"اعتقدت دائماً ان اليسار الاسرائيلي، بغالبيته العظمى يتظاهر بمواقفه ولا يتبناها فعلاً. وهذه المرة أيضاً، كما في 1982 والحرب على لبنان وكما في كل الحروب، سقطت أقنعة هذا اليسار". هذا ما يقوله ل"الحياة" داعية السلام الاسرائيلي اوري افنيري في محاولة لتفسير الصمت المدوي الذي انتهجه اليسار ومعسكر السلام الاسرائيلي خلال اسبوعي المواجهات بين اسرائيل والفلسطينيين، في مناطق السلطة واسرائيل. وعندما نتحدث عن "اليسار" انما نقصد أولا اليسار المنظم في أحزاب وحركات صهيونية مثل حزب "العمل" وحركة "ميرتس" و"السلام الآن" اضافة الى حركات سلام صغيرة مثل "كتلة السلام" و"المجموعة الشرقية" وغيرهما. وأظهرت الأحداث الأخيرة زيف مواقف اليسار في "العمل" و"ميرتس"، الذي أيّد كل ما قامت به حكومة ايهود باراك وصحا في ما بعد ليتحدث، بخجل وتأتأة، عن ضرورة وقف إراقة الدماء. ولم يتردد عدد من الكتّاب المعروفين "بمواقفهم اليسارية" في الاعتراف بأنهم اخطأوا في تقديراتهم بل راح كثيرون منهم يعترفون بأن اليمين كان على حق في تقديراته لمصير العملية السلمية. ويعترف النائب السابق يونا ياهف ان شرخاً كبيراً أصاب معسكر السلام "الذي يقف اليوم حائراً بين البلبلة واليأس، بين خيبة الأمل والتقييم المجدد للمواقف السائدة. ينظر الى وراء ويتساءل: هل أخطأنا؟". ولم يتردد آخرون في هذا المعسكر في صوغ مسوّغات تبريرية لحمامات الدم التي ارتكبتها قوات "الأمن" الاسرائيلية المختلفة وتحميل السلطة الفلسطينية من جهة وقيادة المواطنين العرب في اسرائيل من جهة أخرى، مسؤولية هذه الأحداث التي أوقعت نحو 120 شهيداً فلسطينياً. أما اليساريون من حركات السلام الأخرى فتبنوا مقولة "عندما تدوي المدافع تسكت الأقلام" واحتاجوا الى أكثر من اسبوعين ليخرجوا عن صمتهم وينظموا تظاهرات احتجاجية، مساء السبت الماضي وينصبوا خيم سلام تدعو للتعايش بين الشعبين وذلك بمبادرة الحزب الشيوعي الاسرائيلي الذي يضم في صفوفه يساريين يهود يرفضون تسميتهم باليسار الصهيوني. ويقول الكاتب مرزوق حلبي ل"الحياة" ان "فلسفة اليسار الاسرائيلي ليست أخلاقية بقدر ما هي انتفاعية وهو يستشف برنامجه السياسي وادعاءاته من عقدة الخوف... الخوف من فرض سيطرة شعب على شعب آخر".