} درجت العادة على أن تشتري شركات الإتصالات الكبرى شركات الإنترنت الجديدة النشأة، لكن مطلع العام 2000 شهد انقلاباً في هذا المجال، إذ أعلن أن شركة "أي أو أل" المزودة لخدمات الإنترنت دفعت 140 بليون دولار أميركي في مقابل الاندماج مع مجموعة الاتصالات والمؤسسات الإعلامية "تايم وورنر". بدأت المفاوضات بين الشركتين في تشرين الأول اكتوبر 1999 بمبادرة من رئيس "أي أو أل." ستيف كايز. وأعلنت الإثنين 10 كانون الثاني يناير 2000، في نيويورك، نية اندماج الشركتين، تحت إسم "أي أو أل تايم وورنر"، في عملية بلغت قيمتها المادية 350 بليون دولار أميركي، على أن يؤول 55 في المئة من رأس المال إلى "أي أو أل". ومنعاً لأي شبهة بسيطرة ما، يشدد مديرو الشركة وممثلوها في كل مناسبة إعلامية على أن اندماجهم هو "اندماج المتساوين"، وقد ألفت لجنة دمج من الشركتين تسهر على توزيع المهمات في شكل موزون ومتناسق. ويمكن اعتبار نتيجة اندماج الشركتين نشأة المؤسسة العالمية الأكبر في ميدان الاتصالات. فشركة "أي أو أل" هي الأبرز في تزويد خدمات الإنترنت، وتعد "تايم وورنر" الأولى في مجال الاتصالات والإعلام، فهي مالكة مجموعة الصحف "تايم"، وشبكة التلفزة "سي أن أن"، ومؤسسات إنتاج سينمائي وموسيقي. واعتبر المحللون في "وول ستريت" أن هذا الاندماج سيسمح لشركة "تايم وورنر" بالارتباط بالإنترنت - وهذا ما كان ينقصها - أما "أي أو أل" فإنها ومن خلال شبكة شريكتها السلكية ستتمكن من التواصل عبر شبكة ذات فائدة كبيرة. وصرح كايز أن "أي.أو.أل تايم وورنر" ستغير جذرياً الوسائل التي تعودها الناس في الحصول على المعلومات والتواصل في ما بينهم. أثار هذا الإندماج ردود فعل كثيرة في عالم مؤسسات الإنتاج المعلوماتي والشركات الكبرى، كانت في غالبيتها سلبية طبعاً، وأفضل تلخيص لحال القلق التي سادت عنوان صحيفة "لا تريبون أنتر أكتيف" الفرنسية، في عددها الصادر بعد إعلان الاندماج بين الشركتين : "مؤسسات الإعلام والمعلوماتية الأميركية تحت تأثير الصدمة". وقد راح البعض - المصدوم - يراهن على قيام تكتلات أخرى، قد يكون بينها تقارب بين شركتي "ديزني" و"ياهو" . ولم يقتصر التخوف على المؤسسات الأميركية، إنما طار فوق المحيط الأطلسي وسيطر أيضاً على الشركات الأوروبية. واعتبر الخبراء الأوروبيون أن الشركات المندمجة الأميركية ستحكم قبضتها على الأسواق في القارتين. وتكاثرت الأسئلة : هل تسيطر الشركات الأميركية على سوق الإنترنت في أوروبا؟ وهل تكون مفاتيح التحكم بالتوزيع الإلكتروني للانتاجات الموسيقية في أيدي الأميركيين أيضا؟... وكيف يمكن الحديث عن مساحات للمنافسة في ظل تزاوج الشركات العملاقة؟ من ناحية أخرى، لا تقلق هذه الهواجس والتساؤلات الشركات التجارية فقط، بل ان متابعة سريعة لتعاطي هيئة التجارة الفدرالية في الولاياتالمتحدة الأميركية والمماطلة في إعطاء حكمها النهائي في موضوع دمج الشركتين حتى الآن ، تثبت تخوفها هي أيضاً. وكان من المفترض أن تعلن اللجنة قرارها في تشرين الثاني نوفمبر، ثم تأجل إلى 11 كانون الأول ديسمبر، الجاري. وقد أبدى أعضاؤها تحفظات عن شرعية هذه العملية وعدم معارضتها القوانين ضد الاحتكار. ويعلن دائماً أن اللجنة تدرس في شكل دقيق اعلان الشركتين أن اتفاقهما سيؤدي إلى منفعة للمستهلك، وأنهما سيجعلان سياسة الإنتاج والتوزيع فيهما منفتحة على المنافسة وبعيدة من الاحتكار. ويبقى أن بت اللجنة هذه المسألة ايجاباً سيكون الإطلاق الحقيقي للزواج بين الإنترنت والوسائل الإعلامية التقليدية. ب. ط.