في منتصف ايلول سبتمبر الماضي، نشرت بعض الصحف الاميركية ومنها ال"نيويورك تايمز" و"البالتيمور صن" نص بيان وقعه زهاء 150 من رجال الدين اليهود الاميركيين، بعنوان عبري هو "دبرو أمت" اي "قولوا الحق". وفي حين ان موضوع البيان هو العلاقة بين اليهودية والمسيحية، فانه في الواقع يختزل الاتجاهات الدينية اليهودية المعاصرة، ويسعى ضمناً الى تأصيلها، في اطار معالجته لهدفه المعلن. ولا بد من التأكيد هنا ان هذا البيان لا يعبّر بطبيعة الحال عن رأي أحادي لعموم الاميركيين اليهود. فهؤلاء، كأية فئة اخرى، لا يمكن حصرهم انطلاقاً من انتمائهم القومي او الديني بمقولة واحدة. ورجال الدين انفسهم الذين وقّعوا على هذا البيان، يشددون على انه ليس ملزماً لأحد. فهو تجسيد لمواقفهم الشخصية فحسب. ولكن، من جهة اخرى، لا يمكن الإنكار ان الافكار التي يطرحها البيان متداولة بشكل واسع النطاق في الاوساط اليهودية، وان البعض في هذه الاوساط يعتبر الأسس التي تمت بموجبها صياغة طروحات البيان بديهية او اجماعية. استغرق اعداد هذا البيان قرابة خمسة اعوام، وذلك في جهد واضح من القائمين عليه للتوصل الى صيغة وفاقية بين مختلف المذاهب الدينية اليهودية. وبالفعل، فان رجال الدين الذين وقّعوا عليه ينتمون الى المذاهب المختلفة التي يتألف منها المجتمع اليهودي الاميركي: التركيبيون اتباع مذهب تقدمي على الصعيد الاجتماعي، انتقائي في استيعابه للموروث الديني. وهذا المذهب الذي شكل اقلية ضئيلة في الوسط اليهودي الاميركي، يكاد احياناً ان يستعيض عن الهوية الدينية باخرى قومية ثقافية، والاصلاحيون اتباع مذهب ثاني المذاهب اليهودية الاميركية من حيث العدد، ويقوم على تطوير الممارسة الدينية التقليدية شكلاً ومضموناً، لتتوافق مع التجربة الاجتماعية والثقافية الاميركية، والمحافظون اتباع اكبر المذاهب اليهودية الاميركية. يحتفظ هذا المذهب بالمضمون التقليدي للممارسة الدينية، مع تعديل في الشكل يتلاءم مع التجربة الاميركية، والناموسيون وهم اقلية ذات نفوذ، يقوم مذهبهم على الاحتفاظ بالممارسة الدينية التقليدية شكلاً ومضموناً. وثمة تباين في فروع هذا المذهب، فمنهم من يحبّذ التلطيف، ومنها من يصرّ على التشدّد. وفي حين تمثلت جميع هذه المذاهب في توقيع البيان، فان الموقّعين الناموسيين كانوا قلّة. وقد تحفّظ كذلك بعض رجال الدين البارزين، لاعتبارات مختلفة اهمها فكّ الارتباط النسبي، في البيان، بين النازية وبالتالي "المحرقة"، وبين اصالة العداء المسيحي لليهود. ورغم هذا التحفظ، فالبيان وثيقة مهمة يمكن من خلالها استشفاف العديد من مقومات الفكر الديني اليهودي الاميركي المعاصر. وهنا نصّه، مع تعليق يلي كلاً من فقراته يهدف الى وضع لغة البيان وافكاره في سياقها الفكري والتاريخي. "دبرو أمت": موقف يهودي حول المسيحيين والمسيحية "شهدت السنوات الاخيرة تحولاً مهماً لا سابق له في العلاقات اليهودية - المسيحية. فقد كان المسيحيون، طوال قرابة الفي عام من وجود اليهودية في المنفى، قد جنحوا الى تصوير اليهودية على انها ديانة فشلت، او، في افضل الاحوال، على انها مهّدت السبيل للمسيحية التي تشكّل إتماماً لها. الا انه، وفي العقود التي تلت "المحرقة"، تبدّلت المسيحية الى حد كبير. فقد اصدرت اعداد متزايدة من الهيئات الرسمية للكنائس المسيحية، الكاثوليكية منها والبروتستانتية، تصريحات علنية تشير الى الندم ازاء اساءة المعاملة المسيحية لليهود واليهودية. وقد اعلنت هذه التصريحات كذلك ان التعاليم الدينية والدعوة التبشيرية المسيحية يمكن اصلاحها، ويجب اصلاحها، للإقرار باستمرارية العهد بين الربّ والشعب اليهودي، وللمجاهرة بمساهمة اليهودية في الحضارة العالمية وفي الايمان المسيحي نفسه". شهدت المسيحية الغربية بالفعل في النصف الثاني من القرن العشرين تبدلاً نوعياً في الخطاب والعقيدة لدى العديد من مذاهبها، وصل في بعض الاحيان الى حدّ التخلي عن اطلاقية الايمان الحق وحصريته فيها. ومن جهة اخرى، فالعديد من المؤسسات المسيحية اعاد تقييم تاريخه مشيراً الى فصول سوداء فيه. يذكر على سبيل المثال الاعتذار الذي تقدم به البابا يوحنا بولس الثاني حول الممارسات "الخاطئة" للكنيسة الكاثوليكية. ولكن مقدمة هذا البيان لا تميز بين الشق العقائدي المبدئي والشق التاريخي الطارئ. فالبيان بأسلوبه الاجمالي، يلزم مختلف الهيئات المسيحية المعنية بمراجعة السجل التاريخي لممارسات اسلافها، بالسير باتجاه تقويض مبدأ حصرية الايمان الحق فيها. وهذا المزج بين الموضوعين قد ادى الى اعتراض في غير محله، اذ اعتبر بعض رجال الدين اليهود ان رسالة العقيدة Dominus lesus الصادرة عن الكنيسة الكاثوليكية مطلع الصيف الماضي، والتي تعيد اعلان مركزية يسوع المسيح في مفهوم الخلاص المسيحي، تشكل تراجعاً عن الإقرار بصلاحية الايمان اليهودي. يضيف البيان: "ونحن نعتقد ان هذه التحولات تستحق رداً يهودياً يأتي نتيجة التفكّر والتأمل. فمع التأكيد ان موقفنا هذا يعبّر عن آرائنا الشخصية، كجماعة من العلماء اليهود من مذاهب مختلفة، ولا يلزم غيرنا، نجد انه آن الأوان لليهود ان يطّلعوا على جهود المسحيين الهادفة الى رد الاعتبار لليهودية، وآن الاوان لهم ان يتفكروا في الموقف الذي يسع الدين اليهودي اليوم ان يقفه ازاء المسيحية، فكخطوة اولى، نتقدم بثمانية طروح مختصرة حول امكانات التواصل بين اليهود والمسيحيين". لا يشير البيان بالطبع الى المواقف اليهودية السابقة ازاء المسيحية، وهي مواقف قائمة على الانكار الصارم وعلى الاتهامات بالبدع والصنمية. ولا يمكن بالطبع ايلاء هذه المواقف، من وجهة النظر التاريخية، الاهمية التي تستحقها المواقف المسيحية ازاء اليهود. ذلك ان هذه الاخيرة ساهمت في تبرير الاضطهاد الذي شهدته المجتمعات اليهودية عبر التاريخ، فيما لم يحدث في الماضي ان خضعت فئة مسيحية لحكم يهودي ليترجم المواقف الدينية ممارسات اضطهادية يمكن، لهدف نقض هذا التحليل، الاشارة الى الدولة الحميرية في اليمن، وتنكيل ذو نؤاس بالمسيحيين في نجران. ولكن هذا الفصل ليس جزءاً من الذاكرة التاريخية الغربية. ويمكن كذلك الاشارة الى استنزاف المسيحية الفلسطينية والذي تتسبب به السياسة الاسرائيلية. ولكن المسيحيين الفلسطينيين والشرقيين عموماً ليسوا جزءاً من الصورة الذاتية الحضارية للمسيحية الغربية. الا ان اهمال الاشارة الى المواقف العقائدية اليهودية السلبية ازاء المسيحية يتناقض وطابع المصارحة والمصالحة اللاهوتيتين للفقرة السابقة. ويتابع البيان: "اليهود والمسيحيون يعبدون الربّ نفسه. وقبل ظهور المسيحية، كان اليهود وحدهم الذين يعبدون رب اسرائيل. الا ان المسيحيين ايضاً يعبدون رب ابراهيم واسحق ويعقوب، خالق السماء والارض. وعلى رغم ان العبادة المسيحية ليست خياراً دينياً صالحاً لليهود، فانه يسرّ علماء الالهيات اليهود ان يكون الملايين، من خلالها قد ارتبطوا بعلاقة مع رب اسرائيل". تشدد هذه الفقرة ضمناً على علاقة تراتبية في الايمان بين اليهودية السابقة والمسيحية اللاحقة. فالاولى اصيلة، والثانية مشتقة. والواقع ان الاقتناع بهذه التراتبية في الولاياتالمتحدة والغرب عموماً ليس محصوراً بالاوساط اليهودية، بل يكاد ان يكون الرأي الاجماعي السائد، بعد ان تراجع الطرح المسيحي التقليدي الذي يعتبر حوادث "العهد القديم" تحضيراً وحسب لظهور المسيح، ويصف الكنيسة بأنها "اسرائيل الجديدة". والواقع ان الثقافة الاميركية استوعبت بالفعل تطبيق المنهج التاريخي على المرحلة التأسيسية للدين المسيحي. ولكن، في المقابل، لم يجر استيعاب متواز للمراجعة التاريخية للحقبات المتوالية التي تشكل الاسس المعنوية للدين اليهودي. لذلك، فان هذه الفقرة، والتي قد تبدو متكبّرة او استفزازية للبعض، تعكس وحسب حال اليهودية ازاء المسيحية في المفهوم الشائع في الولاياتالمتحدة. ويمضي البيان: "اليهود والمسيحيون يستمدون الشرائع من الكتاب نفسه، الكتاب المقدس وهو ما يطلق عليه اليهود اسم التاناخ، والمسيحيون اسم العهد القديم. فنحن جميعاً نلجأ الى هذا الكتاب للحصول على الارشاد الديني، والاثراء الروحي، والتوجيه الاجتماعي، ونجد فيه الدروس نفسها: الله هو خالق الكون ومدبره، الله قد أقام عهداً مع شعب اسرائيل، وكلمات الله المنزلة هي التي توجه اسرائيل نحو الصلاح، والله في النهاية سوف يخلّص اسرائيل وجميع العالم. الا ان اليهود والمسيحيين يفسّرون الكتاب المقدس بشكل مختلف في مواضيع عدة. ولا بد من احترام هذا الاختلاف بشكل دائم". تضع هذه الفقرة "اسرائيل"، اي الشعب اليهودي، في صلب الايمان المسيحي، في واجهة العلاقة بين الله والانسانية. وفيما يشكل ذلك مبالغة خطيرة بالنسبة لمعظم المسيحيين، فان بعض الكنائس المسيحية الاميركية تعتنق بالفعل هذا التوجه. اما مركزية اسرائيل في العلاقة بين الله والانسانية فهي ضمناً تحضير تأسيسي للفقرة التالية. "يمكن للمسيحيين احترام مطالبة الشعب اليهودي بأرض اسرائيل. فالحدث الاهم بالنسبة لليهود منذ "المحرقة" كان اعادة احياء الدولة اليهودية في ارض الميعاد. والمسيحيون الذين تقوم ديانتهم على اساس الكتاب المقدس، يفهمون ان ارض اسرائيل موعودة وموهوبة لليهود، حيث انها المركز الفعلي للعهد القائم بينهم وبين الرب. فالعديد من المسيحيين يؤيدون دولة اسرائيل لاعتبارات اعمق من مجرد السياسة. ونحن كيهود، نرحّب بهذا التأييد، وندرك كذلك ان التقاليد اليهودية تلزم بالعدالة لغير اليهود كافة من المقيمين في الدولة اليهودية". "ارض اسرائيل"، اي فلسطينالمحتلة، هي الجوهر الاساس في الصيغة الاكثر انتشاراً للمعتقد اليهودي في الولاياتالمتحدة، والتي تكاد ان تستبدل الايمان بالغيبيات بالتأييد لاسرائيل، بل ان البعض في الاوساط اليهودية الاميركية يتحدث حقيقة او مجازاً عن تأليه اسرائيل، فاسرائيل هي بالتالي بيت القصيد في هذا البيان. وخطورة هذه الفقرة هي انها ترسّخ الترادف بين اليهودية والصهيونية، وتنتزع تفسير الصهيونية من الاطار السياسي او القومي لتلزمه المضمون الديني، خطابياً ان لم يكن ايمانياً. اما اهل البلاد التي "يطالب" بها هذا "الشعب اليهودي" الذي يريده البيان آحادياً، اي الفلسطينيون، فهم غائبون بالاسم، والاشارة اليهم عامة مبهمة. ف"اليهود والمسيحيون يتوافقون على قبول المبادئ الاخلاقية للتوراة. وفي صلب المبادئ الاخلاقية للتوراة قدسية كل انسان وكرامته غير القابلة للتصرف. فنحن جميعاً قد خلقنا على صورة الرب. وهذه القناعة الاخلاقية المشتركة تصلح كأساس لتطوير العلاقة بين الجماعتين، كما تصلح كأساس لدعوة تبشيرية لعموم الانسانية لتحسين احوال اخواننا البشر، وللوقوف بوجه الفساد الاخلاقي والاصنام التي تؤذي الانسان وتحطّ من قدره. وهذه الدعوة اضحت ملحّة نظراً الى الاهوال التي لم يسبق لها مثيل والتي شهدها القرن الماضي". تكشف هذه الفقرة، عند مقارنتها بالغائب والمغيّب في الفقرة السابقة، التناقض الصريح في بعض الفكر اليهودي الذي يريد ان يكون صهيونياً وتقدمياً في آن. ولا شك ان اعتناق الصهيونية والتقدمية لدى البعض هو اعتناق زائف منافق، يهدف الى الايهام والتضليل لكسب التأييد لاسرائيل - العصب والحجّة والمحجّة. ولكن من الصعب تسفيه كل من يجمع بين الصهيونية والتقدمية. اي ان العديد من الاميركيين اليهود بل معظمهم صادقون في التزامهم تصورا تقدميا لتراثهم الديني، وفي قناعتهم بوجوب ترجمة هذا التصور نشاطاً اجتماعياً محلياً وعالمياً لخدمة الانسانية، وصادقون بالمقابل في تمسكهم باسرائيل كدولة وشعب ومبدأ، وفي استثمارهم المادي والمعنوي والزمني فيها. وغالباً ما يجري التوفيق بين الالتزامين عبر تقليم الوقائع بشكل تنتفي معه الحاجة الى مواجهة حقيقة تناقضهما. ويضيف: "النازية ليست ظاهرة مسيحية. لم يكن بوسع النازية ان تترسخ او ان تحقق مآربها من دون خلفية العداء المسيحي لليهودية والاعتداءات المسيحية على اليهود. والكثير من المسيحيين شارك في الفظائع النازية التي أُنزلت باليهود، او كان محبذاً لها. الا ان النازية نفسها لم تكن نتيجة حتمية للمسيحية. بل لو ان النازية تمكنت من ابادة اليهود بالكامل، لكانت وجهت إجرامها الغاضب بشكل مباشر نحو المسيحيين. ونحن نذكر مع الاعتراف بالجميل اولئك المسيحيين الذين خاطروا بأرواحهم او ضحّوا بها لانقاذ اليهود خلال العهد النازي. وانطلاقاً من هذه الاعتبارات، فاننا نشجع متابعة الجهود الحثيثة في اللاهوت المسيحي لانكار احتقار اليهودية والشعب اليهودي. ونحن نرحب بالمسيحيين الذين ينكرون هذا الاحتقار، ولا نحمّلهم تبعة خطايا أسلافهم". يظهر هنا مجدداً المزج بين الشقين الديني اللاهوتي والسياسي التاريخي. ورغم ان هذا المزج يكاد يتحول الى وصاية على تطور المسيحية، فلا بد من قراءة هذه الفقرة في اطار طغيان موضوع "المحرقة" على الثقافة اليهودية في الولاياتالمتحدة. وليس من قبيل الصدفة ان يكون ذكر "المحرقة" قد ورد أولاً في هذا البيان مقروناً بذكر قيام دولة اسرائيل. فالمحرقة واسرائيل قطبان، قطب عقاب وقطب ثواب، في الثقافة اليهودية المعاصرة. ف"الخلاف الديني بين المسيحيين واليهود، والذي لا يمكن للبشر تسويته، لن يجد حلاً الى حين يخلص الرب العالم، كما هو موعود في الكتاب المقدس. فالمسيحيون يعرفون الله ويخدمونه عبر يسوع المسيح والتقاليد المسيحية، فيما اليهود يعرفون الله ويخدمونه عبر التوراة والتقاليد اليهودية. والخلاف الديني بين الجماعتين لن يصل الى الحل عبر ادعاء احدى الجماعتين ان لديها التفسير الأصوب للنص الديني. أو عبر فرضها سلطتها السياسية على الجماعة الاخرى. فبوسع اليهود احترام التزام المسيحيين للتنزيل الخاص بهم، تماماً كما نتوقع من المسيحيين احترام التزامنا للتنزيل الخاص بنا. ولا يجوز ان يضغط على يهودي أو مسيحي للاقرار بصدقية تعاليم الجماعة الأخرى". تكاد هذه الفقرة ان تشكل الطلب الوحيد الذي يتقدم به البيان من الجمهور اليهودي، وهو الإقرار بوجوب احترام القناعة الدينية للآخر المسيحي. والاحترام الحذر لإيمان الآخرين هو واقع الحال لدى معظم الاميركيين اليهود. فهذه الفقرة موجهة ضمناً للمتدينين الناموسيين المتشددين والذين قد لا يلتزمون هذا الاحترام، وهي تعكس بالتالي الخلاف داخل المجتمع اليهودي الاميركي على بلورة التصور المتسامح للتراث الديني اليهودي. ف"العلاقة الجديدة بين اليهود والمسيحيين لن تضعف الممارسة الدينية اليهودية. فتحسين العلاقة لن يزيد الذوبان الثقافي والديني الذي يخشاه اليهود بحق، ولن يبدل أشكال الشعائر اليهودية التقليدية، ولن يضاعف التزاوج بين اليهود وغير اليهود، ولن يقنع المزيد من اليهود باعتناق المسيحية، ولن يؤسس لمزيج خاطئ من اليهودية والمسيحية. ونحن نحترم المسيحية بصفتها ديانة نشأت في أحضان اليهودية وما زالت على اتصال مهم بها. الا اننا لا نعتبر المسيحية امتداداً لليهودية. ولا يمكننا السير بهذه العلاقة بصدق الا مع تثميننا للتقاليد الخاصة بنا". تعيد هذه الفقرة التأكيد على أبوية اليهودية للمسيحية، مع التأكيد على وجوب التمييز بينهما. واذا كان التواصل بينهما يثير مخاوف المتدينين الناموسيين إزاء سلامة معتقداتهم واستمراريته في مو ضوع احترام الآخر، فإن المسائل الاجتماعية التي تتطرق اليها هذه الفقرة تشكل هموماً لكافة الفئات اليهودية المعنية باستمراريتها كطائفة وجماعة. ويضيف: "على اليهود والمسيحيين ان يعملوا معاً في سبيل العدالة والسلام. فاليهود والمسيحيون، كل جماعة منهم بأسلوبها الخاص، يدركون حال العالم التواق الى الخلاص، لاستمرار الاضطهاد والفقر والاذلال والبؤس. وعلى رغم ان العدالة والسلام، في النهاية، من الرب، فإن جهودنا المشتركة، مع المؤمنين من سائر الديانات، سوف تساهم في تحقيق ملكوت الله الذي نسعى اليه، فعلينا جميعاً، معاً أو كل على حدة، ان نعمل لإحلال العدالة والسلام في عالمنا، وتقودنا في جهودنا هذه، الرؤيا التي التزمها أنبياء اسرائيل". تجدد هذه الفقرة الأخيرة الدعوة الى العمل الانساني الشامل، وتعيد تأطيره في قالب توراتي "اسرائيلي". وينتهي البيان باقتباس من الكتاب المقدس: "ويحدث في آخر الأيام ان جبل هيكل الرب يصبح أسمى من كل الجبال، ويعلو فوق كل التلال، فتتوافد اليه جميع الأمم، وتقبل شعوب كثيرة وتقول تعالوا لنذهب الى جبل الرب، الى بيت إله يعقوب، فيعلمنا طرقه، ونسلك في سبله أشعياء 2:2-3". ويضع هذا الاقتباس اليهودية واسرائيل، عبر الوعد بأن يحل الهيكل محل الحرم الشريف في القدس، في موضع مركزي في التاريخ. وتتمة هذا الاقتباس والتي أهملها البيان، من سفر أشعياء، حول "انتصار مملكة الله"، هو: "لأن من صهيون تخرج الشريعة، ومن أورشليم تعلن كلمة الرب، فيقضي بين الامم ويحكم بين الشعوب الكثيرة، فيطبعون سيوفهم محاريث ورماحهم مناجل، ولا ترفع أمة على أمة سيفاً، ولا يتدربون على الحرب فيما بعد". ويذكر ان عبارة "فيطبعون سيوفهم محاريث ورماحهم مناجل" موضوعة في مقر الاممالمتحدة، وهي بمثابة شعار غير رسمي لهذه المنظمة العالمية. فهذا البيان الذي يعبر عن حال العديد من اليهود الاميركيين، وعن آمالهم ومخاوفهم ومفاهيمهم، يجسد كذلك التناقضات في مواقفهم بين التقدمية والصهيونية، ويكشف تأثير تأليه اسرائيل على سلامة معتقدهم. حسن منيمنة