"المسألة المصرية" كانت في ذلك العام، ومن جديد، محور صراع في لندن بين "العمال" و"المحافظين". فهؤلاء الأخيرون، وعلى رأسهم ونستون تشرشل كانوا يريدون إدامة الاحتلال البريطاني لمصر على الشكل القاسي الذي هو عليه. أما العمال فكانوا تعلموا دروس ثورة 1919 الوطنية المصرية ورأوا ان في تخفيف حدة الاحتلال بطريقة أو بأخرى، وسيلة لتهدئة النقمة المصرية وتنفيس الاحتقان. وكان اللنبي قد توجه الى لندن قادماً من مصر ليحاول اقناع الحكومة بمنح مصر استقلالاً شكلياً بعد ان تدهورت الأوضاع الأمنية بشكل مرعب. وكانت المفاوضات الأولية التي عقدت بين "الوفد" بزعامة سعد زغلول وبين السلطات البرىطانية قد اخفقت في الوصول الى حل يرضي الطرفين. وبعد ذلك توجه عدلي باشا، رئيس الحكومة المعين من قبل السلطان فؤاد، الى لندن محاولاً التفاوض حول استقلال مصر، غير انه - وعلى عكس ما كان يأمل ويتوقع - لم يحصل على شيء وعاد بخفي حنين، فكانت النتيجة استقالته من الحكم في كانون الأول ديسمبر 1921. وكان ذلك الاخفاق انتصاراً كبيراً لسعد زغلول لأنه - أي الاخفاق - كشف عن نوايا البريطانيين السيئة وهو ما كان زغلول تحدث عنه طويلاً. وعلى الفور تحرك سعد زغلول ورفاقه في الوفد وحركوا الشارع، فاندلعت من جديد أعمال عنف ذكرت الانكليز بما كان من أمر الشعب المصري قبل ذلك بعامين. ومن جديد عاد الانكليز يعتقلون سعد زغلول ورفاقه ونفوهم الى عدن ومنها الى جزر سيشيل. ومن جديد عادت الاضطرابات تندلع بعنف. وهنا - تحديداً - توجه اللنبي الى لندن محاولاً ان يقنع السلطات بمنح مصر استقلالها. وهذه المرة تمكن اللنبي من اقناع رئيس الحكومة لويد جورج، ضد رأي غلاة المحافظين مثل تشرشل. وكان ذلك في شهر شباط فبراير 1922. وبالفعل ما ان مضت أيام قليلة وحل يوم 28 من ذلك الشهر حتى أعلن استقلال مصر و"نهاية الحماية" البريطانية عليها. ولكن أي استقلال؟ كان ذلك هو السؤال الوطني المصري، حيث ان الاعلان ابقى على العديد من المجالات في ايدي الانكليز، مثل ضمان خطوط مواصلات الامبراطورية البريطانية، ومسألة الدفاع العسكري عن مصر، وحماية مصالح الاجانب والاقليات، ناهيك بمسألة الحكم المشترك على السودان. مهما يكن في الأمر، بعد اسبوعين أعلن فؤاد ملكاً على مصر والسودان، في الوقت الذي كان فيه سعد زغلول يندد بذلك الاستقلال الشكلي ويدعو الى مواصلة الكفاح. وبالفعل تواصل النضال ليطاول هذه المرة مركز القيادة البريطانية في القاهرة. ومن جديد اعتقل الانكليز سعد زغلول ونفوه الى جبل طارق حيث بقي حتى تم تحريره يوم 30/3/1923. ومن هناك عاد ليحقق في مصر انتصارات انتخابية مذهلة، ما دعا فؤاد الأول الى تكليفه تشكيل أول حكومة في مصر المستقلة، وكان ذلك في كانون الثاني يناير 1924.