الأسواق الرقمية تستجيب لتوقعات خفض الفائدة    60% من قادة الأعمال بالمملكة على دراية بالتهديدات التقنية    104% زيادة بتوثيق عقود الشركات    اقتصاد المملكة يواصل نموّه القوي    اعتماد خمسة أعضاء جدد في مجلس إدارة أُحد    ليلة السقوط الآسيوي للاتحاد والأهلي    "أخضر المناورة" وصيف آسيا    الخريف في فعاليات يوم الاستثمار والشراكات ل "اليونيدو" يؤكد ريادة المملكة الصناعية عالميًا    القبض على مروّج قات    الجوف.. مواقع تاريخية تجذب الزوار    فيلق الإبل.. عبور الذاكرة وسرديات الهوية    الضويحي يدشن كتاب «مَرَات على طرق قوافل الحج»    117 دقيقة لأداء العمرة    زراعة أصغر منظم قلب لمولودة تزن 2 كجم    محمد بن سلمان.. حين يكتب حضورُهُ فصولاً جديدة في السياسة والاقتصاد    خطة سلام أميركية - أوكرانية «معدلة» لإنهاء الحرب الروسية    «الداخلية» تدعم الجاهزية الأمنية في «الشمالية»    تحت رعاية عبدالعزيز بن سعود.. تكريم المتقاعدين من منسوبي الأحوال المدنية    ميسي يتألق ويقود ميامي لنهائي المنطقة الشرقية    في الجولة الخامسة لدوري أبطال أوروبا.. برشلونة يواجه تشيلسي في قمة كلاسيكية.. ومان سيتي يستقبل ليفركوزن    «عدالة التحكيم وتأخر التجديد في الهلال»    نائب وزير الخارجية يستقبل رئيس البرلمان المجري    الحقيل يزور سويسرا    دشن ملتقى ومعرض راد 2025.. أمير الشرقية: تعزيز شراكات القطاع الخاص وتمكين مشاريع الشباب    تقويم التعليم تطلق الرخصة المهنية للمدربين    تطبيق الGPS.. ماله وما عليه    الجبيل الصناعية تدير النفايات ب«إنترنت الأشياء»    الصين: اليابان تجاوزت «الخط الأحمر» بشأن تايوان    من السويد إلى قطاع غزة.. وثائق جديدة تكشف مسارات تبرعات «الإخوان» المشبوهة    عمار يا دمشق من غير إيكوشار    ضجيج اللحظة    أحمد السقا يستعد ل «خلي بالك من نفسك»    إقالات داخل الجيش الإسرائيلي.. الاحتلال يجدد القصف على خان يونس    "الشؤون الإسلامية" تسلم 25 ألف مصحف للمالديف    "حزب الله" يشيّع قائده العسكري وسط تزايد الضغوط لتجريد السلاح    الميكروبات المقاومة للعلاجات (1)    قطع غيار    تعزيز قدرات الاكتشاف المبكر للأعراض..«الغذاء»: ربط قاعدة التيقظ الدوائي بمنصة الصحة العالمية    تدشين مركز زراعة القوقعة في «سعود الطبية»    قرعة نصف نهائي كأس الملك تقام 30 نوفمبر في استوديوهات "ثمانية"    الأهلي يخسر أمام الشارقة في دوري أبطال اسيا للنخبة    البرهان يقاوم الحل الأمريكي    إنقاذ فتى من رافعة شاهقة    فيصل بن خالد يُعلن أسماء الفائزين بجائزة الملك خالد لعام 2025    الهلال الاحمر السعودي بتبوك يرفع جاهزيته إستعداداً للحالة الجوية المتوقعة على المنطقة    الأرصاد تؤكد سلامة أجواء المملكة من بركان إثيوبيا    هطول أمطار رعدية على بعض مناطق المملكة من يوم غدٍ الثلاثاء حتى الجمعة المقبل    هيئة تقويم التَّعليم والتَّدريب تستعرض الرُّخص المهنيَّة للمدرِّبين في لقاء بجامعة أمِّ القرى    أمير تبوك يطلع على تقرير فرع وزارة الشؤون الإسلامية بالمنطقة    محافظ الطائف يقدم التعازي لوكيل المحافظة البقمي    جامعة أم القرى تحقق مراتب متقدمة في التصنيفات العالمية    محمية الأمير محمد بن سلمان الملكية ترصد ظهور النسر الأبيض الذيل    القطاع العدلي يواكب التحولات العالمية.. الصمعاني: الجودة القضائية ركيزة أساسية لجذب الاستثمارات    حين يكون العطاء لغة وطن    «الحج»:«نسك عمرة» منصة موحدة وتجربة ميسرة    الناهشون في جسد النجاح!!    117 دقيقة مدة زمن العمرة خلال شهر جمادى الأولى    العبيكان رجل يصنع أثره بيده    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



في الإلتباس الضارب بين مفاهيم الحضارة والثقافة والمدنية
نشر في الحياة يوم 30 - 01 - 2000

ثمة غموض وإلتباس يتصل بمفاهيم أساسية عدة ترتبط بحياتنا الفكرية والاجتماعية والثقافية.
وما يزال المثقف العربي لا يميز بينها، وبخاصة في زمن أخذت فيه القيم والمقولات والمفاهيم الاجتماعية والثقافية والسياسية بالاهتزاز والتغير، وفي خضم المتغيرات العالمية الراهنة والتحولات البنيوية العميقة والتحديات المصيرية التي تواجه العالم وهو يدخل عتبة الألفية الثالثة.
ويتصل مثل هذا الغموض والخلط والالتباس بصورة خاصة بمفاهيم الحضارة والثقافة والمدنية، التي هي من أكثر المفاهيم تداولاً بين المثقفين والكتّاب.
والواقع ان هذين الخلط والالتباس لا ينبعان من طبيعة اللغة العربية ذاتها بقدر ما ينبعان من ترجمة هذه المفاهيم عن اللغات الأخرى واستخداماتها غير الصحيحة وتداخلها بعضها مع البعض الآخر، من دون فرز وتمييز وتمحيص وتحديد لمعانيها الفكرية ومضامينها الاجتماعية والفلسفية، وكذلك تداولها دون اتفاق أو اجتماع في الرأي حولها، وكذلك قصور مجاميع اللغة العربية وفقرها في القيام بدورها ومهامها الأساسية المناطة بها.
فمن الملاحظ ان المتأثرين بالثقافة الانكلو - ساكسونية يترجمون مصطلح culture ب"الثقافة"، بينما يترجمها المتأثرون بالثقافة الجرمانية والسلافية ب"الحضارة"، أي بمعناها العام والشامل وبعناصرها المادية والمعنوية في آن واحد، في حين يقسمها المتأثرون بالثقافة الفرانكوفونية إلى عنصرين أساسيين، واحد مادي هو المدنية وآخر معنوي هو الثقافة.
ويعود مصطلح "الحضارة" أساساً إلى الفلسفة اليونانية حيث اشتق الاغريق مصطلح الحضارة من كلمة colere اللاتينية التي تعني الحرث والزرع.
ثم تطورت الكلمة إلى معنى الاستقرار والتربية واحترام العمل، ومنها اشتقت كلمة agriculture التي تعني زراعة الأرض والعلاقة بالطبيعة بهدف اشباع الحاجات الإنسانية. ولم يفرق الاغريق بين الحضارة والمدنية:
فالحضارة عندهم كل ما يرتبط بالإنسان، وهي ليست مادية فحسب - بل فكرية وروحية أيضاً وتهدف إلى تحقيق سعادة الإنسان على الأرض. غير أن افلاطون وارسطو اعطياها بعداً سياسياً وفلسفياً أوسع.
أما في العصور الوسطى فقد استخدم مصطلح الحضارة بمعنى الطقوس الدينية cult. ثم تطور المصطلح في القرن السابع عشر إلى معنى فلاحة الأرض.
واما في الثقافة العربية، فليس هناك فرز وتمييز بين عناصر الحضارة المادية والمعنوية.
وقد اشتُقت الحضارة من الحضور والاستقرار في الأرض والمشاهدة، حيث قالت العرب: حضر الماء، أي قرب منه... وفي "لسان العرب"، الحضارة هي الإقامة في الحضر والمحاضرة، وهي الحي العظيم الذي يسكن فيه الإنسان.
وجاء في الشعر الجاهلي ذكر الحضارة حيث قال لبيد بن ربيعة:
فالواديان وكل مغنى منهم
وعلى الحياة محاضر وخيام
كما ميّز عمير القطامي بين الحضارة والبداوة بقوله:
فمن تكن الحضارة أعجبته
فأيّ رجال بادية ترانا
وقد ورد معنى الحضر ومشتقاته في 16 سورة في القرآن الكريم وكلها في معنى الحضور والإقامة والعمران الحضري.
وبعد ازدهار الحضارة العربية - الإسلامية قال المتنبي يعدد محاسن الحضارة التي تعكس جمال الحضريات المشوب بالصنعة أو التطرية، مقابل الجمال الفطري الموجود في عالم البداوة:
ما أوجه الحضر المستحسناتُ به
كأوجه البدوّيات الرعابيب
حسنُ الحضارة مجلوب بتطرية
وفي البداوة حسن غير مجلوب
كما جاء في مقامات بديع الزمان الهمذاني ما يشبه قول المتنبي في طراوة الحضارة ونضارتها حيث قال: "فقدِمت إلينا نضيرة تثني على الحضارة وتترجرج في الغضارة".
غير أن العلامة عبدالرحمن بن خلدون جاء بمفهوم سوسيولوجي للحضارة ودعاها ب"العمران البشري" والاجتماع الإنساني، واعتبرها أحوالا زائدة عن الضروري من أحوال العمران، وبمعنى آخر رفاهية العيش التي تظهر في المدن، أي في الحضر وليس في البادية، وان الإنسان مدني بالطبع، أي غايته التحضر.
واكتسب مصطلح "حضارة" معناه السوسيولوجي في أوروبا خلال القرن الثامن عشر، حيث استعملت كلمة مدنية civilization في انكلترا وللمرة الأولى مقابل كلمة حضارة culture كتعبير عن ثقافة وسلوك النبلاء والاقطاعيين.
أما في فرنسا، فقد استعمل تركو عام 1772 وللمرة الأولى كلمة مدنية بمعنى ثقافة وحضارة تشمل أبعاد التقدم الاجتماعي، المادي والمعنوي.
وكان الألمان أول من ميز ومنذ البداية، بين مفهومي الحضارة والمدنية. كما ابتدع فيبر مصطلح "سوسيولوجيا الثقافة" الذي ميز فيه بين مصطلحي الحضارة والمدنية تمييزاً واضحاً، واللذين أخذهما من الفيلسوف الألماني عمانوئيل كانت، الذي كان أول من أكد على الجانب الروحي للحضارة وفصله عن الجانب المادي منها. وقد اعتبر فيبر ان المدنية هي صيرورة مستقلة عن المجال الروحي، باعتبارها ظاهرة عارضة، وذلك لأن أساليب التمدن ليست لها علاقة بالقيم الروحية والمثل الاخلاقية والمشاعر المشتركة التي ترتبط في خصوصيتها مجموعة معينة من الأفراد، وبزمن ومكان محدودين، في حين ان المدنية هي ظاهرة عقلية وهي نتائج جهد الإنسان للسيطرة على الطبيعة وهدفها تحقيق العلم والصناعة.
وباختصار فالحضارة هي كلٌ مركّب ومعقّد يضم مفهومي الثقافة والمدنية معاً في وحدة جدلية شمولية، بينما المدنية هي النتاج المادي - العقلاني عن طريق سيطرة الإنسان على الطبيعة واخضاعها لمشيئته. أما الثقافة، فهي طرائق التفكير والعمل والسلوك الشعورية واللاشعورية التي تميز أفراد مجتمع عن آخر، وهي، بهذا الوجه، الآخر للمجتمع واجتماعه.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.