بعد مرور أكثر من خمسين عاماً على تسجيلها كأثر تاريخي، وبعد عشرين عاماً على السبر الأول لجسم التل والقلعة، والاشغال المتتابعة لجهات عدة. بدأت أخيراً بعثة التنقيب السورية - البريطانية المشتركة أعمالها في تل وقلعة حمص الأثرية بعد عملية التنظيف الكاملة لسطح التل. ترتفع قلعة حمص في الجنوب الغربي من المدينة القديمة فوق تل ترابي تجميعي يصل الى 32 متراً، فوق مساحة تصل الى 5000 م2 بأبراجها وأسوارها المتعددة، عاكسة طراز بنائها الاسلامي، التي تعتبر واحدة من الدرر الخمس الأيوبية: قلاع حمص - حماه - حلب - دمشق - القاهرة. تنكشف التربة عن جسم التل من الجهة الشرقية لتبرز ترميمات متلاحقة لسور القلعة الشرقي الذي يصل الى أكثر من عشرة أمتار، أما في الجهة الغربية فيبرز من التل سور بازلتي يعود لفترة زمنية أسبق. أما في الجهة الشمالية ترتفع الأسوار والأبراج فوق أطراف التل بارتفاعات مختلفة. وكشفت بعثة التنقيب عن أقبية في الجهة الجنوبية تعود للعهد المملوكي وعن بعض الأقبية الاسلامية في موازاة السور الشمالي لم يطرأ عليها أي تعديل، أما في منتصف التل فقد كشفت البعثة عن درج في منتصف التل يصل الى 32 متراً في نهايته بئر ماء. يحيط بالتل خندق كان يملأ بالماء وتلتحم البيوت السكنية في الجهتين الشرقية والشمالية لتصبح مهددة بسقوط حجارة القلعة نتيجة السيول والأمطار. وقال الأستاذ فريد جبور "يشكل مرافق لهذه الأعمال تم وضع دراسة لأعمال ترميم وتدعيم جسم التل وأسوار وأبراج القلعة بالتنسيق مع جامعة البعث". ويشير الباحث محمد ماجد موصلي "ان تل حمص هو أقدم موقع نشأ فيه سكن الانسان في هذه المنطقة، نظراً لوجود قرائن أثرية مكتشفة أوان فخارية تعود الى 2500 ق.م.". ويضيف: "ان بين طيات ومغائر هذا التل أسرار هائلة تعود لعهد الحثيين". وتذكر المصادر التاريخية ان إعادة تخطيط وبناء القلعة تم عام 86 ق.م. ضمن مشروع إعادة تخطيط وبناء مدينة حمص اليميسا في عهد سلوقس نيكتور الروماني. وهذا ما يفسر وجود السور البازلتي العائد لهذه الفترة. ولعبت القلعة دوراً بارزاً في المد الإسلامي في المنطقة عندما تحولت كقاعدة للجيش الإسلامي بعد دخول العرب إليها عام 637م. وخضعت القلعة لسلطة الحمدانيين لمدة أكثر من نصف قرن منذ العام 944م، ونسبت الى أسامة بن منقذ الذي قام أبوه نصر بن علي بن المنقذ بإعادة بنائها وأخذها من بعده خلف بن ملاعب عام 1104م. وأثناء حملات الفرنجة لم تستطع اخضاع المدينة نظراً لقوة ومناعة قلعتها إلا بالطرق الديبلوماسية على رغم حصارها الذي دام 8 سنوات من عام 1129 - 1137. ولما تولى صلاح الدين الأيوبي، عين أخاه أسد الدين شيركوه الثاني حاكماً لحمص عام 1186م الذي قام بترميم جدار القلعة الشرقي عام 1198م. وفي العام 1261 أصبح الظاهر بيبرس سلطاناً للمماليك فأمر بترميم القلعة وخصها برعايته واهتمامه لتصبح قاعدة أساسية للحشد في مواجهة التهديد المغولي أو الصليبي. ويذكر أن القلعة بحاجة الى حملة ترميم تشترك فيها وتمولها كل الجهات المسؤولة سواء كانت وزارة الثقافة أو الجهات الحمصية المعنية لما لهذه القلعة من أهمية للثقافة والسياحة والآثار.