لم تكن معاهدة ترسيم الحدود الدولية بين اليمن والمملكة العربية السعودية في جدة في 12 حزيران يونيو 2000م أهم حدث تشهده العلاقة بين البلدين خلال العام الما ضي، بل شكلت حدثاً تاريخياً مهماً حظي باهتمام وتأييد الشعبين الجارين والدول العربية والاقليمية والدولية على اعتبار ان هذه المعاهدة حسمت أقدم خلاف حدودي بين بلدين جارين في المنطقة العربية يعود الى عام 1934 الذي شهد توقيع الجانبين على معاهدة صداقة وأخوة عربية في اعقاب حرب دامية آنذاك. وظلت المسألة الحدودية مشكلة قائمة تتجاذبها رياح العلاقات وطقوسها المتقلبة وتلقي بظلالها على مسيرة العلاقة الثنائية ومتغيراتها لأكثر من ستة عقود، ما جعل منها مشكلة غاية في التعقيد، خصوصاً ان ملف الحدود اليمنية السعودية أخذ يتسع ويكبر مع مرور الزمن من دون حسم نهائي... ولم تسمح حساسيته بإخراجه الى العلن حتى عام 1995م عندما وقع البلدان في مكةالمكرمة مذكرة تفاهم تتضمن آلية جديدة تتولى عملية التفاوض الحدودي وتعزيز العلاقات الثنائية تتمثل في بضع لجان مشتركة تؤدي مهماتها برعاية القيادتين في البلدين. غير ان اللجان الحدودية كثيراً ما اصطدمت بإشكاليات فنية في اعمالها خلال اكثر من خمس سنوات تمثلت في تباين في وجهات النظر من دون ان تصل الى حد الخلاف أو القطيعة، خصوصاً ان رغبة القيادتين كانت التواصل المستمر على أعلى المستويات بين صنعاء والرياض والذي توجته المباحثات الناجحة بين علي صالح والأمير عبدالله بن عبدالعزيز ولي العهد السعودي اثناء زيارة الأخير لصنعاء في 22 أيار مايو 2000م ومشاركته على رأس وفد رفيع المستوى في احتفالات اليمن بالذكرى العاشرة للوحدة، ثم زيارة الرئيس اليمني الى جدة في 12 حزيران يونيو 2000م والتي انهت آخر نقاط الخلاف في وجهات نظر المفاوضين وهيأت للتوقيع على معاهدة الترسيم النهائي للحدود البرية والبحرية بين البلدين بكل خطوطها وتفاصيلها الجغرافية والفنية. واعتبرت الجامعة العربية هذه المعاهدة اتفاقاً تاريخياً جسّد ارادة البلدين في تجاوز كل ما من شأنه ان يعوق تطور علاقاتهما وتوسيع آفاقهما، ونموذجاً للأسلوب الأمثل في كيفية معالجة قضايا الحدود بين الدول العربية وحلها بالطرق والوسائل السلمية في اطار الحفاظ على مصلحة الطرفين وحقوقهما. ووصف مجلس التعاون الخليجي المعاهدة بأنها تعكس صدق الارادة السياسية وتقيم شاهداً آخر من شواهد التاريخ على النيات الصادقة ومقتضيات الأخوة والعقيدة والجوار والمصالح المتبادلة. وقال جميل الحجيلان أمين عام مجلس التعاون في تصريحات صحافية "إن هذه المعاهدة تعد حدثاً تاريخياً بالغ الدلالة والأثر ومدعاة للغبطة والابتهاج". وبعد أقل من ثلاثة أسابيع على توقيع معاهدة ترسيم الحدود، كانت المؤسسات الدستورية والحكومية في البلدين قد صادقت عليها لتصبح سارية التنفيذ بصورة نهائية. المعاهدة وقّعها عن اليمن نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية عبدالقادر باجمال وعن السعودية الأمير سعود الفيصل وزير الخارجية.