لعلّ التفسير الأوضح لتقاطر وسائل الإعلام العالمية على التلفزيون التفاعلي، على رغم حداثة عهده، يكون بالأرقام الحالية: 20 مليون مشترك رقمي في بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة فقط، والأرقام إلى مزيد بعد الانتقال القسري إلى البث الرقمي، فضلاً عن المنتوجات والمحتويات الخاصة بذلك، والتحالفات الصناعية التي أخذت تستشرف كل احتمالات البث عبر المحطات الأرضية والفضائية والسلكية واللاسلكية... وحتى عبر الخطوط الهاتفية. خرجت الحسناء باميلا أندرسون لاهثة من حوض السباحة بعدما أنقذت شخصاً من الغرق. عدّلت ثوب السباحة الأصفر على جسدها المبلّل ونظرت إلينا بعينيها الناعستين ومبسمها اللؤلؤي، عبر شاشة التلفزيون. وحين همّت تتابع فعل الخير مع من عادت إليه الروح ويا ليتنا كنا مكانه!، برز في الشاشة سهم أبيض، دخيل على كل هذا الافتتان، واستقرّ على ثوب السباحة الأخّاذ. وسُمعت طقطقة مكتومة، مصدرها لوحة مفاتيح خاصة كان يحملها صاحبنا، انسدلت على أثرها... نافذة صغيرة شفافة - كنوافذ برامج الكومبيوتر - كُتب عليها سعر الثوب ومواصفاته ومصمّمه ووكيله الحصري. واستمرّ صاحبنا المشاهد في عمليته هذه إلى أن اشترى الثوب ل"خطيبته"، كما قال. كانت هذه واقعة من وحي الخيال! إلاّ أن المحلّلين يرون أن مثل هذا التعامل "التجاري - الترفيهي" سينتشر أكثر فأكثر مع ترسّخ مبدأ التلفزيون التفاعلي ووجهات استعماله المتكاثرة. فالتفاعل مع التلفزيون، اليوم، بات يعني أكثر من الدعاء على الشرير اللئيم الذي يعذّب البطلة الوديعة، وأكثر من الصرخة المدوّية التي نطلقها عندما تهزّ كرة "فريقنا" شباك الخصم. ولا هو اتصال ببرنامج "موريكو" - للتسوّق عبر التلفزيون - استجابة لسلعة تُعرض فيه، ولا اتصال ببرنامج "الاتجاه المعاكس" الذي يُعرض في قناة "الجزيرة" لصب الزيت على النار. التلفزيون التفاعلي هو تلفزيون رقمي عتاداً وبثّاً راجع "التلفزيون الرقمي" في مكان آخر من هذه الصفحة مقرون بالإنترنت ومحتوياتها، يسمح للمشاهد، عبر الضرب على لوحة مفاتيح لاسلكية، بالاستعلام، مثلاً، عن الإصابات التي حققها لاعب أثناء متابعة المباراة، أو التحقق من ورود بريد إلكتروني أو الدردشة مع أصدقاء بينما يتابع مسلسله المفضّل. وبدأ التحضير لتطبيق هذه "الفورية في التفاعل"، عبر التلفزيون، على نَواحٍ أخرى من الإنتاج التلفزيوني أكثر تعقيداً، وتصبّ في صميم المنطق التجاري الصرف. ويتجسّد هذا الأمر في إقدام عدد متزايد من الشبكات التلفزيونية والمنتجين التلفزيونيين، راهناً، على بيع سلع مرتبطة بشخصياتها التلفزيونية، عبر مواقع "ويب" خاصة أو بالتعاون مع أطراف أخرى. وعلى سبيل المثال، "آرون شبيلينغ" المنتج الأميركي الشهير كان البادئ في البيع اعتماداً على برامجه، عبر موقع www.asseenin.com. ويبيع الموقع أدوات وملابس كالتي ظهرت في ثلاثة عروض من إنتاجه. ويستطيع زوّار الموقع رؤية ديكورات ولقطات قريبة تعود لشخصيات تلك العروض، فإذا ضغطوا على أحد البنود يمكنهم شراؤه. ثمة موقع آخر، www.tvstyle.com، بات مستعداً لبيع الملابس التي تظهر في أكثر من 40 عرضاً تلفزيونياً، ومنها ما يعرض في محطاتنا العربية، مثل "بافي قاتلة مصاصي الدماء" Buffy the Vampire Salyer و"شلة الخمسة" Party of Five. ويذهب هذا الموقع إلى حد تأمين ملابس، بطُلَ إنتاجها، من المصمّم نفسه. ولاستوديوهات الإنتاج حصص من المبيعات أيضاً. وتتضمّن الصفقات الجديدة التعامل حصرياً، ودفع المواقع المستفيدة بدلات ارتباطها بموقع البيع. كذلك، يُتوقّع أن يطلب الممثلون، بدورهم، نسباً على المبيعات لكونهم تحوّلوا إلى عارضي أزياء فضلاً عن كونهم ممثلين. بيد أن مستقبل التلفزيون لن ينحصر في القدرة على الإبحار في "ويب" فقط خلال متابعة البرامج. فمع الزيغ الذي يصيب الحدود الفاصلة بين الوسائل الإعلامية المختلفة، تعمد مرافق "ويب" إلى تقديم محتويات فيديو بكميات يُتوقّع أن ينجم عنها أضخم فورة في الاختيارات منذ قدوم تلفزيون الكابل. اذ أن "احتمالات المحتوى لا تُحصى عملياً"، على حد قول نائب رئيس موقع "لايكوس" www.lycos.com الذي أطلق شبكته الخاصة بأعمال الفيديو. ومن خلالها يستطيع الموقع تأمين ألوف القنوات، أو حلقات برامج منسية منذ الستينات، على الطلب. وهو أمر لا يستطيعه التلفزيون التقليدي. من ناحية أخرى، يعزز التلفزيون التفاعلي العلاقة المثلى مع المستهلكين والتي يسعى إلى تحقيقها أرباب التسويق المباشر منذ سنوات. وتتجسّد في معاملتهم كأفراد وليس كمجموعات بشرية عامة وفي إقامة روابط شخصية معهم. ولذلك، يُتوقّع أن تتغيّر طبيعة الإعلانات عندما يصبح بإمكان المشاهدين برمجة المحتويات التي يريدونها من التلفزيون، فيغدو الإعلان اختيارياً ومفصّلا بناء على المعطيات الشخصية للمشترك. وعلى سبيل المثال، يتلقّى الأهل الجدد إعلانات لألعاب الأطفال والفوط الصحية، والذين يسافرون كثيراً يتلقون إعلانات عن رحلات وحسومات... وهذا ما يجعل التلفزيون التفاعلي ثورياً. تلفزيون عبر الهاتف يبدو أن آفاق انتشار التلفزيون التفاعلي لا يحدّها خيال، إذ يلجأ بعض الشركات إلى تقديم خدمات التلفزيون التفاعلي عبر الخطوط الهاتفية. والدليل الأخير على ذلك، اتفاق بين شركة "ألكاتيل" الفرنسية للاتصالات وشركة "أوراكل" الأميركية العملاقة، أواخر الشهر الماضي، على إنشاء شركة Thirdspace أي الفضاء الثالث. وتقدّم هذه الشركة برامج تلفزيونية وأفلاماً على الطلب، عبر الخطوط الهاتفية النحاس العادية معزّزةً بتكنولوجيا "خط المشترك الرقمي" DSL، من "ألكاتيل"، والتي تتيح نقل البيانات بسرعة كبيرة. من جهة، تهدف "أوراكل" إلى جعل المستهلكين يشترون عبر "ويب"، وبالتالي تسهم في زيادة الطلب على قواعد بيانات الشركة المنتشرة في أرجاء الإنترنت كافة. ومن جهة أخرى، فإن تقديم خدمات تفاعلية عبر الخطوط الهاتفية العادية يساعد شركات الاتصالات على الحفاظ على زبائنها، وربما استمالة المزيد منهم. تجدر الإشارة هنا إلى أن "أكشاك" الإنترنت، المنتشرة في مختلف أنواع المراكز التجارية، سيكون لها أيضاً دور في نشر مبدأ التفاعل الجديد، خصوصاً في مجال الإعلان التفاعلي. الإشكالية الثقافية ولكن! هل يقبل المستهلك بالطريقة الجديدة لشراء حاجاته أم أنه سيشعر بأن البرنامج التلفزيوني الصرف بات معرّضاً للخطر؟ يرى البعض في التلفزيون التفاعلي وسيلة جذابة للباعة بالتجزئة والصانعين ومزوّدي المحتويات. فبمجرّد الضغط على أي شيء بهدف شرائه يقلّص الزمن بين اعتمال رغبة المشاهد في اقتنائه وتلبية هذه الرغبة. ومن الأبعاد المهمة للبيع عبر "ويب" ومن خلال التلفزيون، تغيّر العلاقة بين الباعة ومزوّدي المحتويات. ولا بد من أن تقوم هذه العلاقة على التعاون الوثيق في إعداد البرامج والعروض التي تحث الناس على الشراء. فالمنتوجات والسلع وباقي المواد ستضاف إلى عناصر سيناريو العمل، وبالتالي، تؤثر في طريقة الإخراج والمونتاج وباقي التقنيات المطلوبة لتحقيق إي إنتاج مصوّر من هذا النوع. لكأن الدعاية جزء من الحبكة. أما البعض الآخر فيعتقد ببقاء الأمور كما هي عليه الآن، أي أن يُترك البيع للبائع والمحتوى للمنتج.ويرى أيضاً أن زواج العروض التلفزيونية والمبيع سيؤدي إلى كارثة حقيقية. فلكي تصير العروض التلفزيونية بمثابة فرص تسويق لا بد من تخطّي بعض المسائل، وأهمها طريقة التفكير عند الناس. للحصول على معلومات قيّمة، مبسّطة ومفصّلة عن التلفزيون التفاعلي، اتصل بالموقع http://www.media-visions.com. [email protected]