قصة الفنان الجزائري المعروف علي سيلام لا تخلو من الإثارة والحسرة. فهو ما إن برزت تجربته في اول التسعينات، من خلال اكثر من تظاهرة ومناسبة تشكيلية، حتى انقطعت اخباره من دون سابق انذار. لكنّه لم يلبث ان لجأ الى فرنسا قبل سنتين. وكان هو وزوجته يدرسان في جامعة فرنسية بعيداً عن الانظار. من محاسن الصدف ان الفنان الجزائري خرج عن صمته قبل ايام عبر معرضه الشخصي الذي اقيم في المركز الثقافي في "لا فالوا"، وهي القرية التي تقع في ضواحي باريس. لكنّ الرسام قدّم لوحاته من غير ان يخرج هو الى الضوء. وبدا ان علي سيلام امعن حقاً في سكنى الظل والعتم، اما معرضه فكان حافلاً بحرائق شمس الجزائر ودفء ثورتها التي شارك في توطيد بعدها الثقافي الى جانب استاذه محمد خده وقد ورث عنه ذلك البحث الدؤوب عن الهوية العربية في اللوحة والتي خصتها "الفرانكوفونية" خلال الاحتلال. ومن هذه الانطلاقة ارتبطت تجريدات الاول والثاني بمدرسة باريس في "التجريد الغنائي، والمزروعة فيها شجرة زيتون تبوح بانماط من الحروفية "والاشاراتية" العربية الخاصة. قد يكون اهم ما ورث عن محمد خده هو الثقافة التعدّدية، والسعي الجدي للالتحاق بركب العصر والتأصيل الثقافي في آن. فالاثنان لا يخجلان من استخدام اللغة الفرنسية. فهي بالنسبة اليهما اداة استرجاعهما لذاكرتهما اللغوية الاصلية وكذلك الامر في التشكيل. ويحضرني المعرض التكريمي الذي اقامه علي سيلام في المتحف الوطني للفنون الجميلة عام 1990 تحيّة لفنانة الجزائر "بايه"، والتي اصبحت رمزاً ثقافياً ونضالياً مثل جميلة بوحيرد. كان تعصّبه لجذور الثقافة الجزائرية التي تمثلها بايه اكبر من ثقافته الفرنكوفونية، بل ان هذا التعصّب لفنانة شعبية بريئة تتفوق على تصويره النخبوي، لأنه يعتبر صورها مخزوناً للتراث الشعبي وللمخيلة الجمعية. بل انه كان ينادي بها نموذجاً يحتذى حتى شاعت في الطوابع وسواها. وعلى رغم ان علي سيلام معروف كمصوّر ومختص به من خلال دراسته في "معهد فنون الجزائر" فان طباعاته وحفره وتصاميمه الغرافيكية تبدو متقدمة على مستوى لوحته التشكيلية. والسبب بسيط ويرجع الى بحثه الملتزم والقومي والدؤوب عن الاشارة والرقش "الذاكراتي" الذي يوثق به الفراغ. وهو ما يصلح للرسم في المحفورات اكثر من تلاؤمه مع المصادفات اللونية وهذيانات الضوء. تبدو لوحته احياناً متخمة بالتفاصيل الفولكلورية والاكسسوارات المشرقية والحروفيات وسواها. ولذا فكلما اقتصد في التلوين انكشفت رهافته الغرافيكية. ولكن هذا لم يمنع نجاحاته التي تفوّق فيها على استاذه محمد خده، وخصوصاً في تحليله تشريح شجرة الزيتون وتفتيت بنيتها الى شرائح تجريدية. وقد بدت في المعرض الراهن وكأنها حياكة شطحية لا علاقة لها بدلالة الشجرة. ولكن هذا ايضاً ومن جديد لم يمنع من اقحامه بعض العناصر كالمآذن والقباب والأهلة، في طريقة تحتاج دوماً الى مراقبة وتكشف اغراء الاشارات والرموز المباشرة، مما يتناقض مع فطرته التشكيلية وموهبته وتوهجه المعرفي.