أنا قلقة على طفلي، إنه يمص إبهامه، فماذا أفعل؟ سؤال يتكرر في عيادات الأطباء، وعند أطباء الأسنان. وفي العيادات النفسية أيضاً. وفي تصوري كل الأولياء يريدون معرفة ما اذا كانت هذه العادة مؤذية أم لا؟ وإذا كانت كذلك، فكيف بالامكان إيقافها؟ وفي أي مرحلة عمرية؟ قلق مشروع، هذا هو رأي الأولياء. ولكن ما رأي المختصين من أطباء وتربويين؟ أنجزت الكثير من البحوث حول هذا الموضوع، وجميعها تتضمن التوجيه والإرشاد لهؤلاء الأولياء القلقين: بيد أن أول نصيحة تقدم لهم هي:لا تقلقوا. المعرفة هي العلاج الشافي. لا توجد وصفة واحدة تعطى لكل الأطفال لمساعدتهم على الاقلاع عن عادة مصّ الابهام. فما ينفع مع طفل قد لا ينفع مع طفل آخر. وكل ما علينا فعله هو مساعدته أولاً على الاقتناع بضرورة تركه لهذه العادة، والوقوف الى جانبه وتفهم مزاجه ومراعاة سنّه. قبل الخوض في ما يقوله أهل الاختصاص، بودي أن أحكي لكم هذه الحكاية المأخوذة من قصة حقيقية بطلها طفل عمره خمس سنين، وهي تروى عن لسانه. وقد يسأل بعضكم: ما علاقة قصة للأطفال بقلق الأولياء على أبنائهم من عادة مصّ الابهام؟ كاتبة هذه القصة هي الدكتورة سوزان.م.هيتلر، وهي أخصائية في الطب النفسي من جامعة هارفرد، وهي أمّ لأربعة أطفال. بدأت سوزان الاهتمام بموضوع مصّ الابهام عندما لاحظت بروز أسنان أطفالها الثلاثة الأوائل بسبب تلك العادة. فألحقت هذه القصة بدليل تشرح فيه أسباب ونتائج الظاهرة. وتنبه سوزان الى ان هذه القصة قد كتبت للأطفال ممن هم في عمر الخامسة فما فوق، وعلى أولياء الأصغر سناً إرجاء قراءتها لأطفالهم لحين بلوغهم السنّ المناسبة. وتنصح الكاتبة الأولياء بضرورة أن يقرأ أحدهم القصة على الطفل في وقت يكون فيه الأخير مسترخياً وهادئاً. وربما كان ذهابه الى الفراش هو الوقت المناسب لذلك. ويمكن ملاحظة ان للقصة أهدافاً عدة: أولها انها تمنح الطفل معلومات تقوده لكي يفضل اختيار ترك عادة مصّ إبهامه. وثانيها انها توضح له تجارب عملية لأطفال من سنه، وهذه التجارب تساعده على فهم كيفية الاقلاع عن هذه العادة، وأخيراً فهي تعزز ثقته بنفسه على انه يستطيع الاقلاع عن مصّ إبهامه. ولأنني أيضاً أمّ لطفلة في السادسة من عمرها وما زالت تمصّ إبهامها، قررت أن أترجم القصة كي أقرأها لابنتي ضمن برنامج اتفقنا معاً على تنفيذه من أجل الانتصار على الإبهام والتخلص نهائياً من عادة مصّه، خصوصاً أنها تتهم إبهامها أنه هو الذي يدخل فمها من دون استئذان. يمكن تعريف ظاهرة المصّ لدى الأطفال أنه الفعل الانعكاسي الاول لدى الوليد لاي شيء يشبه حلمة ثدي الأمّ. ومن دون هذا الفعل الانعكاسي الطفل سوف يموت جوعاً. فدافع المصّ إذاً جوهره هو الرغبة في البقاء، ذلك ان المصّ هو الوسيلة الوحيدة للحصول على الغذاء. يحاول بعض الاطفال ان يمصوا اكثر من حاجتهم الى الغذاء. وعندما يحاول الطفل ان يزيد من المصّ، فإن بعض الامهات يسارعن الى منح الطفل مدة إضافية للمصّ من الثدي، واخريات يعطينه الملهية او المصاصة الاصطناعية وبعض الاطفال يكتشفون الابهام. كما ان المصّ يهدئ الطفل الحاد المزاج ويساعد الطفل الجائع على انتظار وجبته. كما انه يزيل الاحساس بالتعب. وعندما يصاب الطفل بمغص او بمشكلات في الهضم، فإن المصّ يشغله عن الآلام المترتبة عن ذلك. كذلك يزعم ان الطفل الذي يمصّ إبهامه ينام مدة أطول وبعمق اكثر من الاطفال الآخرين لان المصّ يسهّل عودة الطفل الى النوم فيما لو استيقظ اثناء الليل. وخلال الاشهر الستة الاولى يطوّر الطفل السليم قابليته في جلب يده الى فمه، وكي يطور تلك القابلية يقوم بوضع كل ما يقع بيده من ملابس او لعب او مأكولات في فمه، إضافة طبعاً الى إبهامه. وفي بعض الاحيان يكون الابوان سبباً في دفع الطفل وتشجيعه على المصّ. فمن المعتاد الا يرغب الابوان في سماع الطفل يبكي لذا يسارعان لاسكاته بوضع الملهية في فمه او رضاعة الحليب، وأحياناً إرشاده لابهامه. وبذلك يتم تشجيعه. وفي كل الاحوال فإن عادة مصّ الابهام او حتى أصابع القدم هي ظاهرة طبيعية لدى الاطفال الرضع، ولا تستدعي الذعر من الاولياء. اما الملهية او المصاصة الاصطناعية فإن لها فوائدها ومضارها ايضاً. وميزتها الوحيدة على مصّ الابهام هي انه بإمكان الاولياء السيطرة عليها وتحديد متى يمكن ان يتاح للطفل استعمالها. من جانب آخر، فإن المصّ عند الطفل بشكل عام، سواء أكان، للابهام ام للملهية، يؤدي الى حدوث تشوهات في الاسنان وما يتبع ذلك من نتائج وتأثيرات على سلامة النطق. ومع ان ضغط الملهية او المصاصة على الاسنان هو اقل من ضغط الابهام، إلا ان المصّ المستمر للمصاصة وبشكل قوي، قد يسبب تقوس سقف الفم. وبصورة عامة، فإن رأي اخصائيي الاسنان هو ان المصّ المستمر لاي شيء سوف يؤثر على شكل الفم. ولكن البحث في التأثيرات النسبية لمصّ الابهام مقارنة بمصّ الملهية، لم يحسم بعد. وتشير سوزان في دليلها المذكور الى الازعاج الذي تسببه الملهية للأولياء. فعندما تسقط من فم الطفل لا يستطيع إعادتها بنفسه عندما يكون في الاشهر الاولى من عمره، لذا يجب ان يكون هناك من يقوم بهذه العملية المرهقة للاولياء وخصوصاً أثناء النوم. وبذلك يصبح الابهام مناسباً اكثر لكل من الطفل والابوين. وهنا ننوه الى ضرورة تجنب بعض الظواهر الشائعة وغير الصحية لخطورتها ولنتائجها السيئة. وكمثال على ذلك ربط الملهية بخيط وتعليقها برقبة الطفل، وكذلك غمرها بشيء ما يكون حلو المذاق. فالحالة الاولى قد تعرض الطفل للاختناق خصوصاً بعد ان يكون قد تعلم كيف يتقلب ويدور حول نفسه. والحال الثانية قد تسبب حدوث نخر وثقوب ومن ثم آلام في الاسنان اللبنية. في عمر المشي، اي ما بين السنة الاولى والسنة الثالثة من عمر الطفل، تقول سوزان ان المصّ في هذه المرحلة يستمر وبشكل عادي ويكون غير مؤذ، ومقبول اجتماعياً. ولكن هذا يمكن ان يكون قاعدة لخلق العادة الدائمة بمص الابهام، فعندما يصبح الطفل اكبر سناً فإن التأثيرات السلبية للمصّ قد تصبح مقلقة بشكل حقيقي. لذلك فالسيطرة على الظاهرة في هذه المرحلة امر ضروري وسيكون مجدياً على المدى البعيد على ان لا تتم مقاومة مصّ الابهام بحدة لان ذلك سوف يؤدي الى نتائج عكسية. فالكثر من الاطفال يتخطون مصّ اصابعهم بشكل عفوي خصوصاً عندما يكون الاولياء من الذين لا يشجعون المصّ وفي الوقت نفسه لا يظهرون رفضهم لذلك. فالالحاح على الطفل وتكرار جملة لا تمصّ إبهامك يمكن ان يزيد من تمسكه بالمصّ. بعد ان يتجاوز الطفل سنّ المشي ويصل الى ما يسمى بعمر ما قبل المدرسة، تبدأ مرحلة مهمة جداً في حياته إذ تتطور مهاراته ويتسع محيطه عابراً حلقة العائلة. وفي الكثير من الدراسات حول تفشي ظاهرة مصّ الابهام يذكر ان نسبة كبيرة من الاطفال في هذه المرحلة انما يمصون اصابعهم عند شعورهم بالتعب. اطفال آخرون عند شعورهم بالنعاس والذهاب الى الفراش. ومع ذلك فإن نسبة لا بأس بها من الاطفال تستمر في المص عند هذه السنّ وتفشل في تخطي العادة بشكل تلقائي. وتعزو سوزان ذلك الى انه اذا حصل ذات مرة ان تعلم الطفل المص كفعل ذاتي لحالات مختلفة وبشكل روتيني، فإنه يكون من العصب التخلي عنها. واذا كان الطفل اعتاد مص الابهام اثناء النوم فانه عندما يحاول ذلك من دون المص سيكون مضطرباً لانه افتقد شيئآً ما. انه شعور يشبه الى حد ما شعور الشخص البالغ وهو يفتقد شخصاً ما يحبه اذا ما فارقه او غادر الحياة. والطفل في هذه السن عادة ما يتحصل على متعة ولذة قليلة من المص. فالتعود إضافة الى الانزعاج من منعه، هو الذي يدفعه للمص. فالطفل لا يريد المص بالضرورة ولكنه ايضاً لا يريد ان يتحمل الآلام الناتجة من عدم المص. الطفل في سن الثالثة تزداد لديه الرغبة في اللعب وهناك اشياء كثيرة يفضلها على المص. لذلك فإن المص يصبح احياناً صراعاً مع الملل. فالطفل الوحيد ربما يشعر أنه غير مكتمل وينقصه شيء. ولكن الابهام في الفم في متناول اليد. انه الحد الادنى من الحلول التي يفضلها الطفل. مشاهدة التلفزيون ايضاً تثير الرغبة في المص عند الكثير من الاطفال في هذا العمر. اذ يحدث عندهم شعور يشبه الاسترخاء عند مشاهدة التلفزيون ويكون مشابهاً لشعور ما قبل النوم، فيأخذ الطفل دميته او غطاء نومه ويبدأ المص. الاحاسيس غير المرغوب فيها مثل الحزن والألم والقلق، ربما تدفع الطفل لوضع ابهامه في فمه. كما ان تزامن المص مع البكاء ربما كان مهدئاً للخواطر. الطفل هنا يريد ان يتعلم كيفية ايصال انفعالاته، والمص هو افضل وسيلة للتعبير. اما من الناحية الاجتماعية فالمص يقطع قنوات التواصل ويعيق التفاعل مع الآخرين ويجعل الطفل يتجنب المواجهة بأن يدير ظهره ويمصّ ابهامه مفضلاً ذلك على تطوير مهاراته الاجتماعية، عبر التعبير بالكلام عن رغباته. كما انه من الممكن للمص ان يتعارض مع القدرة على تطوير الصداقات. فالطفل الخجول بشكل خاص يجد ان اعتكافه اسهل من محاولة التكيف اجتماعياً حتى ولو كان تواقاً للصداقات. كذلك فإن الاطفال الآخرين قد يناكدون الطفل الذي يمصّ اصبعه، والاحتمال الاكبر هو انهم قد يتجاهلونه لانهم يرون تصرفه هذا شبيهاً بتصرف طفل رضيع، او انه شيء غير لطيف، فيرفضونه، وبذلك يرى الطفل الذي يمص ابهامه نفسه على هامش المنظومة الاجتماعية. صحياً، للمص تأثيرات واضحة على الاسنان منها عدم التطابق بين الاسنان العليا والسفلى، إضافة الى التغير الذي يطرأ، فالحركة في الاسنان اللبنية تسبب في شكل الفم وزوايا الاسنان مشكلات مزمنة. اما على مستوى الصحة البدنية فللمص تأثيرات كثيرة، فعندما يدخل الابهام الى الفم انما يدخل معه كل شيء، إضافة الى الاوساخ تحت الظفر. وعندها يكون الطفل اكثر عرضة للاصابة بأمراض البرد وتقرحات الحلق. ومن الامراض الشائعة المنسحبة على ذلك الاصابة بالطفيليات والديدان المعوية التي تدخل من طريق الفم وتسبب حكة في منطقة الشرج. كذلك آلام المعدة وأرق الليل، إضافة الى نقصان الشهية. وتتم العدوى في ما يخص هذه الامراض من طفل الى آخر الا ان مص الاصابع يعتبر عامل خطورة إضافياً. يسأل بعض الاولياء ان كان مص الابهام مؤشراً للاضطرابات النفسية عند الطفل في هذه السن. تجيبهم سوزان قائلة: كلا، فالمص شيء مريح للطفل ولكنه غير مقبول اجتماعياً والكثير من الدراسات أكدت ان الاطفال الذين يمصون اصابعهم ليسوا اكثر عرضة لان يكونوا انفعاليين او سريعي التأثر من غيرهم. ولكن اذا كان المص بطريقة غير اعتيادية او في عزلة ولفترة طويلة قد يشير الى كونه منزعجاً او غير سعيد. كذلك اذا كان المص واحداً من مؤشرات اخرى لاضطرابات انفعالية عندها يجب اللجوء الى استشاري في علم النفس. عندما يبلغ الطفل سنّ الدخول الى المدرسة، تقول سوزان، تصبح استمرار عادة المص مسألة مقلقة للأولياء. فالطفل الذي يمص اصبعه في المدرسة او مع اصدقائه يبدو غريباً وسوف يتم النظر اليه من قبل انداده باستغراب وربما بشيء من التعليق. ولكننا نادراً ما نجد طفلاً في هذه السنّ يمص ابهامه بشكل علني امام الآخرين، ولكنهم ربما يفعلون عند ذهابهم الى الفراش. وتلك مسألة اخرى. فهناك نسبة تجدر الاشارة اليها من المراهقين الذين يستمرون في مص اصابعهم ليلاً وهم على دراية تامة بأن ذلك عمل طفولي ويدعو الى الحرج ويسبب لهم رفضاً واحتقاراً اجتماعيين. وهذا يزعجهم في الوقت الذي يدركون أن ترك هذه العادة امر صعب جداً. تجيب سوزان قائلة ان الاطفال في سن الخامسة اكثر استعداداً لترك هذه العادة الملهية او المصاصة يمكن استبعادها قبل سن الثالثة ففي سن الخامسة يمكن للمص ان يخلف من المشكلات اكثر مما نتصور. إضافة الى ذلك فإن التخلص من المص قبل سن السادسة وقبل بدء الاسنان الدائمية بالظهور سيكون اساسياً لتجنب التأثير على شكل ومنظر الوجه. اما ما يمكن على الاولياء فعله كي يساعدوا اطفالهم بشأن ذلك فهو السير على خطى والديّ مارتن بطل قصتنا، وذلك بجعل الطفل يدرك مضار عادة المص اولاً بهدف تحفيزه على اتخاذ قرار التخلص من هذه العادة. ثم اختيار الوقت المناسب للحديث معه ومناقشة الموضوع.