تمثل صناعة النسيج المصرية، التي تشغل اكثر من 600 الف شخص وتبلغ مبيعاتها حوالى 6 بلايين دولار سنوياً، احدى الدعامات الرئيسية للاقتصاد المصري، وهي الجهة التي ستنتفع بدرجة كبيرة من منشأة انتاج البوليستر التابعة ل "سيبكو" التي ستبدأ العمل في أواخر 2002 في الاسكندرية. وسيكون مجمع "سيبكو" لانتاج البوليستر الذي تم بناؤه وفقاً لمقاييس عالمية اكبر منشأة من نوعها في المنطقة، وسيعزز الى حد كبير البنية السعرية لصناعة النسيج وجودتها بما يمكّنها من التحول الى مصدّر ضخم الى المنطقة واوروبا. وسيمنح هذا مصر والمنطقة دوراً عالمياً في صناعة النسيج والملابس المهمة. وادى نمو صناعة النسيج المصرية بمعدل يزيد على 10 في المئة الى استهلاك كبير لخيوط البوليستر سيبلغ 150 الف طن سنوياً في 2003، وسينمو بعد ذلك بمعدل 10 - 12 في المئة. وسيتطلب هذا النمو انتاجاً محلياً كي تمكن الاستجابة لمستوى الخدمة والمرونة اللتين ستحتاج اليهما الصناعة لدعم استراتيجياتها الخاصة بخطوط الامداد. جدول رقم 1 ومن شأن انضمام مصر الى منظمة التجارة العالمية في السنوات المقبلة ان يزيد الحاجات المشار اليها اعلاه ويكون له تأثير مهم على صناعة النسيج لان رسوم الاستيراد المفروضة على المواد الخام لصناعة النسيج والملابس ستُخفض وتلغى تدريجاً. وسيؤدي هذا الى فتح السوق المصرية امام السلع المستوردة والمنافسة من خارج المنطقة وبشكل خاص آسيا. واحد الشروط الاساسية لمواجهة هذا التحدي هو ان تبنى في مصر منشأة لانتاج خيوط البوليستر وفق مقاييس عالمية بجودة وبنية سعرية تمكنها من التصدير وامتلاك قدرة تنافسية في ارجاء العالم. ويُصنّف مجمع "سيبكو" ضمن الأرقى من نوعه عالمياً وستكون لبنيته السعرية قدرة تنافسية مع افضل ما يتوافر في العالم. ويكمن التحدي الذي يواجه صناعة النسيج في فترة السنوات الخمس التي تسبق الانضمام الى منظمة التجارة العالمية في قدرتها على تحقيق بنية سعرية تضاهي الاكثر كفاءة من نوعها في العالم. وتأتي هذه المنافسة في المقام الاول من آسيا، ولكن ايضاً من الهندوتركيا اللتين طورتا صناعة نسيج مستندة على البوليستر وتمتازان بسجل اداءٍ مثبت وتسعيان دائماً الى اسواق جديدة. ومن بين العناصر الاساسية لهذه الاستراتيجية امكان الوصول الى مواد خام لانتاج البوليستر وانواع من مزيج القطن/ البوليستر. ولمح احد اقطاب صناعة النسيج الى انه "ينبغي لمنظمة التجارة العالمية، بدل ان تشكل تهديداً، ان تكون حافزاً لهذه الصناعة التي اتخذت خطوات مهمة لتحديث نفسها وتتزايد قدرتها التنافسية". لكن تحقيق ذلك يقتضي ان تستخدم صناعة النسيج السنوات المقبلة - لحين الانضمام الى المنظمة - للاستثمار في تحسين كفاءتها العملياتية وخفض بنيتها السعرية. ويعني هذا استخدام معدات جديدة وخفض كلفة خيوط البوليستر: المادة الخام الاساسية لصناعة النسيج في قطاعات السوق المستهدفة. وتبدو صناعة النسيج متحمسة لآفاق مشروع "سيبكو" لانه سيصنّع محلياً خيوط البوليستر التي تحتاج اليها. فالتوفيرات التي سيقدمها مشروع "سيبكو" للصناعة ستنجم عن توفيرات على الرسوم وخفض في الكميات المخزونة وثبات عام في المواد الخام التي تعتبر عنصراً حاسماً في زيادة الانتاجية. واشار بيتر دريسكول من "بي. سي. آي. كونسلتانتس" PCI Consultants للاستشارات، الخبراء العالميين في خيوط البوليستر، الى ان منظمة التجارة العالمية ستفيد مصر في الواقع لان سوقها ستنمو. ومن بين الامثلة على ذلك الصين التي تستورد 80 في المئة من مواد النسيج التي تستخدم في صادراتها من الملابس. وتوقع ان تؤدي المنظمة الى زيادة التجارة العالمية في المنسوجات بنسبة تراوح من 2 الى 3 في المئة، وتحتل مصر موقعاً يؤهلها للاستفادة من هذا الاتجاه. وبحلول السنة 2003، لن تكون المصادر التقليدية لخيوط البوليستر التي تعتمد عليها مصر قادرة على توفير الكميات التي كانت مصر تستوردها في السابق. ويرجع هذا الى ان تركياوالهند وكوريا ستنتج بطاقتها القصوى وستسعى الى زيادة استيراداتها من البوليستر. ويشكل حجم المنشأة ونوعية البنية التحتية عاملاً اساسياً في نجاح هذا المشروع. فبناء منشأة صغيرة، في الوقت الذي يحتمل ان يكون مربحاً على المدى القصير، لن يكون مرغوباً فيه بالنسبة الى صناعة النسيج الاقليمية لانه لن يملك البنية السعرية المطلوبة للتنافس على المدى البعيد مع المنشآت ذات المستوى العالمي الموجودة في آسيا واوروبا. فبعد وقت قصير على انضمام مصر الى منظمة التجارة العالمية، وعندما تصبح حدودها مفتوحة، سيتعين عليها عندئذ ان تواجه المنتجين العالميين ذوي الكلفة المنخفضة. لذا فإن ما يكتسب اهمية حاسمة هو ان يكون مشروع البوليستر ذا افق كبير ويوفر التنوع الواسع في المنتجات الذي تحتاج اليه صناعة النسيج كي تتوسع.جدول رقم 2 وستواصل مصر استيراد احتياجاتها من البوليستر حتى يبدأ تشغيل مشروع "سيبكو" في منتصف 2002. واشار احد المستوردين الى ان "استيراد خيوط البوليستر يشل السيولة المالية للشركة لفترة طويلة من الوقت". فبين فتح كتاب الاعتماد والاحتفاظ بمستويات كافية من المخزون يُستعمل اكثر من 3 - 4 اشهر من المبيعات لتمويل عملية انتاج النسيج. كما يتم الاحتفاظ بمخزون اضافي على امتداد مراحل التصنيع لضمان عدم نضوب المخزون. وقال المستورد ان "تصنيع البوليستر محلياً سيكون له تأثير كبير على صناعة النسيج في حين يستطيع المستوردون ان يركزوا على استيراد خيوط الغزل ذات النوعية الممتازة". وتأثير مشروع "سيبكو" على الاقتصاد يتجاوز رأس المال العامل والكلفة المتدنية للمواد الخام. فالتأثير الحقيقي يكمن في الحافز الذي ستتلقاه صناعة النسيج من خفض البنية السعرية للصناعة، بتوفير اسعار يمكن التنبؤ بها ومنافذ دائمة الى المواد الخام وتمكين صناعة النسيج من تعزيز موقعها عبر صادرات المنسوجات والملابس. ويقول الخبير الاقتصادي "لذا سيكون التأثير على الصناعة والاقتصاد الوطني هائلاً. لن نكتفي ببيع منتجاتنا الى سوق في بلد يبلغ عدد سكانه 60 مليون نسمة، بل الى اسواق افريقيا واوروبا الاكبر بكثير التي تستورد حالياً من آسيا". ويؤكد السيد احمد م. باديب رئىس "سيبكو" ان "مشاريع سيبكو طموحة جداً. نحن نريد ان نوسع قاعدة المستهلكين لدى الشركة لتشمل اوروبا والشرق الاوسط وافريقيا. ولا يمكن ان يتحقق ذلك الاّ من ارضية تقوم على الكلفة الواطئة وجودة المنتوج. كما ان تصدير المنسوجات وخيوط البوليستر لا يمثل الاّ البداية. فالاهداف هي في الحقيقة ان تصدر صناعة النسيج المصرية الملابس الجاهزة باستخدام خيوط بوليستر وانواع من القطن منتجة محلياً. هذه هي الخطوة الحاسمة لأنها ستضمن ان تنتج "سيبكو" مواد تمتاز بالجودة وان تكون قادرة على التنافس على الصعيد العالمي. سنكون عندئذ قد حققنا تدفقاً مستقراً للمداخيل بالدولار ل"سيبكو". وسيكون هذا مفيداً للجميع". ويضيف باديب ان من الصعوبة تحقيق هذه البنية السعرية المنافسة بمنشأة صغيرة، ولهذا السبب تمضي "سيبكو" قدماً في بناء منشأة تنتج 300 الف طن سنوياً وستقوم في وقت لاحق بانتاج موادها الخام. وسيولّد تصدير حوالى 30 في المئة من خيوط البوليستر و 80 في المئة من مادة "بي إي تي" PET اكثر من 60 في المئة من العملة الصعبة التي ستكون بحاجة اليها لخدمة ديونها واستيراد المواد الخام. بالاضافة الى ذلك، لن يتطلب بناء المنشآت اي عملة صعبة. كما ان منشأة "سيبكو" ستوفر لمصر سنوياً من العملة الصعبة ما يزيد على 125 مليون دولار. جدول رقم 3 ويتابع باديب قائلاً: "هذه الاستراتيجية لتحقيق اكتفاء ذاتي بالعملة الصعبة عنصر حاسم في منشأة البوليستر... بالاضافة الى توليد العملة، سيمكننا تصدير خيوط البوليستر من التنافس على صعيد الجودة والخدمة مع افضل منتجين في صناعة النسيج. وسيضمن هذا ان تلقى صناعة النسيج المصرية المحلية الدعم بتوفير اجود انواع الخيوط المنتجة محلياً لصادراتها من المنسوجات والملابس. اذا كان بمقدورنا ان نصدّر الى اوروبا ونتنافس على صعيد الكلفة والجودة فإن صناعة النسيج المصرية تستطيع ان تفعل الشيء ذاته". وفي الوقت الحاضر تستورد اوروبا 40 في المئة من احتياجاتها من خيوط البوليستر و 35 في المئة من المواد الخام. ويقول بيتر دريسكول من "بي. سي. آي. كونسلتانتس" انه اخذاً بالاعتبار عدم توقع حدوث اي زيادة كبيرة في القدرة الانتاجية في اوروبا، فانها ستبقى معتمدة على ما تستورده. لقد اصبح البوليستر في صدارة الخيوط المستخدمة في صناعة النسيج. في العام 1980، كان القطن يؤلف 60 في المئة من كل الخيوط المستخدمة في الشرق الاوسط والعالم، مقابل 30 في المئة للخيوط المصنّعة. وتغيّر هذا الوضع في الوقت الحاضر، حيث ان 45 في المئة من الخيوط المستخدمة هي خيوط مصنّعة. وبحلول السنة 2010 يتوقع ان تزداد نسبة الخيوط المصنّعة التي تستخدم في صناعة النسيج الى حوالى 60 في المئة بينما سيتراجع القطن الى 30 في المئة. واحد الأسباب الرئيسية وراء هذا التغيير هو عدم توافر مناطق لإنتاج القطن وانخفاض كمية المياه المتوافرة. وتستورد اوروبا عادةً كمية كبيرة من راتينج القناني لانتاج القناني البلاستيك التي تستخدم لتعبئة مياه الشرب والمشروبات الغازية. ونظراً الى ان اوروبا لا تنتج كميات كافية من الراتينج، فانها تستورد كميات كبيرة من منتجين آسيويين يتنافسون في ما بينهم للفوز بمنافذ اكبر الى هذه السوق المغرية. وأدى هذا التنافس في الاسعار الى فرض رسوم لمكافحة اغراق السوق من قبل المفوضية الاوروبية على ما يستورد من مادة "بي إي تي" PET. وستُفرض هذه الرسوم على 18 من منتجي ال "بي إي تي" من الهند واندونيسيا وماليزيا وكوريا الجنوبية وتايوان وتايلاند. وسيضمن التهديد بفرض هذه الرسوم التزام هؤلاء المنتجين بأسعار معقولة في المستقبل. وهذه اخبار طيبة جداً بالنسبة ل"سيبكو" التي ستسعى الى تصدير 80 ألف طن سنوياً الى اوروبا لان هذه القارة تحتاج الى كميات متزايدة من مادة "بي إي تي".