لم يكن حظ الايطاليين مع الحرب العالمية الثانية كبيراً، فلئن كان حلفاؤهم الألمان في أوروبا، واليابانيون في جنوب شرقي آسيا، سجلوا العديد من الانتصارات التي ارعبت العالم، وعلى الأقل خلال العامين الأولين للحرب، فإن الايطاليين لم يكفوا عن خسران المواقع التي كانت في حوزتهم، منذ ما قبل تلك الحرب، خصوصاً في شمال افريقيا وشرقيها. وهذه الخسارة بلغت ذروتها يوم السادس من نيسان ابريل 1941، أي بعد أقل من عامين من بداية الحرب، حين دخلت قوات انكليزية - جنوب افريقية اديس ابابا عاصمة الحبشة لتحررها من الوجود الايطالي. في ذلك اليوم كان دخول اديس ابابا، جزءاً من سلسلة من انتصارات حققتها القوات الانكليزية في تلك المنطقة من العالم، لكن ذلك الجزء كان يحمل بعداً رمزياً حقيقياً، وذلك لأن الحبشة كانت تعني الكثير بالنسبة إلى الايطاليين. وكان موسوليني جعل من الحفاظ عليها بعد أن استولت قواته على تلك المدينة العريقة والاستراتيجية قبيل الحرب، وسط صمت الغربيين وتواطؤهم بشكل عام، جعل من ذلك مسألة حياة أو موت بالنسبة إلى وجوده في افريقيا. من هنا كان الحزن في ايطاليا كبيراً في ذلك اليوم، بل فاق حزن الايطاليين على فقدان بعض أهم سفن اسطولهم الحربي في البحر الأبيض المتوسط قبل ذلك بنحو أسبوع. في السادس من نيسان من ذلك العام، إذن، دخلت قوات جنوب افريقيا العاصمة الحبشية، بعد أن كانت احتلت جمهورية أرض الصومال ثم مقديشو نفسها، طاردة الايطاليين منها، وكان ذلك في الوقت نفسه الذي "خسرت" فيه ايطاليا ليبيا، حيث اضطر موسوليني للاعتراف بأن أكثر من 200 ألف جندي ايطالي أصبحوا خارج القتال في ليبيا، بين أسير وجريح وقتيل. وكان ذلك الرقم يمثل في ذلك الحين أكثر من عُشر مجموع القوات الليبية. والحال ان احتلال الصومال سهّل احتلال الحبشة. غير أن دخول قوات جنوب افريقيا إلى اديس أبابا في ذلك اليوم كان رمزياً، لأن الوجود الايطالي في العديد من المناطق الحبشية كان لا يزال قائماً. من هنا، حين دخل الامبراطور هيلا سيلاسي عاصمة بلده، بعد دخول القوات الحليفة إليها بشهر، أي في الخامس من أيار مايو التالي، فإنه كان يعرف أن ثمة الكثير الذي ينبغي، بعد فعله. ولا بد من لفت الانتباه هنا إلى أن هيلا سيلاسي اختار ذلك التاريخ موعداً لعودته، لأنه أتى بعد خمسة أعوام، يوماً بيوم، من دخول القوات الايطالية المدينة، وهربه منها. المدينة التي دخلها هيلا سيلاسي في ذلك اليوم كانت مدينة محررة تماماً من الوجود الايطالي، لكنها باتت خاضعة للحكم العسكري الحليف. فالقوات الجنوب افريقية التي استعادتها من الايطاليين فرضت فيها حكماً عسكرياً صارماً. وذلك بحجة ان القوات الايطالية كانت لا تزال تقاوم في أنحاء متفرقة من الأقاليم الحبشية. مهما يكن في الأمر، فإن الدوق داوستا، الحاكم الايطالي لمنطقة شرق افريقيا، استسلم في السادس عشر من أيار من ذلك العام إلى القوات البريطانية، مما عنى ان مسألة انهاء الوجود العسكري الايطالي في الحبشة كلها باتت مسألة أيام. وبالفعل ما أن حل يوم السادس عشر من حزيران يونيو من العام نفسه، أي بعد نمو ثماني أسابيع من دخول قوات جنوب افريقيا إلى اديس ابابا، حتى كانت آخر فلول القوات الايطالية المرابطة في الحبشة تستسلم. وكانت فلول تلك القوات اصيبت بهزيمة ساحقة في منطقة البحيرات حين خاضت معركة النفس الأخير ضد قوات الحلفاء - أو بالأحرى القوات البريطانية - لأن الحلفاء في ذلك الحين وفي ذلك المكان، كانوا الانكليز وتوابعهم لا غير... في ذلك اليوم صدر بيان عن قيادة القوات البريطانية في القاهرة يعلن استسلام الجنرال الايطالي باليرمو، أحد كبار قادة القوات الايطالية في شرق افريقيا. وكان الجنرال باليرمو رابع قائد فرقة ايطالي يستسلم في منطقة البحيرات. والحال أن معارك منطقة البحيرات أدت إلى تدمير أربع فرق عسكرية ايطالية في تلك المنطقة، مما رفع من حجم الخسائر الايطالية العامة، وساهم في حال احباط هائلة أصابت الشعب الايطالي كله.