يزخر تاريخ منطقة الجزيرة العربية بأحداث كبيرة أصبحت جزءاً من التراث الشفاهي العربي من النوع الذي يرويه الحكواتية في المقاهي والمجالس الشعبية، مثل "سيرة سيف بن ذي يزن" و"سيرة عنترة بن شداد". ولعل من أشهر هذه الروايات أو الحكايا سيرة بني هلال التي تغنى العرب بها ولا يزالون. بل انهم ينهلون من معينها، مذ رويت للمرة الأولى، الى الآن. واليوم، مع تطور البشرية وتقدم العلوم السمعية والبصرية وتغير أساليب أدوات المشافهة إذ أصبح انتاجها يعاد بطرق أخرى أكثر تعبيرية مثل السينما والمسرح والتلفزيون، ها هي الصورة تستولي على هذه الحكاية. فمن وحي سيرة "بني هلال" وشحناتها الدرامية أنتج الكاتب والشاعر ممدوح عدوان نصاً درامياً، أطلق عليه عنوان "حرب البسوس" وهو النص الذي يقدمه اليوم المخرج حاتم في مسلسل تلفزيوني يُصوَّر في ضواحي دمشق التي تقترب طبيعتها من البيئة الحقيقية لأحداث العمل، ويقوم بالأدوار الرئيسة عدد من الفنانين، منهم: سلوم حداد وسمر سامي وبسام كوسا وفرح بسيسو وعابد فهد وجمال نصار وقمر خلف ومهند قطيش وقصي خولي. يُعدّ المخرج حاتم علي المسلسل محاولة "لإعادة صوغ ملحمة لها موقع خاص في التاريخ العربي الشفاهي والمكتوب، ويمكن اعتبارها واحدة من الملاحم التي تكاد توازي الملاحم العالمية الأخرى، كالإلياذة والأوديسة اليونانية أو المابهاراتا الهندية"، ويقول ان ممدوح عدوان "اعاد صوغ الحكاية مخلصاً إياها مما علق بها من خرافات، من طريق رد أفعال شخوصها وتصرفاتهم الى موقعها الاجتماعي والاقتصادي والسياسي في سعي الى عصرنتها وتحميلها مجموعة من الأسئلة الكبرى عن العلاقة بين الشعب والسلطة، والحاكم والمحكوم، وكذلك عن العدل المطلق والحب بمعانيه المختلفة. هذا من ناحية الخطاب الفكري الذي لا يقل شأناً عن الناحية الفنية، إذ يمكن اعتبار تقديم مثل هذه الملحمة تلفزيونياً مغامرة تستحق التجريب". وقرر حاتم على تبني النص لأنه كما يرى "يطرح مجموعة من الخيارات حيال اعادة صوغ ملحمة تعرفها الذاكرة الجماعية والشعبية جيداً وكانت مادة أساسية لشهر رمضان قبل اختراع التلفزيون، سواء في البيت أو المقاهي". النص أولاً عن الخطة الاخراجية للعمل يؤكد المخرج انها لا بد من أن ترتكز على النص أساساً، إذ ان أي خطة معدّة مسبقاً هي بمثابة ثياب غير لائقة وليست على المقاس. فنص المسلسل يستند الى حكاية معروفة وبالتالي الى بيئة جغرافية واجتماعية محددة المعالم، وعليه لا بد من طريقة محددة لحل مسألة الديكور والماكياج والاكسسوار والملابس، لتقديم عمل مقنع يأتي خارج اطار "موضة" ما يسمى "الفانتازيا التاريخية". و"لإكساب المشاهد القدرة على الاقتناع"، استعان المخرج بخبراء معارك بصفة استشارية، من دون أن يعول كثيراً على امكان تقديم معارك محكمة إذ "ان المعارك المحكمة، كما يؤكد حاتم علي، تتطلب أن يكون جميع المشاركين من الكومبارس - على سبيل المثال - أصحاب خبرة في تنفيذ مشاهدها ويفهمون طبيعتها، والنجاح في هذه المشاهد يحتاج الى معدات تقنية تساعد المخرج على تحويل تصوراته وأحلامه وخيالاته واقعاً ملموساً في الكادر، وهذا ما نقتقده عموماً في الصناعة التلفزيونية السورية". دور امرئ القيس بن أبان في هذا المسلسل كان من نصيب الفنان جهاد سعد. وهو في المسلسل تاجر مسالم ينبذ العنف كحل للمشكلات بين القبائل - والشخصية تشبه "عنترة" - فيحاول الاتصال بكل من يتسبب في مشكلة ومحاورته حتى حلها واقامة علاقات مسالمة وارساء الصيغ الانسانية بين الناس. ولأنه صديق للزير وظله وقدره، فهو بمثابة عين رقيب تحميه من مصائب الدهر التي حلت به كموت كليب ورغبته الشديدة في الانتقام من جساس. ولكن يحدث ان يفترق امرؤ القيس عن الزير، سنوات طويلة، ليعود بكمية كبيرة من المال يقدمها هدية الى الزير تساعده في عمله، لكنه يتورط أخيراً في المعركة لأنه ينتمي الى القبيلة. وجساس الفنان عابد فهد يقف دائماً في وجه ابن عمه وصهره كليب مدافعاً عن عادات القبيلة وتقاليدها. وحين يصبح ملكاً، يعمد الى تقييد كليب من خلال وضع قوانين جديدة تكرسه ديكتاتوراً في تعامله مع أولاد عمومته ومع القبيلة عموماً. أما الفنان جمال نصار فهو وجه من وجوه القبيلة يختار امرأته من سبايا القبيلة، وهي ليلى بنت الزير. لكنه يرفض أخذها سبية بل يجعلها زوجة له. وينضم بعد زواجه منها الى أبيها وجساس. ويشارك الفنان الشاب قصي الخولي في العمل بدور شخص عصبي المزاج وصعب الطباع، يقرر الانتقام لمقتل أخيه بأساليب عدة، متحدياً الزير الى ان يواجهه في احدى المعارك.