لكل محبي العطور تقدم الإنترنت هديتها الجديدة، في فرنسا. وفي ألمانيا، كما في كاليفورنيا، تسعى شركات عدة إلى التوصل إلى ما يمكن تسميته "الرائحة الإلكترونية" أي بث الروائح العطرة عبر شاشات الهواتف النقالة وآلات الكومبيوتر. الجديد في الأمر ليس القيام بالأبحاث للتوصل إلى هذه التقنية، بل إعلان قرب التوصل إليها. ولا يخفى أن محاولة "تعطير" الوسائل الإعلامية ليست خطوة جديدة، فلطالما ضمنت المجلات - النسائية في شكل خاص - أعدادها بعض الصفحات المعطرة كإعلان عن عطر ما. لكن هذه التجربة لم تتعد هذا الإطار، إلى أن أتت الإنترنت معلنة مشاركة حواس عدة عند استخدامها: كالنظر والسمع واللمس. ويبدو أن الوقت حان لتشارك حاسة الشم في الاستخدامات الإلكترونية. من أبرز العاملين في هذا الإتجاه شركتا "فرانس تلكوم" الفرنسية و"رويتز تكنولوجيز" الألمانية اللتان تنفذان مشروعاً مشتركاً، ومشروع الشركة الكاليفورنية "ديجيسنتس" الذي تنفذه بالمشاركة مع "دابل تويست". في نهاية أيلول سبتمبر 1999 أعلنت الشركة الكاليفورنية أنها تعمل للتوصل إلى خطة لادخال العطور ضمن النظام الرقمي وتقدر تكاليف هذا المشروع بعشرة ملايين دولار. من ناحية أخرى، أكد المختصان في الهندسة البيولوجية العاملان في المشروع جويل بلنسون ودكستر سميثا أن "ثورة الحواس على ال"ويب" صارت قريبة جداً. وتقوم هذه التقنية من خلال جهاز معلوماتي اسمه "إيسميل" يتم ربطه بجهاز الكومبيوتر، وهو مجهز برزمة تتضمن 128مكون عطر وبمهواة تبث الأريج وفق التعليمات التي تعطى عبر الكومبيوتر، وسيكون لكل رائحة رمز معين يلجأ إليه المستخدم ليرسل رسالة إلكترونية معطرة أو ليعطر موقعاً إلكترونياً، ومن المتوقع أن تطلق "إيسمل" قبل نهاية العام 2000. "تعطير الويب" هو عنوان المشروع المشترك الذي تنفذه شركتا "فرانس تيليكوم" و "رويتز تكنولوجيز"، وقد توصل الشريكان إلى أول جهاز اختباري لبث الروائح عبر الإنترنت، ويسمح للمستخدم أن يشم الرائحة المرتبطة بالموقع الذي يزوره أو بالمعلومات التي يبحث عنها، إذ عليه فقط أن يحمل جهازه الآلة التي تعطي الأوامر لكومبيوتر ليبث الروائح والعطور المختلفة. وللجهاز نموذجان: الأول مخصص للإستعمالات الشخصية إذا صح التعبير وهو يبشر بقرب التوصل إلى المواقع المعطرة ، فيكفي أن ينقر المستخدم على الفأرة فيشتم الرائحة المنبعثة من الموقع الذي يزوره. أما النموذج الثاني فسيصنع للاستعمالات الجماعية - كما جاء في تعريف المشروع في موقع شركة فرانس تيليكوم على شبكة الإنترنت - عند استخدام التلفزيون التفاعلي، فمثلا عند الإعلان عن الطقس الربيعي تفوح رائحة الياسمين، فيما تفوح رائحة العطور المجففة في الخريف. يبدو أن الإنترنت حققت حلم بعض العاملين في الصناعة السينمائية، ففي الخمسينات من القرن الماضي مثلا أغلقت دار عرض "آروما - روما" أبوابها إذ لم يحتمل روادها الروائح التي كانت تبعثها خلال عرض الأفلام ، وغالباً ما أرسل المخرجون والمنتجون بطاقات معطرة لدعوة الأصدقاء إلى حضور العروض الأولى لأفلامهم. إلا أن أشد المتفائلين من السينمائيين، لن يصدقوا أن الشركات تعد مشاريع لتعطير ال"ويب" تحقيقا لأحلامهم فقط، إذ لا يخفى الجانب التجاري لهذه المشاريع، وما ستدره من أرباح، ويعتقد بعض الخبراء أن بيع منتوجات هذه الشركات سيزيد بنسبة 40 في المئة عندما ستنتج هذه الآلات المعطرة ، والدليل كثرة الإعلانات التي تروج عن امكانات إرسال رسالة إلكترونية معطرة إلى الحبيبة. ليس جديداً الحديث عن تطور الحوار والتواصل بين الإنسان والكومبيوتر، خصوصاً مع إشراك المزيد من الحواس البشرية في استخدام التكنولوجيا، فقد صارت الآلة أكثر حميمية، لم تعد شيئاً جامداً، إنما تتحدث وتفوح بالروائح، وستستمع إلى أوامرنا. حاسة التذوق، والحاسة السادسة وحدهما لا تزالان مغيبتين عن العالم الرقمي لكن التطور التكنولوجي المتسارع يعد بمفاجآت كبيرة... والغد لناظره قريب. بيسان طي [email protected]