كان امس يوم الوساطات الدولية، من القدسالمحتلة الى غزة، ومن دمشق الى بيروت والقاهرة، لوقف المواجهات بين الفلسطينيين والاسرائيليين، ولبدء التفاوض مع حزب الله في لبنان على اطلاق الأسرى الاسرائيليين الثلاثة، لكنه كان ايضاً يوم التشدد المصري والفلسطيني في ما يتعلق بانعقاد قمة رباعية يلتقي فيها ايهود باراك رئيس وزراء اسرائيل مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات بدعوة اميركية ورعاية مصرية. لكن الرئيس الاميركي لم يستبعد امكان رعاية قمة بين عرفات وباراك يمكن ان تعقد في العاصمة النروجية اوسلو. واشاع الاسرائيليون معلومات عن الاتجاه الى مثل هذه القمة، لكن الرئيس كلينتون شدد على ضرورة استباق اي اجتماع ب"تحديد الهدف منه وكيفية تحقيق هذا الهدف". وفيما بدا ان وساطة الأمين العام للامم المتحدة كوفي انان حققت "اختراقاً" على صعيد ايجاد آلية لوقف المواجهات بلورة صيغة ب"لجنة تحقيق دولية"، إلا ان رفض اسرائيل أي "طابع دولي" للتحقيق في خلفية الاحداث أخّر جهود انان في التوصل الى نتيجة معلنة. وكانت صدرت اشارات عن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وايضاً الرئيس الفلسطيني، الى خطوات تقدم في الاتصالات الجارية، اما اسرائيل فواصلت التصرف وكأنها تعيش في حال حرب. وقد ركزت جهود أنان على محاولة اقناع الطرفين الإسرائيلي والفلسطيني بإصدار بيانين متوازيين يتضمن كل منهما تجاوباً مع طلبين أساسيين: اجراء تحقيق بطابع دولي في خلفية الأحداث، والدعوة إلى وقف العنف للعودة إلى المفاوضات. لكن الجهود التي بذلت حتى أمس الأربعاء اصطدمت بإصرار إسرائيل على رفض توسيع التحقيق ليكون له طابع دولي ذو معنى، وبضغوط عربية على الجانب الفلسطيني لئلا يخضع لمطالب إسرائيلية، حسب مصادر وثيقة الاطلاع على مهمة أنان. وأوقع الأمين العام نفسه في مأزق سيصعّب عليه المحطة الثانية من مهمته عندما يزور لبنان اليوم بعدما صرح بأن احتجاز "حزب الله" ثلاثة جنود إسرائيليين يشكل خرقاً للقرار 425. وبرز رأيان داخل الأممالمتحدة في هذا الصدد، أحدهما اعتبر ما قاله أنان خطأ كان يجب عليه تفاديه، وآخر اعتبره واجباً في إطار ما تم الاتفاق عليه مع الطرف اللبناني من ضرورة إعلان أي خرق "للخط الأزرق". وقالت مصادر في الأمانة العامة "إن الأمين العام كان يتصرف طبقاً لما تم الاتفاق عليه، وهو الإعلان عن خروقات عندما تحدث، وقد عبر حزب الله الخط الأزرق"، أي خط الانسحاب وقبض على الجنود الإسرائيليين. وحسب مصادر أخرى، سعت الأممالمتحدة الى صياغة مشروعي بيانين تركزت الأفكار فيهما على ان تسحب إسرائيل قواتها والأسلحة الثقيلة، ووقف الاجراءات العقابية، والتقدم بالتعازي الى الجانب الفلسطيني، من جهة. ومن جهة أخرى، على ان يدعو الفلسطينيون إلى وقف العنف مع تأكيد ضرورة العودة إلى طاولة المفاوضات. وبقيت العقدة في الآلية المقبولة لاجراء تحقيق في خلفية الأحداث التي اندلعت في 28 أيلول سبتمبر اذ ترفض اسرائيل دوراً للأمم المتحدة وتصر على مشاركة أربع أطراف فقط في التحقيق: أميركية ونروجية وإسرائيلية وفلسطينية. واستنجدت الأممالمتحدةبالولاياتالمتحدة كي تقنع إسرائيل بضرورة إضافة بعد دولي ليس في شكل تحقيق تقوم به الأممالمتحدة، وإنما في دور ما للأمين العام في تسمية الشخصيات التي تقوم بالتحقيق وفي تلقيه التقرير عن النتائج. وطلب الطرف الفلسطيني أن يتضمن التحقيق جنسيات من الاتحاد الأوروبي وآسيا وافريقيا، ليكون أحد المشاركين عربياً على أن لا يكون الطرفان الفلسطيني والإسرائيلي جزءاً منه. ونقلت مصادر الاممالمتحدة ان هناك ضغوطاً مصرية على الطرف الفلسطيني انطلقت من الغضب من باراك بعد رفضه الذهاب إلى شرم الشيخ، كما كان متفقاً عليه، في أعقاب لقاءات باريس. وقالت المصادر إن الأمين العام يتمنى على الرئيس المصري أن يكون شريكاً، ولو بعيداً، في محاولة احتواء التصعيد للجم اندلاع الأزمة. وأكدت المصادر ان الأولوية الآن، في جهود أنان، تصب حصراً في خانة احتواء التوتر، واعتبرت ان المناخ السياسي لا يسمح بعد من الانتقال إلى البحث في كيفية احياء العملية السلمية. الدور الاميركي في غضون ذلك ترك الرئيس كلينتون الباب مفتوحاً لإمكان ذهابه إلى الشرق الأوسط لإعادة إحياء عملية السلام بين الفلسطينيين وإسرائيل، لكنه أكد أنه يجب استباق أي اجتماع تحديد الهدف من ذلك وكيفية تحقيق هذا الهدف. وأكد كلينتون استمرار الاتصالات مع الأفرقاء لإعادة الهدوء ووقف القتال، ومن ثم لايجاد طريقة لإحياء عملية السلام. وأضاف انه مستعد للذهاب إلى المنطقة أو لارسال الوزيرة مادلين أولبرايت وأيضاً للذهاب سوياً. وبدا واضحاً أن قمة شرم الشيخ صرف النظر عنها لمصلحة ذهاب كلينتون إلى المنطقة واجراء محادثات مع باراك وعرفات. وتجنب كلينتون الرد على سؤال عما إذا كان عرض في السابق اعطاء سيادة للفلسطينيين على القدسالشرقية، واكتفى بالقول: "آخر شيء يجب أن نعمله الآن هو الحديث في هذا الموضوع، فما تحدثنا بشأنه خلال كامب ديفيد وبعدها أصبح معروفاً". وأضاف: "لا اعتقد أن على أي منّا أن يقول أو يفعل أي شيء الآن سوى التركيز على وضع نهاية للعنف وابقاء الناس على قيد الحياة وتهدئة الأمور والعودة إلى طاولة المفاوضات". وتابع: "مشروع العودة إلى طاولة المفاوضات يشكل جزءاً مهماً لوقف العنف بشكل جذري، وهذا ما نقوم بعمله ... أنا مستعد للقيام بأي شيء للمساعدة ... أجريت اتصالاً طويلاً هذا الصباح مع الأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان، ونعمل سوياً للتأكد من تحقيق هدوء جوهري هناك ... وكما تعرفون استطيع أن أفعل الكثير من هنا عبر الهاتف، لقد صرفت أياماً وليالي على الهاتف، وأتمنى أن تكون الولاياتالمتحدة تركت تأثيراً ايجابياً". وكرر كلينتون تشديده على ضرورة وقف أعمال العنف وايجاد تصور للمرحلة المقبلة التي يعتقد أنها استئناف المفاوضات. وأضاف: "علينا التوصل إلى اتفاق حول جهد تقصي الحقائق من أجل تحديد ما حصل ومنع تكراره مجدداً، واعتقد اننا نستطيع تحقيق ذلك". وسئل إذا كان مصاباً بخيبة أمل لأن الفلسطينيين والإسرائيليين رفضوا المشاركة في قمة دعا إليها، قال كلينتون: "لست قلقاً، وهذه ليست القضية، نستطيع أن نفعل ذلك. الأهم هنا ليس مجرد عقد اجتماع آخر، نريد أن نعرف ما سنفعله وكيف سنفعله ... لا أريد قراءة متزايدة لعدم حصول اجتماع كبير في مصر. لا اعتقد أنه يجب قراءة ذلك على أن الفلسطينيين والإسرائيليين لا يريدون الاستمرار في عملية السلام". وتابع ان الجميع مذهول من سرعة وعمق خروج الأمور عن السيطرة. ورفض مزاعم قالت بأن ما حصل كان نتيجة فشل كامب ديفيد، قائلاً: "لولا محادثات كامب ديفيد لكانت الأمور أسوأ". في الوقت نفسه، ذكرت مصادر البيت الأبيض أن عرفات وباراك لم يرفضا الاجتماع مع كلينتون، ولكن لكل منهما تصور مختلف لما يجب أن يكون الهدف من أي قمة. وأضافت المصادر ان باراك يصر على وقف العنف قبل الاجتماع، بينما يصر عرفات على بدء التحقيق في أعمال العنف والأسباب التي أدت إليها. شروط مصرية وفلسطينية وانتقلت كل من مصر والسلطة الفلسطينية امس الى وضع الشروط لانعقاد قمة تجمع بين عرفات وباراك. فحدد الرئيس حسني مبارك، في رسالة بعث بها الى الرئيس كلينتون، خمسة شروط للموافقة على انعقاد قمة رباعية وخلاصة هذه الشروط انها تعتذر عن عدم استضافة القمة. وهذه الشروط هي: 1 - انسحاب القوات الاسرائيلية من مناطق السلطة الفلسطينية. 2 - وقف الانذارات والتهديدات الاسرائيلية وسحبها. 3 - تقديم تعهد اسرائيلي بعدم العدوان على المسجد الاقصى. 4 - قبول تشكيل لجنة دولية للتحقيق. 5 - ان تفتح القمة الرباعية المقترحة الباب امام عودة المفاوضات في اطار الشرعية الدولية. وعلى الفور، اعلنت السلطة الفلسطينية موقفاً مماثلاً في رام الله، ما كشف عن تنسيق نشط بينها وبين مصر. فأعلن وزير الثقافة والاعلام ياسر عبدربه في مؤتمر صحافي ان "لا ضرورة في هذه الفترة لعقد لقاءات قمة ثلاثية او رباعية قبل ان تأتي لجنة تحقيق دولية". وفي غزة اعلن نبيل ابو ردينة الناطق بلسان عرفات، وبعد الاجتماع مع كوفي انان، ان "الجهود الدولية والعربية والاميركية فشلت حتى اللحظة في انهاء الاعتداءات الاسرائيلية". قضية الاسرى وخضعت قضية تبادل الجنود الاسرائيليين الثلاثة الذين أسرهم "حزب الله" السبت الماضي، بأسرى لبنانيين وعرب في السجون الاسرائيلية، للمزيد من التجاذب أمس، في وقت تواصلت زيارات الموفدين الدوليين لبيروت للمساهمة في معالجة هذه المسألة، في ظل ضغوط على لبنان و"حزب الله" هدفها كما قالت مراجع رسمية خفض اثمان الافراج عن الجنود الثلاثة. راجع ص6 ورد كبار المسؤولين اللبنانيين أمس على تصريحات في اسرائيل للأمين العام للأمم المتحدة كوفي أنان ان أسر الجنود الثلاثة خرق لقرار مجلس الأمن الدولي الرقم 425، منتقدين موقفه فيما طالب رئيس الوزراء الاسرائيلي ايهود باراك أمس بقيام ممثلين عن منظمة دولية بمقابلة هؤلاء الجنود قبل اي تفاوض على تبادلهم المحتمل. وقال باراك للاذاعة الرسمية الاسرائيلية "يمكن ان تقوم بذلك لجنة دولية مثل الأممالمتحدة او اللجنة الدولية للصليب الأحمر. نريد ان نعرف حالهم قبل أي مفاوضات في هذا الموضوع". واعتبر رئيس الجمهورية اميل لحود ان لبنان "لن يرضح للضغوط الهادفة الى ايجاد صيغة أمنية تؤدي الى طمأنة اسرائيل في الجنوب". ورأى رئيس المجلس النيابي نبيه بري ان موقف انان "غطاء لأي عدوان ممكن ان تقوم به اسرائيل على لبنان". وقال رئيس الحكومة الدكتور سليم الحص ان تصريح انان في "غير محله". واستقبل لحود رئيس الاتحاد الأوروبي خافيير سولانا والمنسق الأوروبي لعملية السلام ميغيل انخيل موراتينوس، وابلغهما "ان اللبنانيين كانوا ينتظرون من الجهات الدولية الفاعلة تحركاً مماثلاً لما هو حاصل اليوم من اجل اطلاق الأسرى اللبنانيين الذين مضى على اعتقالهم سنوات من دون ان يُفرج عنهم". وعلمت "الحياة" ان سولانا سأل لحود هل من الممكن تأمين لقاء مع الجنود الاسرائيليين الأسرى فكان جواب الأخير انهم في عهدة "حزب الله" لا الدولة اللبنانية.