حققت شركة "انفستكورب" نجاحاً لافتاً في مدى 18 عاماً من تاريخ إنشائها. وشكل ظهورها تحولاً في تاريخ الاستثمار الخاص في منطقة الخليج حيث تعرّف المستثمرون على منهج جديد في التفكير بات اليوم جزءاً من المشهد اليومي في حياة قطاع الأعمال في هذه المنطقة من العالم. نائب رئيس "بنك انفستكورب" السيد عبدالعزيز جاسم كانو يروي ل"الحياة" تفاصيل هذه المسيرة، قائلاً: "الفكرة انطلقت من البحرين وتحولت إلى قصة نجاح حقيقية تؤكد قدرة المستثمر العربي عموماً والخليجي خصوصاً على التفوق في مجالات الاستثمار الدولي". السيد عبدالعزيز كانو يروي قصة تأسيس "انفستكورب" والظروف التي صاحبت ولادة هذه المؤسسة المصرفية التي نجحت في فرض نفسها بين أبرز المصارف الاستثمارية في العالم في فترة وجيزة. يقول: "سنة 1982 كانت الكويت تعيش أزمة المناخ، في تلك الفترة حدث انهيار سريع ومخيف في المنطقة عموماً والكويت خصوصاً. كان رجال الأعمال حذرين وتعتريهم مخاوف عدة. وكان هذا الخوف يؤثر على قراراتهم الخاصة بالاستثمار في منطقة الخليج". يتابع قائلاً: "في تلك الفترة ولدت "انفستكورب". الأخ نمير قيردار، وهو كان المدير الاقليمي لبنك "تشيس منهاتن" ومركزه البحرين لاحظ بخبرته ودرايته أن هناك أموالاً كثيرة مصدرها النفط وغيره من مصادر الثروة تبحث عن سبيل للانخراط في أعمال مجدية، في وقت كانت هناك دوماً استثمارات أجنبية تقرع الأبواب. كان دأبنا قبل تلك الفترة إذا رغبنا في العمل مع الشركات والمشاريع والاستثمارات ان نسافر اليهم ونقصدهم في بلادهم سواء الولاياتالمتحدة أو اليابان أو أوروبا الغربية ونطلب مقابلتهم، وإذا كان وقتهم يتيح لهم استقبالنا كانوا يقابلوننا". يضيف: "لكن تغيرت الأمور في فترة الازدهار والطفرة النفطية وباتت الشركات تتدافع على أبوابنا لطلب المقابلات وطرح مشاريع مشتركة للاستثمار أو لإعطاء وكالات أو لترويج بضاعتها، الآية انقلبت تماماً نهاية السبعينات وبداية الثمانينات". ومن هنا نبعت فكرة إنشاء "انفستكورب". وكانت المبادرة من جانب الأخ نمير أمين قيردار مع مجموعة من المتعاونين معه من كبار الموظفين، فكروا في إقامة مصرف عربي للاستثمار. ودُعيت إلى المشاركة، ومن ثم كنت من اوائل الذين دعوا إلى المساهمة في هذا المصرف، ومعي بالطبع الأخوة محمد جلال وخالد الزيّاني وابن عمي أحمد علي كانو رئيس مجلس إدارة "شركة يوسف بن أحمد كانو" ورئيس مجلس إدارة "بنك البحرين الوطني" لتدارس الفكرة فوجدناها منطقية ومعقولة. هنا كانت البداية. ودعينا إلى عقد اجتماعات واستأجرنا في فندق "هوليداي إن" غرفة حولناها إلى مكتب، وبدأنا العمل مع المحامين لإعداد أنظمة العمل وإنشاء مصرف استثمار برأس مال قدره 100 مليون دولار، يُدفع منها 50 مليوناً أولاً و50 مليوناً لاحقاً". طريقة التأسيس راعت أن ينضم اليها ممثلون من دول الخليج جميعاً. يقول السيد كانو: "ولدت الفكرة في البحرين وكان الاتفاق أن يكون المؤسسون من دول مجلس التعاون. وتحركنا بعد دراسة الفكرة واقتناعنا بها، وسعى الجميع الى اقناع معارفه من المستثمرين الآخرين في دول مجلس التعاون بالانضمام". السيد كانو أخذ على عاتقه التكفل بالسوق السعودية وتولى مهمة الاتصال بالمستثمرين فيها. ويقول: "السبب هو معرفتي بالمملكة العربية السعودية وامتلاكي فيها أعمالاً كثيرة ومعارف وأصدقاء في جميع مناطق المملكة. وأتى الأخ نمير قيردار معي وبدأنا نتصل برجال الأعمال في المنطقة الشرقية ونحاول أن نشرح لهم الفكرة ووجهة نظرنا وتوقعاتنا للمستقبل وكان بالطبع من اقتنع وانضم ومنهم من فضل التريث ومنهم من رفض". وتحفل تجربة إقناع المستثمرين بمواقف طريفة يرويها السيد كانو قائلاً: "أحد أخواننا من رجال الأعمال في الشرقية عندما عرضت عليه الفكرة وقلت له سيأتيك الأخ نمير قيردار هو رجل اقتصادي ناجح وسيشرح لك الفكرة، فأجابني: أتاني الأميركيون واليابانيون والأوروبيون وهم يريدون مني الاستثمار معهم وما أبحث عنه هو العمل مع شركات ومؤسسات كبيرة ومعروفة بينما أنتم تأتوني بمشروع وليد يقوم عليه أشخاص غير معروفين عالمياً. لكن هذا الأخ عاد وقرر في النهاية الاستثمار معنا، ومرت الأيام ونجح المصرف، وبات الشخص نفسه يعتب على عدم رؤيته أكثر للأخ نمير ويعتب على كوننا نستأثر به دونه". رحلة الاقناع هذه أسفرت عن إقناع مستثمرين كثيرين بالانضمام. "والشركة احتفظ فيها المؤسسون، لدى إشهارها، بحصص لا تزيد على مليون دولار لكل مؤسس، وتم تخصيص 5.37 في المئة لبيعها إلى الهيئة الإدارية والعاملين في الشركة، أما النسبة المتبقية وهي حوالى 40 في المئة فقد طرحت للتداول في سوق البحرين لكل من يرغب في المشاركة من أبناء مجلس التعاون". بعد ذلك "بدأت الشركة تعمل بهيكلها الصغير المستحدث، وتم انتخاب مجلس الإدارة ووجدنا شخصية فذّة لترؤس المجلس هو السيد عبدالرحمن العتيقي، الذي كان يشغل منصب وزير النفط في الكويت، وانتخب نائباً له الأخ أحمد كانو، وهو من الشخصيات البارزة في منطقة الخليج ويرأس مجلس ادارة "شركة يوسف بن أحمد كانو" وهي شركة عريقة في العمل التجاري على مستوى الخليج تأسست عام 1890 ويزيد عمرها عن 110 سنوات". وجرى من ثمّ "انتخاب الأخ نمير قيردار عضواً منتدباً ورئيساً تنفيذياً نظراً إلى الخبرة التي يملكها في الأعمال المصرفية والتعاملات المالية الدولية وفي مجال الاستثمارات. وتكوّن مجلس الادارة من 18 عضواً من مجلس التعاون، يحظى كل منهم بمكانة مرموقة في عالم الاعمال. وبدأت الشركة عملها وكانت أول صفقة تبرمها شراء متجر "تيفاني" في الجادة الخامسة في نيويورك، وهو من أكبر المتاجر المعروفة في الولاياتالمتحدة ويتخصص في بيع التحف والذهب والأشياء الثمينة، وتبلغ عراقته ومكانته أن قياسات "تيفاني" لا تزال هي المعتمدة في أميركا لقياس الجودة". و"انفستكورب" اشترت المتجر واستثمرت فيه بثقة، مما أعطى مردوداً طيباً للغاية بلغ 600 في المئة وكانت هذه نقطة البداية التي انطلقت منها "انفستكورب". يقول السيد عبدالعزيز كانو: "تلك كانت بداية مشرّفة ونجاحاً طيباً. بعد ذلك اشترت "انفستكورب" شركات عدة أخرى. ومن أشهر الأعمال التي قامت بتنفيذها شراؤها شركة "غوتشي" التي أعطت مردوداً بلغ 400 في المئة، ثم "برايم ايكويبمنت" وغيرها من المشاريع التي اشترتها وباعتها". - وكم تساوي "انفستكورب" حالياً؟ يجيب: "القيمة السوقية حالياً تزيد عن البليون وثلاثمئة مليون دولار، وهذه النتيجة تحققت انطلاقاً من الاستثمار الأول البالغ 100 مليون دولار. وشركتنا بدأت تعطي أرباحاً تزيد عن 30 في المئة منذ بداية أعمالها. وكان السهم الواحد عند التأسيس قيمته 25 سنتاً، وقد ارتفع الآن إلى 5.3 دولار". - وما هو مستقبل "انفستكورب"؟ يقول السيد عبدالعزيز كانو الذي يحمل خبرة طويلة تمتد لعشرات السنين في قطاع الأعمال: "مستقبلها باهر إن شاء الله. وبتوسيع "انفستكورب" لانشطتها وعملياتها الاستثمارية انتقلت الشركة أيضاً إلى مجال الأنشطة التكنولوجية والتطور مع هذه الأسواق العالمية، وهي تعمل من خلال مقار مكاتبها الثلاثة الواقعة في البحرين ولندن والولاياتالمتحدة، وهي تعد من أكبر الأسواق المالية في منطقة الشرق الأوسط وأوروبا وأميركا".