في زحام القادة الثوريين في العالم الثالث، لم يطفُ على السطح قائد أكثر غموضاً من رئيس منظمة التحرير الفلسطينية السيد ياسر عرفات، وقد ظهر ذلك جلياً في موقفه من الغزو العراقي للكويت، والقطيعة التي تلت ذلك بين الطرفين، والتي يتساءل الكثيرون عن أسباب استمرارها حتى الآن، خصوصاً أن كل الدول التي يطلق عليها وصف "دول الضد" مثل الأردن والسودان واليمن وتونس أعادت الكويت العلاقات معها ولم تفعل ذلك مع منظمة التحرير على رغم استمرارها بالوفاء بكل التزاماتها السياسية والمالية تجاه القضية الفلسطينية، بدءاً من دفع حصتها في ميزانية الأونروا وصولاً إلى التبرع بمئة وخمسين مليون دولار لدعم الانتفاضة، ومروراً بمشاريع صندوق التنمية الكويتي في مناطق السلطة بعد اتفاق أوسلو. ويتساءل كثيرون أيضاً عمن يتحمل مسؤولية هذا الوضع، ومن هو الملوم الأول في ما آلت إليه الأمور، ولماذا ظل الموقف الفلسطيني مسانداً للنظام العراقي على رغم تناقض الغزو والاحتلال مع أطروحة منظمة التحرير في صراعها مع إسرائيل، ولماذا لا يبادر مسؤولو المنظمة إلى إصلاح ماخربوه من علاقات، وهل عودة العلاقات مع "دول الضد" تعني بالضرورة حتمية عودة العلاقات مع منظمة التحرير، وهل صحيح أن كون المنظمة الحلقة الأضعف في المنظومة العربية جعل الكويت تتجاوزها ضمن سياستها الحريصة على وحدة الصف العربي. لعل البعض راهن على أن يؤدي استئناف العلاقات الشخصية كما تمثل في المصافحة والقبلات في القمتين العربية والإسلامية إلى استئناف العلاقات السياسية، عندما بادر عرفات في القمتين الى السلام على النائب الأول لرئيس مجلس الوزراء ووزير الخارجية الشيخ صباح الأحمد. ولكن التطورات اللاحقة أظهرت أن المصافحتين ليستا إلا خطوة في مسيرة الألف ميل، وأن الأمر يحتاج إلى أكثر من القبلات، وأن المصارحة قبل المصالحة هي الشعار الذي يجب تطبيقة خاصة مع المنظمة. ويهمني قبل أن أجيب عن هذه التساؤلات أن أذكر أن الطرف الفلسطيني ظل يحاول، طوال الفترة الماضية، أن يؤجج الخلاف بين الطرفين من خلال التصريحات الإستفرازية التي يدلي بها بشكل ملفت للنظر، رئيس الدائرة السياسية بالمنظمة فاروق قدومي، فيما يحاول مسؤولون آخرون على استحياء إمساك العصا من نصفها بين الكويتوالعراق خوفاً من الخروج على الإجماع بشكل سافر، ما يمكن أن يؤدي إلى خروجهم من المنظمة، أما لماذا استمرار الانقطاع - حتى لا نقول القطيعة فلذلك أسباب منها: أولاً: الملوم الأول في هذا الأمر هو منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها السيد عرفات، لكون ما حدث يعتبر طعنة من الخلف لشعب ودولة ظلاّ طوال سنين داعماً أساسياً للثورة الفلسطينية، ووفرا لها الغطاء السياسي والمالي من دون منة، وحتى الغزو كانا يحتضنان من الفلسطينيين ما يقارب سكان الكويت عدداً رغم كل مخاوف التوطين، حتى يتحقق للشعب الفلسطيني كافة حقوقه كافة بدءاً من تقرير مصيره حتى إقامة دولته المستقلة على ترابه الوطني، وعودة اللاجئين. فالكويت لم تتوقف عن تقديم المساعدات المالية، حتى خلال فترة الغزو للشعب الفلسطيني، وهذا ما شهد به المسؤول الفلسطيني المختص بشؤون اللاجئين أسعد عبدالرحمن الذي أشار إلى أن تبرع دولة الكويت للاجئين الفلسطينيين لم يتوقف خلال هذه الفترة أو حتى فترة ما بعد التحرير، اذ بلغت التبرعات في العامين الماضيين ما يقارب الخمسة وعشرين مليون دولار فقط للأنروا والجامعات الفلسطينية. ثانياً: عودة العلاقات مع الدول التي ساندت الاحتلال تختلف اختلافاً جوهرياً عما قامت به المنظمة، لكون تلك الدول ساندت الاحتلال إعلامياً وسياسياً فقط بينما قامت المنظمة بإشراك قواتها في عملية الاحتلال بالإضافة إلى الدعم السياسي والإعلامي. وهذا يعتبر تدخلا مباشرا في وقائع الغزو، بخلاف ما فعله الباقين، فقد أرسلت المنظمة قوات فلسطينية لمساندة المحتل شاركوا في التنكيل بالشعب الكويتي وهذا يعرفه كل من عاش في الكويت أثناء الاحتلال، سواء من كويتيين أو عرب أو أجانب، وشهدوا به خلال المحاكمات لهؤلاء المتعاونين عندما قبض عليهم داخل الكويت بعد هزيمة قوات الاحتلال، ولم يحدث أن تبرأ مسوؤل فلسطيني من هذه القوات وما تفعله في الكويت، وهذا يعني أن المنظمة تورطت بشكل مباشر في هذا النزاع العسكري، وربما حتى في التحضير له، وهذا يؤكد ضرورة التمييز عند التعامل مع الحدث بين الدول تلك وبين المنظمة. وربما لو نظرنا إلى مسيرة المنظمة منذ إنشائها وحتي اليوم لوجدنا أن الحالة الكويتية مع المنظمة ليست الفريدة من نوعها، ففي العام 70 خرجت المنظمة ورئيسها من الأردن بعد صراع دموي وعبثي فرق بين الأخوة، ولم يتمكن السيد عرفات بعده من العودة إليها إلا بعد مضي عشرون عاماً، كما خرج من لبنان بعد كل ما صنع بها في العام 82 ولم يعد إليها حتى الآن، فلماذا فقط يطلب من الكويت ما لا يطلبه من الآخرون أم أن الأمر يختلف. وليقين الكويت أن القضية الفلسطينية قضية إستراتيجية للأمة العربية لا يجوز إخضاعها لمناورات المغامرين السياسية ، وأنها يجب أن ترتفع فوق المصالح الشخصية، بادرت إلى بذل ماتستطيعه في سبيل تطوير العلاقات بين الشعبين الكويتيوالفلسطيني، هدفها في ذلك التسامي على ظلم ذوي القربى، إلا أنها فوجئت برسالة موجهة من الشعبة البرلمانية الفلسطينية في المجلس الوطني الفلسطيني، والتي من المفترض أن تراعي العلاقات الشعبية مع الكويت على اعتبار أنها، ممثلاً للشعب لا للسلطة تصر من خلالها على إبقاء العلاقات سيئة، وتطلب من رئيس المجلس الوطني الفلسطيني سليم الزعنون، وبقية النواب الفلسطينيين المشاركين في المؤتمرات البرلمانية الدولية، التصرف بحزم مع من يحاول الإدلاء بأية تصريحات يفهم منها المساندة للشعب الكويتي والتعاطف معه، بالإضافة إلى دعوة النواب الفلسطينيين إلى زيارة العراق، والالتقاء برئيسة والتضامن معه بعدما قام به هذا الديكتاتور من مذابح تجاه شعبة والشعب الكويتي، في خطوة لترسيخ عملية الاستفزاز في عقل الشعب الكويتي، متجاهلين أن الكويت قامت من حلال وفدها للمؤتمر البرلماني الدولي الأخير في العاصمة الإندونيسية جاكرتا سحب البند المتعلق بالأسرى الكويتيين في سجون النظام العراقي من أجل مشروع القدس والشعب الفلسطيني، كل هذا والمنظمة وقيادتها تصر على تبني المواقف المسيئة للكويت، لسبب تافه، يتعلق بموقف الشعب الكويتي من الشعب الفلسطيني قبل الغزو عندما أوصل التبرعات الكويتية إلى الشعب الفلسطيني في إنتفاضته الأولي مباشرة، ولم تكن عن طريق المنظمة، وهذا ظهر في رسالة بعثتها المنظمة إلى الحكومة الكويتية عن طريق طرف ثالث تطالب خلالها بالتبرعات التي جمعت مابين عامي 87- 89 للانتفاضة الفلسطينية، على رغم المنظمة تعلم قبل غيرها أن تلك الأموال سلمت للجمعيات الأهلية مباشرة للصرف من خلالها على المحتاجين من أخوتنا في فلسطين، أذن هذا يظهر أن ما يحدث لا يعدو أن يكون معاقبة للكويت على موقفها بتوصيل المساعدات مباشرة لمحتاجيها وليس إلى جيوب يمكن أن تبتلعها، وتحجبها عن مستحقيها، ولعل في رد السيد عرفات على أحد الأثرياء الفلسطينيين في الخليج عندما عاتبة على موقفه ما يؤكد هذه الحقيقة عندما فاجأه بالرد قائلاً: "لماذا يدفعون للجان الخيرية في فلسطين مباشرة ولا يدفعون لي"، أليس في كل هذه الأسباب سبباً ما يغني عن القول من هو الملوم. * صحافي كويتي.