تم غزو القوات الايطالية الفاشية للحبشة في ذلك الحين وسط تواطؤ اوروبي قد يبدو اليوم مدهشاً وغريباً، اذ ان ذلك التواطؤ شمل، يومها، حتى فرنسا التي كان لا تخفي عداءها تجاه نظام موسوليني وعدم رغبتها في ترك ايطاليا او المانيا، تنافسانها على احتلال بلدان افريقية وتحويلها الى مستعمرات. غير ان سياسة المبادئ كانت - ولا تزال على اية حال - على تناقض تام مع سياسة المصالح الآنية. وفرنسا، وغيرها من القوى الاوروبية والعالمية في ذلك الحين، مرت في مرحلة راح يبدو لها معها ان تقديم تنازلات من نوع معين - في القارات المستعمرة مثلاً - لدول مشرئبة في عدوانيتها قبل ايطالياوالمانيا، قد يكون اقل كلفة من مناصبتها العداء هناك، لأن برلين وروما كانتا، بعد كل شيء قادرتين على تحريض الشعوب المستعمرة ضد الدول التي تستعمرها ما من شأنه ان يخلق العديد من المشاكل الثانوية. مثل هذه السياسة حكمت علاقات بريطانياوفرنسا فيما بينهما ايام "الاتفاق الودي" عند بدايات القرن، كا ظلت تحكم السياسات الاوروبية عشية الحرب العالمية الثانية. ومن هنا، حين حرّك موسوليني قواته لاحتلال اثيوبيا الحبشة كان - على الاقل مطمئناً من ناحية فرنسا. غير ان ذلك الاطمئنان لم يمكنه من ان يجعل الغزو نزهة كما كان يعتقد اول الامر. وهذا الامر تبدى له بشكل واضح تماماً في مثل هذا اليوم من العام 1936 حين اضطر الجيش الايطالي الزاحف داخل الاراضي الحبشية الى ايقاف هجومه ورسم محصلة لما حدث ولما يمكن ان يحدث الآن. فالحال ان القيادة الايطالية ادركت في ذلك اليوم ان التقدم لم يعد سهلاً كما كان الامر من قبل، وذلك على الرغم من التفوق العددي والعتادي الساخن للجيش الايطالي الغازي، على المقاتلين الاثيوبيين المحليين. فما العمل؟ بسيطة، قال موسوليني، واضاف: "علينا الآن، ان نسكت اوروبا عنا، ان نلجأ الى شيء من القسوة، بعدما كنا نقاتل بهدوء ودون صعوبات". وهكذا اعتباراً من يوم 15 كانون الثاني يناير 1935، وفي سبيل تسريع حركة الجيش وتقدمه وبغية التفرّغ لاحداث اخرى مقبلة، امرت القيادة الايطالية طائرات السلاح الجوي الايطالي بشن غارات ضارية ومفاجئة على البلدات الاثيوبية وعلى القرى والمزارع وكانت الغاية الاساسية من تلك الغارات ارهاب السكان المحليين ودفعها الى الاستسلام كما الى مطالبة المقاتلين بعدم التصدي لهذه القوة الرهيبة المتقدمة. واذ لم تجد غارات الطيران نفعاً بشكل كاف، امرت القيادة الايطالية فوراً باستخدام غاز الخردل يرمى على السكان وعلى كل ما هو حي، لتفريغ الاراضي تماماً امام زحف القوات المهاجمة. وادى ذلك بالفعل الى تسميم المزروعات وآبار المياه، وراح البشر والماشية يتساقطون بأعداد هائلة في المناطق التي راحت القوات الايطالية تتقدم فيها. كان الامر جريمة كبيرة في حق الطبيعة وفي حق الانسانية. ولكن العالم ظل ساكناً لا يتحرك، رغم الاحتجاجات العديدة. وفي نهاية الامر، حين تحركت "عصبة الامم" بناء على طلب بعض الهيئات والدول لوضع حدّ لتلك الوحشية، كان تحركها من الميوعة، بحيث انه لم يؤد الا الى فرض حظر اقتصادي خجول على ايطاليا الفاشية. وهو حظر لم يحرم الايطاليين من اي شيء، اذ ان دولتهم سرعان ما التفت عليه، ما مكّنها من مواصلة حربها القاتلة ضد الاثيوبيين، وراحت في طريقها تسحق الجيوش جيش الشمال الاثيوبي مثلاً، قتل جنوده البالغ عددهم 25 ألفاً خلال اسابيع قليلة والمدنيين حتى تم لها احتلال اثيوبيا على ذلك الشكل موسوليني، سلاح القوة.