} يُجمع النحاة العرب منذ "سيبويه" وحتى الآن على تعريف الفعل أنه ما دلّ على حدث وزمن. فكيف يكون الزمان ماضياً وحاضراً ومستقبلاً بالقياس الى زمن التكلم أو المحكي أو المَروي أو المقروء الآن؟ وكيف تقترن دلالة المحكي بين الحدث والزمان؟؟ ويفيد التاريخ الحديث لفكر اللغة أن أفعالها تبدو لنا حالات خاصة للوظيفة الأولى للكلام، من حيث هي كساء خارجي لفكر باطني غير مُجسّد تمثيلي ووصفي وخبري... وعلى رغم ان الملاحظات لا تتجاوز هامشاً تفسيرياً للروح الاجتماعية الثقافية لمدارس متخذة كعينة خارج بيروت وفي محافظة النبطية بالذات، لمعرفة استخدام المعلم - الراوي مهمته في نقل الثقافة للطفل عبر القصة. وما تُثيره هذه التقنية من قضايا، وشمل الاستقصاء الميداني التقسيمات الأساسية لأنماط التعليم الرسمي والخاص في لبنان. فما هي الوظيفة التواصلية لأدب الطفل؟ بهدف توضيح السلوك الثقافي وأبعاده البنيوية في تلك المدارس؟ وكيف يتحقق هذا بين مجموعة من الأفراد يتواصلون في ما بينهم مشافهة أو كتابة؟ وهل نستطيع إحالة الوقائع القصصية خارج اللغة؟ أما المُحدد الأساسي لجوهر تلك القصص والتي سأعرض بعضاً منها، فيقوم على تعدد دلالاتها، حيث تتحول الى لا نهائية الدلالة ليكتسب الطفل خيالات تمكنه من انتاج احتمالات قصة جديدة، لأن عالمه يقوم فقط على وحدة التخيل بحيث يمكن رده الى واقع خارجي، وان كلام السارد المعلم ضمن محورية الفرد المُنتج للحكاية المتداولة يتشكل في كونية البُنى المضمرة، وهي الخصوصية الأهم في الدلالة التي تنفرد في تحليل تلك الحكايات أو القصص... وفي السطور عينها سوف نناقش ما تقوله القصص، وما لا تقوله فتصمت عنه... هذه الجوانب الصامتة هي التي يجب أن يتوقف الناقد عندها ليجعلها "تتكلم". فما يُقال في الجانب المحكي من قصة "ذات الشعر الذهبي" في مدرسة دير الزهراني الرسمية المختلطة هو هروب الفتاة من شباك غرفة النوم خوفاً من الدب الصغير، والجانب الصامت في القصة أو الذي لا يُقال، هو الخوف والغيرة والطاعة للوالدين، وما يُقال في الجانب المحكي من قصة "جونسي والسمكة الكبيرة" في مدرسة السيدة للراهبات الأنطونيات، هو وقوع الهرة جونسي في البحر لمحاولتها اصطياد سمكة كبيرة طازجة، أما الجانب الصامت فيها أو الذي لا يُقال فهو موضوع البقاء والقبول بهامشية العلاقات في المدينة وعدم محاولة الهجرة... وما تقوله قصة "الخنازير الثلاثة" في مدرسة ثانوية الشهيد بلال فحص أيضاً هو صمود بيت الخنزير المصنوع من حجر، وعدم استطاعة الذئب هدمه. هذا في الجانب المحكي، أما الجانب الصامت فيها فهو يعيش بعقلنة علمية محددة بمغالطات المعلم - السارد، لعدم تذكيره بهدم المستعمِر للبيوت المصنوعة من حجر أيضاً، بسبب غياب المسألة الثقافية الوطنية أو عدم طرح قضية المُستعمر وهي أبرز أوجه الخارج أو الذي ما لا يقال... وما تقوله قصة "الحوت والفيل" الفرنسية في "مدرسة المصطفى" هو مواجهة الأرنب بذكاء لاحتيال الفيل والحوت، والتخلص منهما للعيش بحرية في الغابة. والجانب الصامت في هذه القصة هو مواجهة القوى المستكبرة بواسطة الحيلة، والخارج متعدِّد منه الحرية. ومنه تسلّط القوى الجبارة ومنه الخوف من السلطة... وما تقوله القصة في أم "المدارس"، أي مدرسة عبداللطيف فياض الرسمية هو متوالية كلامية لجمل قصيرة لقصة من دون عنوان القصة هي سطر كما عرفتها المعلمة، ليس فيها حبكة لقصة أو فيض أحداث، فلا جانب صامت فيها، وغياب مطلق لما لا يُقال وقد هُدد الخارج بالغياب بسبب آداء الراوي - المعلم وعدم مثاقفته... ان النص الأدبي لهذه القصص والذي ينهض أو يتكوّن في مجال ثقافي هو نفسه موجود اجتماعي، وإن ما هو "داخل" في النص الأدبي هو من معانيه داخل... ووظيفتنا تحليل عناصر النسق الأدبي لتلك القصص وهي بُنى تُمثل في مجموعها الثقافة التي أفرزها القصّ، فيبقى القصّ الأدبي داخلاً لا فرار له من خارج حاضر فيه... وهذه الثنائية سوف تكون شعاراً يجمعنا لنقطة لقاء واضحة وسوف نتحدث عن ثنائية أخرى هي ثنائية الأنا والآخر عند الطفل... ومن البديهي ان يعكس السرد الروائي لهذه القصص في تلك المدارس المذكورة البنيات الاجتماعية واختيارات اللحظة التاريخية في لبنان... فالثقافة في أدب الطفل ترى في نفسها الهوية، ليس فقط من طريق التعبير ولكن بما تُثيره من قضايا لتأويل العالم... ومن هذا المنظور فقط يمكن بسهولة أن نخلط بين السارد المعلم والبطل... ولهذا التأويل الأدبي الحديث وجهان: - اتجاه من العالم في النص الى القصة. - واتجاه من النص في القصة الى العالم. ولا تتضح حدود ذلك إلا انطلاقاً من البحث داخل ماضي القصص للحصول على تمثيل الوضوح خلال الحاضر، لنقوم بفرز ما يُمكن أن يُفهم وما يمكن أن يُنسى. الوضوح من خلال الحاضر ما يمكن أن يُفهم في قصة "جونسي والسمكة الكبيرة" في ثانوية السيدة للراهبات الأنطونيات هو فهم موضوع البقاء في الوطن والقبول بأكل بقايا السمك وفتات الموائد، والقبول أيضاً بالمغامرة والهجرة على رغم هامشية المواطن المريرة لهذا الوطن الملحق بسائر الأوطان، وعدم نسيان أنفسنا في الماضي الممتد في الحاضر. وما يمكن أن يُنسى هو تهميش السمكة جونسي لتمثيل الوضوح خلال الحاضر وعدم القبول بما هو حاضر قبلاً، كي لا ينسى الأطفال أنفسهم... فالهدف التاريخي اعطاء هوية للطفل الذي يحيا بوسطه هروباً من النسيان، والغياب الذي رسمه الآخر المسيطر، أو الظالم، أو المستعمر. ان وعي التوجهات التي تُعطى للتاريخ في القصة بأدب الطفل في مدرسة السيدة للراهبات الأنطونيات يتحدد في مهمة ثقافية - تربوية كرأسمال يُوظَّف بالرموز الكتابية، ويريد السارد المعلم بحديثه الخلق من المواقع، وقد تأتي الممارسة الكلامية كآلة تاريخية تفتح سبل الحرية وكنتيجة لفلسفة التاريخ التي لا تحكم على المغلوبين أبداً، وهنا يتحول التاريخ في القصة المذكورة تنازعاً بين طرفين: من جهة يدفع التاريخ الى الممارسة أي الى الحقيقة! ومن جهة أخرى يدفع التاريخ الى الممارسة المغلقة. كل ذلك من أجل تأويل حر، لفتح أحاديث أخرى كما في قصة "جونسي والسمكة الكبيرة"، فلا تدل على الواقع ولكنها تُدلِّله غير منقطعة عن ترداد. وقعت الدلالة من دون أن يكون هذا مبنياً في السرد التاريخي للقصة المختارة وانطلاقاً من إعادة تكوين الواقع بمادة رمزية كتابية سوف تتواصل بإبداعية لمتخيل الأطفال خارج القصص ايضاً وبواسطة رسوماتهم حولها... في ثانوية السيدة للراهبات الأنطونيات، للراوي مخزون تاريخي يزود الطفل من أحداث المجتمع التي تهز عمارته جاعلة الأطفال أمام قدرهم في الغربة والالتحاق بالسلطة ثانية مزودين بأسماء أبطال الحرية، وأبطال الصراع الاجتماعي وأبطال تبرير الاختيارات للحاق مرة بالسلطة ومرة بالبقاء وهذا ما يبرزه حديث السارد - المعلم الذي يرزح تحت مسؤولية اللحظة التاريخية، ناقلاً الطفل من متغيّر الى متغيّر آخر وهو تأويل القصة باتجاه العالم... أي الاتجاه من النص الى العالم. من هذا المنظور يدخل السارد - المعلم بآدائه إشكالية ثقافية جديدة، ويمكن بسهولة الخلط بين السارد والبطل الذي يحكي مغامراته اليومية ويقدِّمها للأطفال كنهضة حقيقية. ما يُمكن فهمه في قصة "الحوت والفيل" في مدرسة المصطفى، وما يُمثل الوضوح خلال الحاضر هو فهم موضوع تقاسم الجبارين الحوت والفيل للبحار والأرض، ومحاولة الاحتيال للتخلص من سلطة الجبارين، لعدم نسيان الحرية المغيبة في الحاضر، وما يُمكن أن يُنسى في هذه القصة هو الوضوح خلال الحاضر والمأزق بما هو حاضر قبلاً... فموضوع الحرية الذي على الأطفال تذكره كي لا ينسوا أنفسهم، لأن هدف التاريخي اعطاء مقاومة للطفل الذي يحيا في وسطه، هروباً من المستكبر الظالم أو المستعمر أو المسيطر. في المدرسة الاسلامية التوجه ثانوية الشهيد بلال فحص ومدرسة المصطفى، سُمح للسرد أو الحديث التاريخي داخل القصص المختارة بالمواجهة المباشرة قبل أحداث الواقع في استهلاليات قيمية وايديولوجية منها دينية وأخلاقية ومنها صامتة. هذه المدارس تتكئ على موضوعية علمية كما تدعي وتنطلق من مسلمات تسيء للتخييل الشخصي لدى الطفل المستمع ولدى السارد - المعلم أيضاً وبالتالي لا يُسمح للحديث القصصي القيام بالممارسات السابقة للحدث التاريخي. من هنا جاء ذكري لغياب القصّ الديني الثقافي وهو من أحد أبرز أوجه الخارج أو الذي ما لا يُقال في هذه المدارس بالذات! في الحديث القصصي للسارد - المعلم في "مدرسة المصطفى" يتم استدعاءات للخيال الفني والابداعي عند الأطفال بواسطة رسومات حول ما تخيلوه عن قصصهم من أجل احتواء أدبي قبلاً موزعاً بين أُطر عدة منها: البداية وصلب الموضوع أو العقدة ثم النهاية، هذه النقاط والتي تبدو كنقاط موضوعية علمية لا تسمح إلا باحتواء واقعي ومجتمعي للأطفال على رغم الفضاء في قصة "الحوت والفيل"، فالتاريخ ليس معرفة والقصة ليست تحليلاً، ولهذا التعاطي وجه واحد هو: الاتجاه من العالم الى النص في القصة على شكل مغلق، أي تأويل العالم قصة، فيوجِب على الأطفال انتاج قصة أو انتاج أدب موزع بين بداية وعقدة ونهاية وخضوعهم الى توليف ايديولوجي بين ثنائية المدرسة والجهاز أو الحزب والطائفة! ويُنكر عليهم خيالاتهم وهوياتهم ولا يسمحُ لهم بإنجاز أشكال أحلامهم في مجتمع حديث، في الوقت التي تزعم فيه هذه المدارس أنها تُدلِّل موضوع القصة ليصبح نسق الوضوح نسق تكوّن اجتماعي متصاعد، أما ثنائية الثقافة بين الحزب والمدرسة فهي ثنائية تبادل وليست ثنائية تعارض حيث لا مسار ثقافي لها حتى لا يستطيع الطفل الوصل بين نقاط في حياته ولا الوصول الى فضاء الممكنات. إنطلاقاً من ثنائية المدرسة والطائفة أو الحزب، لا يجعل من الثقافة إلا هضماً بين الطفل والجماعة التي لم تستطع أن تكون مجتمعاً. تحت هذه المكوِّنات، اندرجت معالجتي لأبعاد رمزية اتخذها واقع ثقافة الطفل في بعض مدارس لبنان وقد ظهرت كتهجين لوحدة متوهمة بين كينونة الطفل وعلاقته بالمجتمع، فقط لاستيلاء هذه القوى الكامنة، كي تبقى ثقافة الطفل دخولاً في الدال وتقهقراً في المدلول! فهل المكان في بيروت عاصمة الثقافة العربية، يندهش فيها الطفل إذ يتعرف عليه، إذ ندرك ان القصة في أدب الطفل هي كتابة الوطن! * كاتبة وشاعرة لبنانية.