انطلقت في أروقة المحكمة الدستورية في الكويت امس جولة جديدة من المواجهة بين مناصري الحق السياسي للمرأة وخصومه. وبدأت الهيئة القضائية العليا برئاسة المستشار عبدالله العيسى النظر في دعوى جديدة ضد قانون الانتخاب الذي يحصر حق الانتخاب والترشيح في الرجال دون النساء. وقدّم هذه الدعوى "رجل" لمصلحة النساء بعدما خسرت ناشطات كويتيات أربع دعاوى مماثلة خلال العام الماضي لأسباب قانونية شكلية لكن دعوى عدنان حسين الناخب في الدائرة الانتخابية الثامنة مشرف على وزير الداخلية وجدت طريقها الى المحكمة الدستورية الامر الذي جدد أحلام الناشطات ومناصري "حق المرأة" بعد إحباط كبير لهم في أروقة مجلس الأمة البرلمان الذي يهيمن عليه الاتجاه المحافظ. وأرجأت المحكمة التي عقدت جلستها الاولى امس إصدار حكمها في هذه الدعوى الى 16 كانون الثاني يناير المقبل. ومعلوم ان المحكمة ذاتها رفضت في وقت سابق من العام الحالي أربع دعاوى رفعتها نساء ناشطات في مجال الحقوق السياسية للمرأة ضد وزير الداخلية بسبب امتناع مقار تسجيل الناخبين في شباط فبراير الماضي عن تسجيل اسماء عشرات منهن، وجاء الرفض لأن حق رفع الدعاوى الى المحكمة الدستورية غير جائز للافراد العاديين. لكن الدعوى التي رفعها المواطن عدنان حسين العيسى على وزير الداخلية للسبب نفسه لدى هيئة الطعون الانتخابية في نيسان ابريل الماضي كانت أوفر حظاً وبلغت ابواب المحكمة الدستورية، مما عدّته الناشطات الكويتيات فتحاً جديداً ومهماً. وكانت جهود تغيير قانون الانتخاب بدأت اساساً بمرسوم اصدره الأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح في 16 ايار مايو 1999 بتغيير المادة الاولى من قانون الانتخاب على نحو ينهي احتكار الرجال لهذا الحق منذ بدء العمل بالقانون العام 1961. غير ان مجلس الامة البرلمان رفض المرسوم في تشرين الثاني نوفمبر 1999 ضمن 45 مرسوماً صدرت في غيابه ولأسباب سياسية ودستورية. فقدم النواب الليبراليون اقتراحاً بديلاً لمصلحة حق المرأة السياسي فأسقطه تحالف المحافظين في المجلس مع الاسلاميين والقبليين. وخلال الجلسة امس ترافعت المحاميتان كوثر الجوعان وعدوية الدغيشم عن الطاعن بالقانون. فقالتا ان المادة الاولى من قانون الانتخاب مخالفة للمادة 29 من الدستور التي تنص على المساواة بين المواطنين، وللمادة 108 من الدستور التي تنص على ان عضو مجلس الامة "يمثّل الامة بأسرها"، والامة تضم الرجال والنساء. وقالتا ان حرمان المرأة الكويتية من حقوقها "خطأ جسيم يجب تصحيحه". ومن الجانب الآخر ترافع المستشار حمدي الدويك ممثل ادارة الفتوى والتشريع التي تمثل الحكومة لدى القضاء. فقال ان الدعوى المرفوعة الى المحكمة "لم تستوف الشروط الكاملة لرفعها الى المحكمة الدستورية" وانها "رُفعت من شخص غير ذي صلة بالموضوع". واما المحامي عادل البحيري الذي حضر ممثلاً ل22 مواطناً من الاسلاميين رفعوا دعوى مضادة لانتخاب وترشيح المرأة فاعتبر ان الادعاء على وزير الداخلية كان الغرض منه الوصول الى المحكمة الدستورية، مما يُعد التفافاً على الشروط الموضوعة للادعاء لدى هذه المحكمة، والمحصورة بثلاثة اطراف هي الحكومة او مجلس الامة او محكمة اخرى في الجسم القضائي. ويرى مراقبون ان المحكمة الدستورية باتت في وضع دقيق وحساس لأن لقرارها تداعيات قانونية وسياسية مهمة جداً. وتوقع بعضهم ان يؤدي صدور قرار من المحكمة بعدم دستورية قانون الانتخاب الى انهيار المجلس الحالي والغاء انتخابات تموز يوليو 1999 وسائر القوانين التي اصدرها هذا المجلس "الذكوري" وهو وضع مربك جداً للدولة وللقضاء. لذا فان المحكمة ستكون حريصة على ان تتجنب وقوع اي فراغ سياسي او قانوني الامر الذي لا يخدم طموحات المتحمسين لقرار "راديكالي" من أعلى سلطة قضائية لمصلحة حق المرأة. كذلك فإن إرجاء الحكم في القضية الى ستة اسابيع مقبلة سيجمّد مساعي النواب الليبراليين في المجلس الحالي لتحريك اقتراح جديد بتعديل قانون الانتخاب بدل ذلك الذي سقط العام الماضي، اذ ان كسب المعركة في القضاء أيسر في التكاليف السياسية من معركة برلمانية طويلة ومرهقة امام التكتل الاسلامي - القبلي العنيد والمؤثر تحت قبّة البرلمان.