تفتتح حملة انتخابات الرئاسة الاميركية رسمياً اليوم بالانتخابات التمهيدية في ايوا، إلا ان هذه المرحلة ستكون أقل اهمية من انتخابات نيوهامبشير في أول الشهر القادم، لأن المتنافس الجمهوري السناتور جون ماكين لن يشارك في انتخابات ايوا، فتبقى المنافسة بين الديموقراطيين نائب الرئيس آل غور والسناتور السابق بن برادلي. اما في نيوهامبشير فهناك ايضاً المواجهة بين حاكم تكساس جورج بوش الإبن والسناتور ماكين، مع اشارة استفتاءات الرأي العام الى تقدم ماكين قليلاً على بوش في هذه الولاية. الخيار النهائي لن يتم حتى مؤتمر الحزب الجمهوري في 29 تموز يوليو ومؤتمر الحزب الديموقراطي في 14 آب اغسطس، الا ان النتيجة قد تحسم لصالح هذا المرشح أو ذاك في السابع من آذار مارس، عندما تجرى في أول ثلثاء من الشهر الانتخابات التمهيدية في ولايات كاليفورنيا وكونتكت وجورجيا وماين وماريلاند ومساتشوستس وميسوري ونيويورك واوهايو ورود ايلاند وفيرمونت وواشنطن ويضاف الى هذه هاواي وايداهو وداكوتا الشمالية بين الديموقراطيين فقط. يصعب تصور ان يمر الثلثاء هذا الذي يسمونه "سوبر ثلثاء" من دون بروز مرشح متقدم عن الجمهوريين وآخر عن الديموقراطيين. وفي حين لا أزال اعتقد ان الحزبين سيختاران بوش الإبن وغور، فإنني أفضل ان انتظر نتيجة نيوهامبشير قبل ان أغامر برأي. وأسرع في الحديث مرة اخرى عن بعض المرشحين لأتوقف عند بوش، فنائب الرئيس غور ومنافسه برادلي جمعا المبلغ نفسه تقريباً لخوض الحملة، فعند كل منهما حوالى 10 ملايين دولار. وفي حين يتمتع غور بوهج الحكم، فإن برادلي بطل شعبي، وهو لاعب كرة سلة سابق يتجاوز أنصاره ولاية نيوجيرسي التي مثلها 17 سنة الى الولايات التسع والأربعين الأخرى. السناتور ماكين بطل من نوع آخر، فهو أسير سابق في فيتنام، واسمه معروف في طول البلاد وعرضها حتى من دون شعبية مرافقة. مع ذلك اشعر بأن من المستحيل عليه ان يهزم بوش الإبن، فهو جمع لحملته الانتخابية حتى الآن حوالى مليوني دولار، مقابل حوالى 40 مليون دولار لحاكم تكساس. المال يظل أهم عنصر مفرد في الانتخابات الاميركية، ولكن إذا لم يهزم ماكين بوش، فقد يهزم هذا نفسه، لأنه يواجه تركيزاً اعلامياً سلبياً عليه منذ ان "سقط" في امتحان تلفزيوني أصبحت قصته معروفة، فقد سئل عن أسماء زعماء الهند وباكستان والشيشان وتايوان، فلم يعرف سوى اسم رئيس تايوان - أي انه سجل 25 على مئة في الامتحان. منذ ذلك اليوم وهناك تركيز على معرفته ومستوى ذكائه، وأصبح لا يواجه مؤتمراً صحافياً أو مراسلاً، الا ويتعرض لامتحان عسير، ويرد محتجاً فتزداد مشاكله، مع شعور السائل بأنه لم يعرف الجواب. وقرأت عن الموضوع آراء لا يمكن حصرها كلها هنا، غير ان بعضاً منها يستحق التسجيل: - ربما كان بوش الإبن من نوع رونالد ريغان، فهذا كان يعرف عن ممثلي السينما ويجهل بلينين، والمقصود ان بوش الإبن "ذكي في بعض الامور بعض الوقت"، فإذا نظرنا الى عقله كدوائر متشابكة نجد انه يعرف كثيراً عن نفوذ السكان من أصول اميركية لاتينية داخل المجتمع الاميركي، الا انه لا يفهم في السياسة الداخلية الروسية. - البروفسور هوارد غاردنر، من جامعة هارفارد، هو رائد نظرية "الذكاء المتعدد"، فالذكاء في رأيه ليس كمية مفردة، بل مجموعة طبقات، وربما يفسر هذا ان جيمي كارتر كان يتمتع بعقل ممتاز، الا انه حقق القليل كرئيس. وبالنسبة الى بوش الإبن بالذات، فالبروفسور غاردنر يرى ان أقوى عناصر ذكائه هو فهمه ابناء الشعب الاميركي. - بوش الإبن يختلف كثيراً عن بيل كلينتون، فالرئيس قارئ نهم له معرفة عميقة بمواضيع عديدة، ويستطيع ان يرد بذكاء. اما بوش الإبن فمثل أبيه الرئيس السابق جورج بوش، فهو عملي يجد صعوبة مع التفكير النظري المجرد، أو الرؤيا التحليلية. - تظهر سجلات جامعتي هارفارد ويال، وهما من أهم الجامعات في اميركا والعالم، ان سجل بوش كطالب فيهما كان متواضعاً، ويذكر صديقه آل هوبارد انه كان يجلس في الصف الأخير خلال المحاضرات، ولا يشارك في الأسئلة والاجوبة، ويفسر ذلك بأنه لم يحاول ان يحصل على علامات عالية. مع ذلك يبدو بوش الإبن متفوقاً في اتصاله مع الناس واحساسه بحاجاتهم، ورغبته في مساعدتهم، وهو يقدم نفسه على انه "محافظ مهتم"، بمعنى مهتم بمعاناة المواطنين العاديين. أما وقد ضاق المكان فربما اختتمنا بكلمة سريعة عن مجلسي النواب والشيوخ، فالانتخابات ستشمل مجلس النواب كله حيث للجمهوريين غالبية 222 مقعداً من أصل 435. وثمة احتمال بأن يخسر الجمهوريون الغالبية، فإذا فاز بوش فإنه سيواجه مجلسا معادياً، كما واجه كلينتون الديموقراطي مجلس نواب جمهورياً معادياً، اما في مجلس الشيوخ فثلث المقاعد، أو 33 مقعداً، ستكون موضع تنافس، منها 14 مقعداً ديموقراطياً و19 مقعداً جمهورياً، والأرجح ان يبقى في أيدي الجمهوريين.