بعد 13 عاماً من أعمال الحفر والتنقيب والترميم حقق خبراء الآثار والباحثون الالمان واليمنيون إنجازاً أثرياً تمثل في الكشف عن معبد "الشمس" السبأي المعروف تاريخياً بعرش الملكة السبأية الأسطورة "بلقيس" والذي افتتح رسمياً أمام الزوار في 18 تشرين الثاني نوفمبر الماضي في محافظة مأرب 170 كيلومتراً شمال شرقي العاصمة صنعاء ليصبح أعظم كشف أثري يحققه الأثريون في اليمن خلال قرن من الزمن. ويعتبر الكشف أهم البراهين التاريخية على الحضارة السبأية في المنطقة بأكملها منذ ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد وتحديداً أواخر الألف الأول قبل الميلاد المواكبة لعصر الملكة "بلقيس" التي ظلت وعرشها ومعبدها اسطورة تاريخية، ونقوشاً أثرية، وصوراً متناثرة على احجار "البلق" المهدمة وهي الملكة التي جلست على عرش الحضارة السبأية بعراقتها وقوة نفوذها الحضاري الذي امتد تجارياً وعسكرياً الى مناطق القرن الأفريقي غرباً وبلاد الشام شمالاً حتى مصر وغزة وما وراء النهرين. ومن أرض "سبأ" ومن فوق سماء عرش بلقيس ومعبد الشمس عاد "الهدهد" الى النبي سليمان بالنبأ العظيم كما جاء في القرآن الكريم على لسان "الهدهد" عندما وجدها وقومها يعبدون الشمس من دون الله وهي تحكمهم ولها عرش عظيم... وتشير النقوش والدلائل الأثرية الى أن الحضارة السبأية كانت أول حضارة يمارس أهلها الشورى الديموقراطية منذ ثلاثة آلاف سنة قبل الميلاد، وهو ما أكده القرآن الكريم على لسان الملكة "بلقيس" وهي تشاور الناس في رسالة سليمان التي يدعوها فيها الى الدخول في دين الله. قال تعالى في صورة النمل "قالت يأيها الملأ أفتوني في أمري ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون. قالوا نحن أولوا قوة وأولوا بأس شديد والأمر اليكِ فانظري ماذا تأمرين". ويبدو معبد "الشمس" اليوم على أرض مأرب بأعمدته الستة وساحته وبيت الصلاة واروقته الفسيحة معلماً بارزاً للحضارة السبأية القديمة إضافة الى البوابة الخارجية المنحوتة من كتل صخرية يبلغ ارتفاع الواحدة منها أكثر من ثمانية امتار، وكذلك الدرج الذي يؤدي الى داخل المعبد والمقابل لمجمع العرش عرش بلقيس وفق نظام معماري فريد ونادر ومتين يوحي بالروعة والجمال وعظمة الحضارة في البناء والتشييد يخرج من تحت رمالٍ ظلت تتراكم عليه آلاف السنين لتخفي واحداً من أهم معالم الحضارة القديمة في العالم. وتميز العام الماضي بالاكتشافات الأثرية المهمة الأخرى. فعلى بعد نحو 3 كيلومترات من معبد "الشمس" في مأرب يستأنف فريق من الخبراء الاثريين الأميركيين أعمال التنقيب والحفر والترميم لمعبد "القمر" محرم "بلقيس" الذي يعتبره خبراء الآثار التابعون للمؤسسة الأميركية لدراسات الإنسان أعجوبة الدنيا الثامنة. ومن المتوقع ان تستمر اعمال الحفر الأثري في المعبد 12 عاماً وتكلف 12 مليون دولار. وسيكون جاهزاً لاستقبال الزوار بين عامي 2011 - 2012 ميلادية. وفي هذا السياق أعلن فريق أثري فرنسي في 29 تشرين الثاني نوفمبر الماضي في صنعاء عن اكتشاف مقبرة أثرية كبيرة على مشارف الصحراء في جبل جدران شمال شرقي منطقة مأرب تضم 1500 قبر جماعي يعود تاريخها الى الألفية الثالثة قبل الميلاد. وكان الفريق الفرنسي بدأ أعمال التنقيب فيها أوائل العام 1999م وانتهى من الجولة الثانية أواخر تشرين الثاني نوفمبر الماضي، وكُشف خلال ذلك 11 قبراً بتكويناتها ومحتوياتها من العظام البشرية والحلي التي كانت تدفن مع الموتى إضافة الى بعض الأواني الفخارية.