في اطلالة متألقة تبدو الفنانة نادين كفراشة قادمة من عمق التاريخ وأصالته، لترسم طريقها الأخضر بمهارة. وهي تتميز في اختيار ادوارها وتتميز في تعاملها مع المخرجين ومع زملائها. ونادين تمثل في الوقت نفسه الوجه المشرق للفنان السوري من خلال الاعمال العربية المشتركة والتي ساهمت فيها في مصر ولبنان والأردن والخليج. وهي عبر مسيرتها تقف في موقع متقدم تحث فيه الخطى في نجومية بادية وطموح كبير. وقد كان ل"الحياة" معها هذا الحوار: هناك تنافس على ساحة الفن العربية وخاصة في مجال الدراما حيث كل جانب يحاول ان يكون في موقع الصدارة. كيف ترين موقع الفن السوري في هذا المجال. - من الواضح ان الفن العربي السوري وخاصة في مجال الدراما وفي مرحلة النهضة الحديثة والانتشار الواسع "يحتل" موقعاً متقدماً وخاصة في السنوات الاخيرة. وهذه النقلة لم تأتِ من فراغ، ذلك لأن الفن في سورية ومنذ مرحلة البدايات كان يستند الى ارضية ثابتة وبصورة خاصة في الدراما. ومنذ مراحل البدايات الأولى للبث التلفزيوني بالأبيض والاسود وقد تطور الانتاج الدرامي السوري في القطاعين العام والخاص تطوراً ملحوظاً وضمن خطة منهجية راقية نقدم اعمالاً متميزة في مختلف فنون الدراما ان كان في الأعمال التاريخية او الاجتماعية المعاصرة او الريفية او الشعبية وكذلك الأمر في الكوميديا. وهناك ميزة اخرى في الفن الدرامي في سورية وهي انه ملتصق بالبيئة يعبر عنها باخلاص، ولهذا فان معظم الاعمال الذي يقدمها يلقى اقبالاً واسعاً لدى المشاهدين في الوطن العربي، بدليل هذا الانتشار الواسع للدراما السورية وخاصة في شهر رمضان المبارك بحيث بثت الفضائيات السورية خلال شهر رمضان الاخير حوالي ثلاثين مسلسلاً منوعاً كانت لها اصداء طيبة في هذا القطر او ذاك. ونأمل ان تستمر الدراما السورية في هذا الصعود من منطلق المسؤولية وبعيداً عن الأعمال التجارية التي تنتج بصورة مسلوقة. هل انت مع الدعوة الى خطوة جريئة يتجاوز فيها العرب الحواجز الرقابية التي لا تزال عائقاً امام الطموحات الفنية. - يجب الا ننظر الى الرقابة من وجه واحد. فالرقابة ضرورية في ضبط اخلاقيات وأدبيات مجتمعنا العربي والتي هي جزء من تراثنا التاريخي والقومي والديني. ولكن الرقابة تشتط في احيانٍ كثيرة وتصل الى مرحلة ما يمكن ان نسميه "تعليب الفكر" في حين ان الفكر يجب ان يكون حراً حتى يستطيع ان ينتج فناً نظيفاً يعبر عن واقع المجتمع من خلال الابداع الفني، لأن الفن يجب ان يكون تحريضياً للناس يساهم في توعيتهم ويكون انعكاساً للفكر المستنير، ومن هنا كانت الدعوة دائماً الى الا تكون هناك رقابات متعددة في الوطن العربي تتأرجح بين التزمت المتشدد وبين الانفلات، بل يجب ان يكون هناك تنسيق قومي لمفهوم الرقابة المعاصرة ينسحب على جميع وسائل الاتصال العربية، واقترح ان يكون ذلك عن طريق اتحاد الاذاعات والتلفزيونات العربية. وأحب ان أشير الى ان موضوع الرقابة محصور بين المنتجين وأجهزة الرقابة ولا علاقة للفنانين او الممثلين به. هل يعود انتشار الدراما السورية الى تميزها ام الى واقع سوق العرض والطلب؟ - لا شك ان هذا الانتشار يعود الى تميز الدراما السورية التي لا تزال تغلب فيها الجودة على "الكم" على الرغم من التوسع البادي في الانتاج وفي عدد المسلسلات التي تتحقق كل عام. والمعروف ان الفضائيات العربية ومعها المحطات الأرضية تبث على مدى اربع وعشرين ساعة في اليوم ولهذا فهي تستهلك اعداداً كبيرة من البرامج والمسلسلات والأفلام. وفي هذه الزحمة تظهر بعض الاعمال التجارية التي لا يتوخى منها منتجوها الا الربح المادي مما يندر وجوده حالياً في الدراما السورية حيث نجد ان التنافس في الجودة والتألق لا يزال الدافع الأساسي لجهة الانتاج في القطاعين العام والخاص ومن هنا فالأمر ليس مجرد تسويق ومن خلال متطلبات العرض والطلب. لكننا في الوقت نفسه لا نغفل امر الهدف المادي في الانتاج الدرامي. فالفن هو ايضاً نوع من الصناعة والتجارة، خاصة وان تكاليف بعض الاعمال الدرامية تصل الى ارقام كبيرة كما رأينا في عدد من الاعمال السورية ومع ذلك كانت الجهات الانتاجية تنفق بسخاء على هذه االأعمال لتظهر بالمستوى اللائق. كيف يمكن للمشاهد العربي الذي صرفته الشاشة عن الثقافة العامة كالقراءة وصرفته بعض البرامج المنوعة والخفيفة عن البرامج والأعمال الجادة... كيف يمكن له ان يستعيد ثقته بالفن الاصيل بحيث لا تكون الشاشة وسيلة تسلية فقط. - اتصور اننا لا نستطيع التعميم في هذا الموضوع فهناك حالات خاصة بالفرد نفسه وبمستوى وعيه وثقافته ولا اظن ان صاحب الاهتمامات الثقافية كالقراءة وغيرها يمكن ان تشغله الشاشة عن هذا النوع من الاهتمام اذ يستطيع ان يجد وقتاً للمطالعة وآخر لحضور الفعاليات الثقافية والفنية الاخرى والندوات والمعارض والسينما والمسرح وغيرها. وانا لست مع المشاهد العربي الذي يسخّر اكثر وقته للمتابعات الفضائية والانتقال من محطة الى اخرى، خاصة وان هناك بعض الفضائيات ومنها الفضائيات الأجنبية تبث الكثير من البرامج العبثية. هنا تتأكد اهمية الأسرة في هذا المجال وخاصة ما يتعلق بمشاهدات الأبناء حيث تستطيع الاسرة ان توجه ابناءها نحو برامج معينة بشكل مدروس وان يكون هناك تحديد لأوقات المشاهدة وان يتعود هؤلاء الابناء على الا يكون جهاز التلفزيون في حالة بث دائمة في الليل والنهار، اما مسؤولية المجتمع والمؤسسات الثقافية والتربوية والرياضية فهي تفعيل هذه المرافق وتنشيطها وتشجيع الجيل الجديد من الشباب للاقبال عليها بحيث تصرفهم الى الهوايات المفيدة عن التسلية الفارغة. من جملة الانتقادات التي توجه الى الاعمال الكوميدية السورية انها اصبحت كوميديا الحركة والتهريج لا كوميديا الموقف والفكرة… ماذا تقولين في هذا الاتهام؟ - انا اقول ان الأحكام يجب الا تكون مطلقة في مثل هذا المجال حتى لا نظلم الأعمال الكوميدية الاصيلة والمتميزة، أرى ان هذا الاتهام يرتكز الى تقييم مسلسل "عيلة النجوم" او بعض الاعمال المشابهة التي تدخل في هذا التوصيف. والواقع ان الوضع في الكوميديا العربية وفي معظم أقطار الوطن العربي هو وضع غير صحي لأنها امام وصفين فقط لعدم وجود حل وسط، فهي اما راقية او هابطة. ونجد ان هناك كوميديا تعتمد الموقف والفكرة وان هناك كوميديا تعتمد على التهريج. وقد اصبح المشاهد العربي يميز بصورة واضحة بين النوعين وان كانت هناك اختلاطات واضحة بحيث تحقق الكوميديا الهابطة بعض الانتشار ولكنها تسقط في النهاية في حين تتابع أعمال الكوميديا الراقبة مسيرتها ومثالنا على ذلك الكوميديا التي يقدمها الفنان ياسر العظمة. وحتى في كوميديا "عائلة النجوم" ترى انها بدأت متميزة من حيث الموضوع ومن حيث طريقة الاخراج التي اعتمدها المخرج هشام شربتجي برصد حياة اسرة واحدة، اما عندما تنقلب هذه الكوميديا الى مواقف غير منطقية فانها تصبح سطحية وبعيدة عن هدف الكوميديا الذي ليس تسلية مجانية وانما هو توعية من خلال الكوميديا، ولهذا تراجعت "كوميديا عائلة النجوم" بعد جزئها الاول.