خلال الدورة الأخيرة لمهرجان "كان" السينمائي، عرض فيلم "أغاني الطبقة الثانية"، في المسابقة الرسمية، لكنه لم يلفت نظر الكثيرين. بل ان ثمة من غادر القاعة قبل انتهاء عرضه. بعد ذلك، حين فاز هذا الفيلم السويدي الغريب بجائزة لجنة التحكيم في المهرجان، انتبه اليه كثيرون. وهذا الانتباه يتكرر اليوم مع عرضه تجارياً، في صالات بعض المدن الأوروبية ومنها باريس. اليوم، يعد الفيلم تحفة سينمائية جديرة بأن تعيش طويلاً، وان كان موضوعه نهاية العالم، أو بالأحرى مشاهد توحي بنهاية العالم. وقليلة هي الأفلام، في تاريخ السينما، التي تحدثت عن هذه النهاية على هذا الشكل، المفرط - قبل أي شيء آخر - في جماله التشكيلي، ما يجعل كل مشهد ولقطة منه، عملاً فنياً متكاملاً. النقاد وصفوا الفيلم بأنه مجموعة من اللوحات الجليد التي تصور النهاية وفوضاها. أما مخرج الفيلم روي اندرسون فقال ان "أغاني الطبقة الثانية" انما هو ثمرة عمل بدأ به منذ سنوات وأنجزه بفضل تضحيات كبيرة. اندرسون من مواليد العام 1943، وهو كان يحلم بأن يصبح رساماً، لكنه فضل متابعة دراسة الأدب والسينما، تاركاً حب الرسم يلوح في ثنايا أعماله. بدايته السينمائية كانت عام 1970، وحقق فيلمين ضمن اطار نظام الانتاج السائد، لكنه إذ رأى "عجز ذلك النظام" عن تحقيق طموحاته الفنية، تخلى عنه وأنشأ مؤسسة انتاج خاصة به، وأقام استوديو وجهزه بالأدوات اللازمة. وهكذا صار في وسعه، محاطاً بعدد من مساعديه وأصدقائه، أن يحقق الفيلم السينمائي كما يرسم الفنان لوحة تشكيلية غير آبه لا بسوق ولا بوقت ولا بأي ضغط. وكانت هذه حاله مع "أغاني الطبقة الثانية" الذي بدأ تصويره عام 1996، من دون سيناريو ومن دون جدول عمل، وهو يرى اليوم ان النجاح الذي يحققه فيلمه انما هو الدليل القاطع إلى ان الحلم السينمائي الحقيقي لا يمكن أن يموت.