بن مشيبه متحدثاً لوزارة الحرس الوطني‬⁩    متقاعدو أبوعريش الأكثر حراك اجتماعي    مدينة الصين تجذب زوار موسم جدة    مناظرة بايدن تركت الديمقراطيين بين شكوك الدعم    الربيعة يدشن البرنامج الطبي التطوعي للأطراف الصناعية والعلاج الطبيعي لمتضرري زلزال سورية وتركيا    «واتساب» تستخدم الذكاء الاصطناعي في «تخيلني» (Imagine Me) لإنشاء صور شخصية فريدة    2024 يشهد أكبر عملية استيلاء على أراضي الضفة الغربية    وزير الخارجية يصل إسبانيا للمشاركة في اجتماع المجلس الأوروبي    الإيطالي ستيفان بيولي مدربًا جديدًا لنادي الاتحاد    الهلال يعلن عن رحيل محمد جحفلي    إحباط تهريب 90 كيلوجرامًا من القات    جامعة القصيم تعلن مواعيد التقديم على درجتي البكالوريوس والدبلوم    مجلس جامعة الملك خالد يعقد اجتماعه الحادي عشر ويقر تقويم العام الجامعي 1446    المفتي يستقبل آل فهيد    ارتفاع عدد قتلى حادث التدافع بشمالي الهند إلى 121    ضيوف الرحمن يغادرون المدينة المنورة إلى أوطانهم    بدء المرحلة الثانية من مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية    أمير جازان يتسلّم تقريرًا عن أعمال إدارة السجون بالمنطقة    الوفاء .. نبل وأخلاق وأثر يبقى    جيسوس يوجه رسالة لجماهير الهلال    الحرارة أعلى درجتين في يوليو وأغسطس بمعظم المناطق    السجن 7 سنوات وغرامة مليون ريال لمستثمر "محتال"    مجمع إرادة والصحة النفسية بالدمام وبصيرة ينظمان فعاليات توعوية عن أضرار المخدرات    الدكتور السبتي ينوه بدعم القيادة غير المحدود لقطاع التعليم والتدريب في المملكة    "التأمينات" تعوَض الأم العاملة عند الولادة 4 أشهر    مؤشر سوق الأسهم السعودية يغلق منخفضًا عند مستوى 11595 نقطة    الأمير سعود بن نهار يستقبل رئيس مجلس إدارة جمعية اليقظة الخيرية    موسكو تسجل أعلى درجة حرارة منذ 134 عاماً    «الموارد البشرية» تفرض عقوبات على 23 صاحب عمل وإيقاف تراخيص 9 مكاتب استقدام    جامايكا تستعد لوصول إعصار "بيريل"    سمو محافظ الخرج يستقبل رئيس غرفة الخرج    محلي البكيرية يناقش الأمن الغذائي للمنتجات الزراعية وإيجاد عيادات طبية    تحسن قوي بالأنشطة غير النفطية في يونيو    السواحه يبحث مع زوكربيرج التعاون بالذكاء الاصطناعي    بدء أعمال الصيانة ورفع كفاءة وتطوير طريق الملك فهد بالدمام اليوم    الأمان يزيد إقبال السياح على المملكة    بناء محطة فضائية مدارية جديدة بحلول عام 2033    اتحاد القدم يعين البرازيلي ماريو جورجي مدرباً للمنتخب تحت 17 عاماً    تجسيداً لنهج الأبواب المفتوحة.. أمراء المناطق يتلمسون هموم المواطنين    «كفالة»: 8 مليارات تمويل 3 آلاف منشأة صغيرة ومتوسطة    يورو 2024.. تركيا تتغلب على النمسا بهدفين وتتأهل إلى ربع النهائي    البرتغاليون انتقدوا مهنيتها.. «قناة بريطانية» تسخر من «رونالدو»    وصول التوأم السيامي البوركيني الرياض    ازدواجية السوق الحرة    أمير الشرقية: مشروعات نوعية ستشهدها المنطقة خلال السنوات المقبلة    90 موهوبًا يبدأون رحلة البحث والابتكار    التعليم المستمر يتابع سير الحملات الصيفية لمحو الأمية بالباحة    أزياء المضيفات    أمير القصيم ينوه بعناية القيادة بالمشروعات التنموية    التراث يجذب الزوار في بيت حائل    تأثير التكنولوجيا ودورها في المجتمع الحديث    الحج .. يُسر و طمأنينة وجهود موفقة    طه حسين في المشاعر المقدسة 2-1    هنّأ رئيس موريتانيا وحاكم كومنولث أستراليا.. خادم الحرمين وولي العهد يعزيان القيادة الكويتية    "التخصصي" يجري 5000 عملية زراعة كلى ناجحة    أمير القصيم يكرّم عدداً من الكوادر بالشؤون الصحية في المنطقة    "الطبية" تعالج شلل الأحبال الصوتية الأحادي لطفل    نائب أمير مكة يرأس اجتماعاً لمناقشة التحضير للحج القادم    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



قمة الاسئلة قبل الأجوبة
نشر في الحياة يوم 13 - 10 - 2000

التطور الأكثر أهمية منذ 28 أيلول سبتمبر الماضي هو أن الانتفاضة الفلسطينية الثانية جاءت عفوية وبلا تخطيط. هي في ذلك مثل الانتفاضة الأولى في كانون الأول ديسمبر 1987، وهي أيضاً ستجد من يتاجر بها وفي النهاية يجهضها ويقمعها ويفرض نفسه وريثاً لها.
هذه الانتفاضة الثانية - عنوانها الموقت "انتفاضة القدس" - قد تكون شرارتها هي زيارة ارييل شارون المسلحة إلى الحرم القدسي، لكن أسبابها في الواقع كانت تتراكم منذ وقت طويل. فالشعب الفلسطيني يعيش حياته تحت الاحتلال مع انه أوحي له طوال سبع سنوات بأنه أصبح فوق أرض "محررة" وله رئيس يستمتع بحرس شرف وسلطة تصدر أسمياً تراخيص الاستيراد والتصدير، بل حتى كازينو قمار قيل في تبريره انه مغناطيس لشفط نقود الاسرائيليين.
ومع الزيارة المسلحة من شارون، قطب المعارضة الاسرائيلي، للحرم القدسي أصبح واضحاً أن الكيل فاض برجل الشارع الفلسطيني الذي خرج يعبر عن غضبه رغم أنف سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني والتزاماتها الأمنية لحساب اسرائيل. وأبسط دليل على ذلك هو أن شلال الغضب نفسه كان يحرك حتى الفلسطينيين حاملي الجنسية الاسرائيلية داخل اسرائيل ذاتها، وهم بالطبع البعيدون تماماً عن سطوة سلطة الحكم الذاتي.
وقد يكون وضع القدس والمسجد الأقصى هو عنوان الشهرة هنا، إلا أن القدس بمجملها ليست سوى جانب واحد من التشوه الخلقي الذي تعاني منه العملية التفاوضية منذ البداية. فبعد سبع سنوات منذ اتفاق أوسلو في سنة 1993 اتضح أنه في أرض الواقع لا تزال يد اسرائيل هي الطولى حتى في المنطقة المحدودة من الأرض الممزقة التي قيل انها أصبحت تحت السيطرة الكاملة لسلطة الحكم الذاتي. وبينما قيل مثلاً أن مطار غزة - الذي سمّوه أخيراً مطار ياسر عرفات الدولي - هو أحدى علامات الدولة الفلسطينية الوليدة، تجيء واقعة عابرة لتكشف مدى الوهم السائد هنا. واقعة كمثل ما جرى للطيار المدني المصري علي مراد الذي قاد طائرته المدنية للمرة الأولى إلى مطار غزة ففوجئ بأن جنود جيش الاحتلال الاسرائيلي يصعدون الى الطائرة لتفتيشها من الداخل.
كانت في حينه واقعة بالغة الشذوذ لأن الطائرات المدنية لها قوانين دولية تحكم التعامل معها. وفي كل الحالات من حق سلطة المطار المعني تفتيش من وما يخرج من - أو يدخل إلى - الطائرة. لكن ليس من حقها مطلقاً تفتيش الطائرة من الداخل. والأنكى من ذلك تفتيشها بجنود مسلحين. تلك في حد ذاتها مسألة بالغة الخطورة ويمكن أن تكون لها عواقب أخطر.
مع ذلك، اكتشف الطيار المصري أن رجل الأمن الفلسطيني التابع لسلطة الحكم الذاتي الفلسطيني ليس أكثر من ديكور وشاهد زور ومرافق أخرس لجنود الاحتلال الاسرائيليين، بل مشمئز من الطيار المصري لأنه يرفض دخول المسلحين الإسرائيليين الى طائرته بحجة أن عليه فقط تنفيذ التعليمات. أما ما هي تلك التعليمات فقد تبين أنها جزء من اتفاق "واي ريفر" بين إسرائيل وسلطة الحكم الذاتي في واشنطن سنة 1998 والتي لم تكن مصر أصلاً طرفاً فيها. لكنها بعدما وقع عليها عرفات أصبحت بقدرة قادر ملتزمة بالإذعان لها مهما كان هذا متنافياً مع قوانين الطيران الدولية، بل مطلوب من مصر أيضاً التستر عليها والتظاهر أمام الكاميرات بعكسها.
أقول إن شرارة 28 أيلول سبتمبر الماضي كانت هي مناسبة غضب رجل الشارع الفلسطيني وليست سببه لأن رجل الشارع أدرك أن عليه أن يتعامل مع الواقع القائم أمام عينيه وليس الواقع الملفق أمام كاميرات التلفزيون. وحينما احتمى الطفل محمد الدرة ووالده ببرميل اسمنت تفادياً لرصاص الاحتلال الاسرائيلي في غزة لم يكن أي منهما عضواً في "حماس" أو حتى "فتح"، ولا كان أي منهما مشاركاً حتى في القاء الحجارة. لقد كانا عائدين من سوق للسيارات القديمة فوجدا نفسيهما في مرمى النيران الإسرائيلية داخل الأرض "المحررة" نفسها. وبغير أي تواجد لأي من أجهزة الأمن التسعة التابعة لسلطة الحكم الذاتي وقيل سابقاً أمام الكاميرات انها كفيلة بحماية الشعب الفلسطيني. لكن تلك الواقعة كشفت الوهم الكبير وسلطت الأضواء على حقيقة أن المهمة الاساسية لسلطة الحكم الذاتي هي حماية الاحتلال الاسرائيلي ذاته، وحمايته داخل قطاع غزة، القطاع نفسه الذي كان اسحق رابين رئيس وزراء اسرائيل يتمنى أن يخرج منه بلمح البصر ففوجئ بعد صفقته مع عرفات في اوسلو أن قواته تستطيع البقاء وبحماية سلطة الحكم الذاتي ذاتها.
لا أحد يدعي أن سلطة الحكم الذاتي متوازنة في القوة مع اسرائيل، لكن الادعاء بالعكس أيضاً يصبح ترويجاً لمخدرات سياسية بالغة الخطورة. مخدرات مستمرة معنا للسنة السابعة بينما الشعب الفلسطيني ذاته مستمر في مواجهة كابو الاحتلال في أرضه على مدار الساعة. الشعب يعرف ويعاني ويتعرض للقمع المزدوج. لكن قياداته تصور الأمر للعالم الخارجي على نحو مختلف تماماً، هذا في حد ذاته أصبح سبباً إضافياً لتآكل التأييد الدولي للقضية الفلسطينية، وهي الحقيقة بالغة المرارة بعد كل ما جرى من تضحيات، وفي مؤتمر اسلامي عُقد أخيراً في عاصمة عربية فوجئ مندوب ياسر عرفات بأن المجتمعين ينهرونه ويوبخونه منبهين عليه بأن تتوقف سلطة الحكم الذاتي وبطانتها عن ابتزاز العرب والمسلمين في ما يفتقد أصلاً للصحة والاستقامة والجدية.
وأبسط نموذج لذلك ما تردد منذ سنة 1995 عن "وثيقة بيلين / عباس" التي كانت حصيلة مفاوضات سرية أخرى بين يوسي بيلين الوزير في حكومة اسحاق رابين وقتها ومحمود عباس الرجل الثاني بعد عرفات ووريثه في السلطة. في البداية أنكر عرفات وبطانته تلك الوثيقة الى ان جاءت الأحداث لتكشف بأثر رجعي عن صحتها وفداحة الصفقة المروعة التي عبرت عنها. وفي مفاوضات كامب ديفيد الأخيرة تبين أن أساس التفاوض الاسرائيلي - الاميركي ينطلق بالكامل من تلك الوثيقة تحديداً، بما في ذلك التخلي المفجع عن حق اللاجئين الفلسطينيين في العودة والتعويض، بل إلزام الدول العربية بتوطينهم نهائياً.
وحتى في حدود الثمانين في المئة التي قال المفاوضون الفلسطينيون انهم اتفقوا عليها مع اسرائيل في كامب ديفيد تبين أخيراً انها ألغت بالكامل كل مبادئ الشرعية الدولية التي قامت عليها القضية الفلسطينية طوال عقود. الآن هناك قبول فلسطيني بعدم عودة اسرائيل الى حدود حزيران يونيو 1967، وقبول فلسطيني ببقاء المستوطنين الإسرائيليين في الضفة الغربية تحت السيادة الاسرائيلية، وبتبادل أراضي، وبتلفيق اسم القدس لقرية أبو ديس. وعلى حد تعبير يوسي بيلين فإن المطروح في القدس الحالية هو فقط استمرار الأمر الواقع مع تغيير المسميات والصفات لتصبح تجميلاً لواقع قبيح.
والآن في الطريق الى اجتماع عربي جديد وطارئ للقمة يخشى كثيرون أن نتابع المزيد من الشيء نفسه، نتابع مثلاً فكرة أن ما تريده سلطة الحكم الذاتي الفلسطيني من العرب هو اساساً الدعم المالي، بالطبع، الفلوس مهمة، لكن بإمتداد القرن العشرين كله لم تحصل حركة تحرير على قدر الفلوس الذي حصلت عليه منظمة التحرير الفلسطينية، ولا حتى نصفه أو ربعه. لكن الفلوس في هذه الحالة تحديداً تحولت الى سلاح للفساد والافساد بدل أن تصل فعلاً الى مستحقيها، فإذا كان على العرب أن يدفعوا المزيد الآن، فليكن هذا. لكن برقابة صارمة واشراف عربي حازم ولو من باب أن الذي يدفع من حقه أن يراقب ويحاسب.
إنما الأكثر أهمية هو أن ينطلق الاجتماع المقبل للقمة العربية من تشخيص صحيح للاسئلة المطروحة: هل المطلوب هو المزيد من الشيء نفسه، أو تصحيح جذري للتشوه الخلقي في العملية التفاوضية؟ هل القدس هي مجرد الصلاة في المسجد الاقصى... أو أن كل أرض عربية محتلة هي قدس الى أن تحرر؟ هل مرجعية القضية الفلسطينية هي مدى سخاء وأريحية اسرائيل أو انها الالتزام القاطع بالانسحاب الكامل الى حدود الرابع من حزيران يونيو 1967؟ هل مسؤولية العرب هي التكيف مع اتفاقات عرفات وباراك وتسويقها لدعم شعوبهم... أو التمسك بخطوط حمراء رسمتها من قبل دماء الشهداء وتضحيات الشعوب؟ هل العرب مطلوبون صيفاً للإذعان وتعويم المتفاوضين، ثم مستبعدون شتاءً لحظة الصفقات السرية الغامضة التي يفاجئهم بها البيت الأبيض في يوم أسود؟
إن هذه القمة العربية المقبلة - بعكس مرات سابقة - سيتوقف مصيرها أولاً على طرح الاسئلة الصحيحة، وليس على تلفيق الاجابات المراوغة.
* نائب رئيس تحرير "أخبار اليوم" القاهرية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.