لعل تاريخ الادب الفرنسي لم يعرف كاتباً اغرب واخصب من بيار لوتي، ذلك البحار الجندي الرحالة الكاتب صاحب الروايات واليوميات والبارز اكثر من غيره بين ممارسي ادب الرحلات. لقد عاش بيار لوتي حياته طولاً وعرضاً وامضى جل وقته في ترحال متواصل، غالباً على متن السفن الحربية التي كان جندياً عليها مرة، وقائداً لها في بعض المرات. وهو استقى من ذلك الترحال المتواصل المادة الغزيرة التي مكنته من كتابة عشرات الروايات التي يحتار المرء امام معظمها: اهو كتابة تخييلية، ام وصف لواقع عاشه الرجل؟ بيار لوتي واسمه الاصلي جوليان نيو، ولد في العام 850 ابناً لأسرة بروتستانتية فرنسية كان جدودها قد هربوا من القهر الكاثوليكي الى جزيرة اوليرون قرب الحدود الاسبانية. وهو اغرم منذ صغره بحياة البحرية والجندية، كما اغرم بالادب، مع انه كان منذ صغره يحلم ان يكون قسيساً. طبعاً لم يحقق بيار لوتي حلمه هذا، بل رأيناه لاحقاً يتخلى عن بروتستانتيته، حيناً ليعانق الاسلام ردحاً من الزمن ويجعل من نفسه في مقدمة المدافعين عنه في فرنسا، وحيناً ليعانق نوعاً من الدين الشامل الذي يقر بوجود الله. هوى الشرق والاسلام واتى بيار لوتي باكراً من خلال قراءته لنصوص شاتوبريان. اما بداية مجده الكتابي فكانت في العام 1879 حين نشر روايته الاولى والاشهر "آزياده" التي جعل من مدينة اسنطبول مسرحاً لها. صحيح ان هذه الرواية لم تلفت يومها الكثير من الانظار، لكنها عادت وقرئت على نطاق واسع، وبامعان بعد ذلك، حين راح لوتي ينشر رواياته رواية بعد اخرى، من "زواج لوتي" 1880 الى "السيدة كريزانتام" 1887 مروراً ب"شقيقي ايف" و"سيدات القصبة الثلاث" و"رواية السباعي" و"صياد ايسلندا" وغيرها. لقد كان من اللافت حقاً ان يجعل لوتي معظم رواياته تدور، احداثاً، في اماكن نائبة عن فرنسا، خاصة في بلاد "الشرق"، من تركيا الى الصين، ومن الشرق الادنى ومصر والجزائر، الى نيبال واليابان وغيرها. فالحال ان لوتي كان يستقي مصادره من رحلاته. وهو قام بمعظم رحلاته الى تلك البلدان. ونذكر في هذا المجال ان لوتي كتب عن الكثير من بلدان الخليج العربي، وكان من اول الرحالة الذين زاروا - مثلاً - مسقط وكتبوا عنها، كما وضع نصوصاً عديدة عن القاهرة والمنغرب، وليس هذا فقط، بل ارتبط بصداقة عميقة مع الزعيم الوطني المصري مصطفى كامل الذي عرفته عليه المناضلة الاشتراكية وسيدة المجتمع جولييت آدم.