550 صفحة. حتى جلّده بنفسه. وما بين يدينا نسخة مصوّرة. وفيه نظرياته في الموسيقى العربية. وثمة كتاب للفارابي جمعه أو أحضره من تونس. كان موجوداً في مكتبة البارون درلانجيه.
كانت لدى البارون مكتبة في داخلها شوارع، من شدة اتساعها، وكلها كتب موسيقية. كنت صغيراً سنة 1937 أو 1938 عندما كان والدي يكلمنا عن هذه المكتبة. كانت ضخمة جداً وتحتوي على كتب في الموسيقى الغربية والعربية. لفت نظره كتاب الفارابي.
كتاب الموسيقى الكبير؟
- نعم! كان نصف هذه المخطوطة من متحف برلين، والنصف الآخر مصور من متحف مدريد.
مكتبة الاسكوريال في مدريد؟
- نعم. تصفحه والدي وأراد ان يأخذه، ولو سمح له ان ينقله. كان البارون يحترم والدي كثيراً. فقال له ان ينقله. فنقله كله برسومه وكل ما فيه، وأحضره أوراقاً الى حلب، بعد عودته الى تونس.
بيتنا موجود في حي عربي في حلب هو حي أقيُل كلمة تركية تعني الدرب الابيض، يشوهون لفظها اليوم فيقولون أغير. كان يضع كتابه: النظريات، فوق رأسه على رف. فيأخذه حين يخطر له خاطر، وينادي: يا ابراهيم، يا نديم، أُشطب هذا، أكتب كذا وكذا.
كان يخطر له وهو جالس أمور في النظريات الموسيقية تنقيحات في كتابه. في سنوات الحرب لم يكن يعمل. كان يخط كتابه. وظل نحو ثلاث سنوات أو أربع سنوات، خصوصاً في الصيف، يكتب. كانوا يكتبون بالقصبة. لا مطابع ولا طباعة.
ولدينا الآن بخط يده كتابه: النظريات، وكتاب الفارابي: كتاب الموسيقى الكبير. ولدي ايضاً، من ايام مكوثه في مصر، موشحات مجموعة دونها هناك، تبلغ 350 أو 360 موشحاً. نعرف منها 50 أو 60 والباقي غير معروف.
مدوّنة بالنوطة الغربية.
- نعم. كان إذا أراد أي شيء دوّن بالنوطة. هذه جمعها من مصر، ومن حلب، ومن تونس. ودوّن 14 نوبة أندلسية. وعندما ذهب الى تونس لم يجد احداً يعرف التدوين. فحفظ لهم هذه النوبات المهددة بالضياع.
لعله المعلم الموسيقي الأول في القرن العشرين. وأرى ان تبذل المؤسسات الحكومية، مثل وزارات الثقافة والمعاهد الموسيقية جهداً في اعادة طباعة تراث الشيخ علي الدرويش. لا اعادة طباعته، فهو لم يُطبع بعد اصلاً. ولم تطبع هذه المدونات والموشحات لتوضع في التداول.
- 350 أو 360 موشحاً. ولدي قائمة باسماء هذه الموشحات.
من هم مريدو الشيخ علي وتلاميذه المعروفون الآن؟
- كان يأتي بين فينة واخرى مجموعة موسيقيين من تلاميذه ومريديه: بهجت حسان ]حلب: 1937؟[ رحمه الله، وغيره. كانوا يغنون وينشدون موشحات.
حفظوها عن الشيخ علي؟
- بعضها طبعاً! هؤلاء كانوا من جماعة الحاج عمر البطش، ويأتون عند الشيخ علي. كان والدي يعلمهم بعض الحركات في السماح. كان الحاج عمر يأتي كثيراً.
حسبما أعرف ان الحاج عمر رافق الشيخ علي في بعض أسفاره الى عربستان.
- نعم! سنة 1912. وقد فاتني ان أروي لك هذه الرحلة. وكان معهما ضابط إيقاع اسمه محمد طيفور، توفي قبل مدة. وعربستان الآن في ايران، قرب البصرة. بقيا هناك سنتين، وكانت معهما فرقة كاملة. وقد أسسوا له فرقة نحاسية، رأسها والدي. بعدها ذهب الى تركية.
من كان من مريدي الشيخ علي ايضاً؟
- بهجت حسان ومصطفى ماهر وغيرهما.
وبكري الكردي؟
- جاء كثيراً عندنا. وعبداللطيف النبكي، وهو عازف نابي. ومحمد صابوني عازف القانون. كلهم توفّوا رحمهم الله. وعزيز حجار وانطون فنّون عازف الكمان.
صباح فخري ومحمد خيري؟
- كانا صغيرين سناً. ربما جاءا مرة أو اثنتين لا أكثر. لا أذكر. حسن بصّال، كان يأتي ايضاً.
ناظم الغزالي، هل كان يقصد الشيخ علي؟
- عندما ذهب الى بغداد ربما التقيا. اما في حلب فلم يأت ناظم. لا أذكر انه أتى الى حلب. عندما كنت صغيراً أذكر ان الشيخ امين حسنين جاء من مصر، وعمل في حلب وفي دمشق مدة. وكان والدي يرافقه.
نحن نتمسك بهذا التراث، ونقدر الشيخ علي أعلى تقدير، رحمه الله. وان شاء الله ان يقدّر أفضل تقدير بحفظ تراثه وطباعته ونشره لتستفيد به الامة مثلما أفادنا الله به في حياته.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.