عبر رحلة توثيقية يومية يأخذنا الكاتب والصحافي جمال ربيع في كتابه "مفكرة فيلم صعود المطر" الى تفاصيل صناعة فيلم نال الكثير من الجوائز السينمائية في مهرجانات عربية وعالمية. ويسأل الكاتب نجيب نصير في تقديمه الكتاب: "ما الذي يجعل للفيلم السوري تلك الأبهة الاحتفالية وما الذي يصنع له هذا الحضور المشع والشديد الفعالية في الأوساط الثقافية والسينمائية وحتى الشعبية؟ هل هو ألق تلك الرحلة المزيفة بين الأروقة البيروقراطية أم مفاجآت الحرفيين المهرة أم ذلك الالتزام العميق بقضايا لم تزل تنسى تحت دعوى التخفف من أعباء المصير - الزمن في سبيل الإسراع الى مستقبل مسل. أم تلك الطاقة الإبداعية المخزونة في صدور من يدعون أنفسهم سينمائيين أم ذلك الأخلاص العميق عند هؤلاء الجنود المجهولين؟". وما بين كتابة السيناريو الأدبي والاحتفالية الجماهيرية والنقدية بفيلم "صعود المطر" قطع عبداللطيف عبدالحميد قرابة ثلاث سنوات في تحضيره فيلمه الذي أثار جدلاً واسعاً في أروقة مهرجان دمشق التاسع وعلى صفحات الجرائد والمجلات العربية والمحلية. ومن يقرأ يوميات التصوير التي أرخها الكتاب، يعي بدقة المعاناة والعقبات التي تواجه السينمائي أثناء التصوير والتي أشبه ما تكون بمعركة يتوقف النجاح فيها على مستوى التحضير ووضوح الرؤية التي يتمتع بها المخرج "المايسترو" قائد هذه المعركة. فخلال 77 يوماً تصويراً فعلياً يقدم جمال ربيع صورة شبه يومية عن اللحظات المليئة بالمتاعب وحرق الأعصاب، تلك اللحظات الإبداعية التي تتضافر فيها جهود العاملين في الإضاءة والديكور والتمثيل مع رؤى مبدعة للمخرج ومدير التصوير في نقل المادة المكتوبة وتجسيدها وتحويلها فيلماً. وعلى رغم بساطة الديكورات التي اعتمدها عبداللطيف عبدالحميد، كانت هناك مشاهد صعبة جداً، استغرق تصويرها ساعات طويلة، كمشهد البطيخ المتساقط من السماء، والمشهد الذي يحرق فيه بيت الكاتب صياح وسقوط المطر داخله، وحلم القبر، والمشهد الذي انفجرت فيه المدفأة وملأ السخام أرجاء مكان التصوير... الى تنفيذ الكثير من المشاهد على ايقاع حركة الموسيقى وهذا ما يعتبر قصب السبق للمخرج في هذا المجال، وكذلك مشاهد المطر الاصطناعي. ولا ينسى جمال ربيع ان يصف مراحل المونتاج والدوبلاج والميكساج مع ابراز الدور الذي أداه جورج لطفي الخوري المصور السينمائي الذي قدم عبر كاميرته 62 فيلماً طويلاً و80 فيلماً قصيراً، والذي يعتبر "صعود المطر" عملاً يعتز به. كذلك الأمر بالنسبة الى الفنان علي الكفري الذي وضع الموسيقى التصويرية للفيلم واستطاع من خلالها تقديم ركن مهم من أركان نجاح العمل، فاستحق جائزة أفضل موسيقى في مهرجان دمشق السينمائي التاسع عام 1995. فمغامرة جمع يوميات فيلم سوري سينمائي أشبه بمحاولة اعادة توثيق لسينما تعاني الكثير من المصاعب والعقبات في بلد لا ينتج أكثر من فيلم واحد سنوياً على أفضل تقدير.