تختلف سهرات رمضان اختلافاً بيناً بين الأمس واليوم اذ فرض تطور الحياة العصرية نوعاً من العادات والطقوس، وخصوصاً في سهرات رمضانية لا علاقة لها بالمأثور من سهرات الاسلاف في الأيام الخالية يكفي أن نذكر مثلاً ان جهاز التلفزيون وحده، والذي يقدم برامج احتفالية ومسلسلات متتالية، ومنوعات مختلفة، ألغى عادة السهر التقليدية مع الحكايات والمسامرات والاستماع الى الحكواتي، ومتابعة مشاهد خيال الظل، فالبث الفضائي على مدار الساعة استقطب العيون والأذهان، فمن طبق رمضان، الى الفوازير، والمسلسلات والبرامج الدينية الى المسابقات والابتهالات، والأعمال التاريخية... يكفي ان نذكر ان أية محطة فضائية عربية ثبث وسطياً، وطيلة شهر رمضان، خمسة مسلسلات في اليوم الواحد، عدا بقية البرامج، فإذا اضفنا اليها أوقات العمل والراحة والنوم، وجدنا أنها استهلكت أكثر، أو كل، الأوقات التي كان الناس يخصصونها سابقاً لسهرات رمضان التقليدية في البيوت للنساء وفي المقاهي للرجال. وعن رمضان لدى الأسلاف كما يقول الباحث المؤرخ منير الكيال كان الناس في عصر الخلفاء الراشدين يتخذون من شهر رمضان موسماً كريماً لعبادة الله، يتسابقون فيه الى رحمته ورضوانه بمحاربة النفس الامارة بالسوء، وعزوفهم عن المادة، والعمل على تطهير الروح، ونهي النفس عن الهوى. وكانوا يحيون ليالي رمضان بقراءة القرآن الكريم والذكر وإحياء سنن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم والعبادات، فلا يبقى مسجد ولا منزل إلا وفيه قارئ للقرآن أو مصل، وما كان يحلو لهم الطعام سواء عند الافطار أو السحور إلا برفقة الوافدين على الحاضرة من الطارئين وأبناء السبيل والمستحقين. وفي العصر الأموي كان الناس يمسكون عن المنكرات وينصرفون الى صالح الأعمال. أما دولة العباسيين، فعلى الرغم من أنها كانت متمسكة بالدين حيث تعظم شعائر الدين في رمضان وتراعى في أيامه الحرمات، إلا أنها كانت أيضاً مولعة، وخصوصاً أيام الرشيد، بالتفنن في اعداد وسائل المرح والترفيه بالولائم والحفلات، في القصور أو البيوت أو الحدائق، وكانت ليالي رمضان مفعمة بألوان التسلية حافلة بكل ما يبهج الرعية، وذلك تحت ضوء المصابيح التي كان يستكثر منها في رمضان. وفي العصر العثماني كان الولاة يهدون الى أعوانهم أطباقاً مملوءة بأفخر أنواع الحلوى وكل طبق فيه صرة نقود ذهبية. وفي دمشق، أيام زمان، كانت الدولة تغلق أماكن العبث واللهو، فتقتصر السهرات على اللقاءات العائلية حيث التسلية البريئة والحكايات الطريفة والحزازير... كان الرجال يخرجون الى المقاهي بعد صلاة التراويح حيث يتسامرون أو يستمعون الى الحكواتي، أو يشاهدون مشاهد من خيال الظل أراكوز وعيواظ. وفي هذا الشهر تعود السهرات الدمشقية العريقة الى تألقها لدى الكثير من الأسر الدمشقية حيث يجتمع الأقارب، نساء ورجالاً، يتبادلون النكات، ورواية أخبار السلف وقفشاتهم، ولا يزال لتلك السهرات الرواسب العذبة في نفوس الناس، وبعض هذه السهرات يتخللها الغناء والطرب البريء، وبعضها الآخر يقوم على التحدث عن الناس، وتسمى هذه العادة "مقلاية" اشارة الى ذكر عيوب الآخرين وتقليب أوضاعهم، ومع ان الغيبة والنميمة من المحرمات، فإنها محللة لدى البعض خلال هذه السهرات. هذا في القديم... أما اليوم اختلف فالأمر باختلاف الزمن والعادات والتقاليد تحولت العائلة الكبيرة الى أسر صغيرة مبثوثة بين الأحياء والضواحي، ولا تلتقي الأسرة بالأخرى، إلا لقاءات عابرة وفي المناسبات حتى في مناسبات رمضان تكون اللقاءات متباعدة كما أن الولائم لم تعد كما كانت في الماضي، لما يترتب على الداعي المضيف من مصاريف ونفقات لا يتحملها دخله المحدود. أما نديم السهرات في رمضان الآن فهو - كما قلنا - التلفزيون، وخصوصاً برامج الفضائيات المتنوعة حتى بالنسبة الى الذين يحرصون على متابعة القضايا الدينية هناك برامج ترضي ميولهم وأذواقهم حتى الطبق الذي تعده المرأة ليكون طبقاً رئيسياً على مائدة الافطار هناك من يقدمه لها وطريقة صنعه فتجد نفسها أمام خيارات عديدة، فكل فضائية في رمضان تبث مثل هذا البرنامج الخاص بأطعمة وحلويات الشهر الكريم. وباختصار، أصبح الناس اليوم يعيشون رمضاناً عصرياً مختلفاً... وهناك وسائل ترفيهية كثيرة لمن هو في يسر، فالفنادق الفخمة والمطاعم الكبيرة، تعد وجبات افطار شهية ووجبات سحور تلي برنامجاً من التسالي يمتد طيلة الليل ومع مرور الأيام، تتبدل الصورة القديمة لطقوس شهر رمضان. وتحل محلها طقوس جديدة، بطلها التلفزيون حتى المسحر الذي كان يجوب الحارات، ويدق الأبواب، وينادي كل رب أسرة باسمه يكاد أن يختفي، أو يمر في الأحياء كالغريب وهو يدق على طبلته، التي أصبحت تزعج البعض وهو ينادي: يا نايم وحد الدايم... يا نايم وحد الله.