في مقال محمد الأرناؤوط، الذي نشرته "الحياة" 17/2/2000، ص21، عن: "وقف النقود"، لفت نظري قول الكاتب: "تم تجاوز مصطلح "الربا" الى مصطلح آخر: "الربح"، الذي أصبح يستخدم في دفاتر الأوقاف من دون حرج ...، وانشغل الفقهاء الأئمة منذ محمد عبده ... بالربا، والبديل المناسب له، لينتهي البعض منهم الى اقتراح مصطلح: "ربح" أو: "عائد"، بدلاً من مصطلح: "فائدة". أقول: ان هذا الكلام أراه كارثة بحق العلم والدين، ويؤدي الى تشويه عقول الطلاب والدارسين، والأستاذ الأرناؤوط مدير لمعهد بيت الحكمة، ذلك بأن كل مصطلح من هذه المصطلحات له معنى محدد، ومختلف تماماً عن سائر المصطلحات، سواء أكان ذلك من الناحية الدينية أم من الناحية الفنية. فالربح مختلف تماماً عن الربا، ولا يصح ان نسمي الربا ربحاً، ولا العكس، مهما كانت الأسباب، بل علينا ان نسمي الأشياء بأسمائها .... نعم يقال احياناً: ليست العبرة بالأسماء، ولكن هذا يقال في الموضع المناسب، يقال مثلاً في هذا الموضع الذي يريد فيه الكاتب تغيير الأسماء فقط، من دون تغيير المسميات معها. فهل تغيير الاسم يغيّر من حكم المسمّى؟ هذا يقال: ان العبرة للحقائق والمعاني، لا للألفاظ والمباني. ولكن يجب دائماً، في الدين والعلم، ان نسمي الأشياء بأسمائها، فهذا شيء مطلوب، لا يُضحّى به. وهذا الكاتب ج. ماندفل، الذي ينقل عنه الأرناؤوط، بأن مثل هذا التغيير في المصطلح يعدّ: "ثورة في الفقه الاسلامي" بعيد عن الصحة تماماً، بل يكاد ان يكون: "كارثة"، بل: "مسخرة"، في نظر المسلمين وغير المسلمين. فهناك من الكتّاب الغربيين من يشجع الفقهاء على الحيلة، لأن غرضه هو الغاية، من دون مبالاة بالوسيلة. وهناك من الكتّاب الغربيين ايضاً من يقرّع الفقهاء الذين لا همّ لهم إلا الحيل، ويصفهم بأنهم لا يزيدون على انهم اصحاب صناعة لفظية Casuistique. وعندما كنت، في فرنسا، أقرأ وأسمع مثل هذه الاتهامات، كنت أتضايق منها، وأتجرعها ولا أكاد استسيغها. فلما عدت وكُتب لي ان اختلط بالفقهاء وجدت ان ما يقوله هؤلاء المستشرقون صحيح،، بل اكثر من صحيح، وليس من عاين ورأى كمن أُخبر وسمع. فمن عجائب كلام هؤلاء انهم اذا رأوا مثلاً ان عقدين مجتمعين حرام، قالوا: نفصل بينهما، ونجعلهما مستقلين، وكأن التواطؤ ليس في حكم الشرط. هل هذا علم يستحق ان نعلمه لطلابنا وأجيالنا المقبلة؟ هل هذه هي العقلية التي يريدون ان يربّوا الناس عليها. تالله، لقد فضحونا دينياً وعلمياً ومنطقياً، فكرياً وفقهياً ومؤسسياً. جدة - رفيق يونس المصري