"أحمل آمالاً كباراً تستند الى رؤية متكاملة وأسباب موضوعية تجعلنا نضيف الى مشاريع مصر العملاقة التي دخلت حيز التنفيذ الفعلي مشروعاً قومياً جديداً لنهضة تكنولوجية شاملة تستخدم تطبيقات العلوم الحديثة في القطاعات المختلفة وتغرس جذور التكنولوجيا في تربة الوطن، وتحول مصر الى دولة منتجة لعناصرها المتطورة وتجعل منها قاعدة لصناعة المعلومات". كانت هذه كلمات الرئيس مبارك إلى المؤتمر القومي الأول لتكنولوجيا المعلومات الذي عُقد قبل أيام في بادرة لإعطاء هذه الصناعة أولوية قصوى تفوق الاهتمام السابق. واللافت أن الرئيس حسني مبارك أدرك منذ عام 1985 أهمية المعلومة وقيمة البحث، فأصدر قراراً بإنشاء مركز للمعلومات يكون تابعاً الى مجلس الوزراء، رغم أن البلاد كانت تئن تحت وطأة الديون والعجز في ميزان المدفوعات، والقطاع العام والتشريعات المتراكمة، وضرورة حصر الموارد الطبيعية، وتسجيل السكان وقوة العمل. وتم في 15 عاماً الماضية بناء قاعدة معلومات وبنية تحتية تجاوزت حلم بناء مركز المعلومات إلى 1300 مركز في البلاد، وأتاحت فرصاً في مشاريعها التنفيذية إلى أكثر من 000،20 من العقول والعاملين ودربت نحو 000،180 وذلك من خلال ثلاث خطط خمسية للمعلومات وتحديث الادارة، والتي شملت غالبية القطاعات والمجالات. لكن الجديد الذي يحمله مبارك في ولايته المقبلة هو تنفيذ مشروع قومي ضخم جاري التخطيط له حاليا، يستند الى بدايات طيبة تجعل استثمار البلاد في هذه المجالات قراراً واجباً، واعتبر مبارك نفسه ان الاستثمار في صناعة التكنولوجيا هو استثمار في مستقبل مصر لا يجوز التردد في شأنه خصوصا ان البدايات الواعدة تؤكد ان في وسع البلاد ان تلحق بهذا التطور المهم الذي مكّن دولاً نامية عدة من مضاعفة دخلها الوطني في زمن قياسي لم يتجاوز 20 عاما، وأحدث طفرة هائلة في قدرتها التصديرية. وقرر مجلس الوزراء تشكيل لجنتين وزاريتين، لتنفيذ برامج المشروع القومي للنهضة التكنولوجية الذي طرحه مبارك باعتباره يمثل تغييراً لكل الآليات في عصر يقوم على المعرفة والمعلوماتية من خلال عمليات التحديث. وتسعى الحكومة الى تحقيق صادرات من منتجات تكنولوجيا المعلومات قيمتها 15 بليون دولار سنة 2002 بمساهمة أساسية من القطاع الخاص عن طريق تأسيس شركات تسويق عملاقة والاشتراك في المعارض والأسواق الدولية وعقد الصفقات. وما يشجع على اقامة المشروع العملاق الذي يطرحه الرئيس مبارك هو ان البلاد قطعت شوطاً لا بأس به يمثل نقلة حضارية مكّنتها من عمل بنية معلوماتية أساسية تصلح للتعامل مع عصر العولمة والمعلومات، وأعادت مصر بناء شبكة الاتصالات التي تضم حالياً اكثر من 6 ملايين هاتف، يتم تطويرها لتستخدم الآلياف الضوئية التي تحقق نقل البيانات بسرعة فائقة تصلح للتعامل مع شبكات الانترنت. وأطلقت مصر القمر الاصطناعي الاول ليحقق الريادة في نقل خدمات التعليم والصحة عن بُعد، وسيطلق القمر الثاني العام المقبل لتغطي اقمار مصر الاصطناعية نصف الكرة الارضية. وأقامت مراكز للمعلومات يصل عددها الى 1400 مركز تغطي مساحة غير صغيرة من أنشطة المجتمع، وتساعد قيادات الحكومة والقطاع الخاص على تجديد معارفهم وترشيد قراراتهم. وأصبح هناك قواعد بيانات عملاقة توصف ثروة مصر من البشر والمنشآت والخبرات، وتحصر بيانات الرقم القومي للمواطن، وبيانات الديون الخارجية والتشريعات والابحاث والدراسات التي تصدر عن جهات عدة مصرية ودولية. وفي مجال إعداد كوادر عصر المعلومات تحقق عدد من الإنجازات العامة ابرزها إدخال الحاسب الالكتروني في ألفي مدرسة، وإقامة اندية طفل القرن الحادي والعشرين التي تدرب عشرات الآلاف من الاطفال على استخدام الحاسب الآلي. كما أنشئت سبع كليات متخصصة لعلوم الحاسب الآلي والمعلومات، فضلاً عن معهد تكنولوجيا المعلومات الذي شهد العالم كله بارتفاع مستويات خريجيه الى درجة التخصص في تصميم وإعداد برامج الحاسب. وفي مجال صناعة تكنولوجيا المعلومات حققت مصر نقلة مهمة، اذ اصبح هناك ما يزيد على 400 شركة متخصصة في مجالات تكنولوجيا المعلومات والبرامج تعمل في سوق يزيد حجمها على 681 مليون دولار، وتحقق نموا يصل الى 32 في المئة سنويا، وهو ثاني اعلى معدل زيادة في العالم، كما يساهم عدد من الشركات المصرية في تجميع وصناعة مكونات الحاسب الالكتروني وتغطي نسبة تصل الى 60 في المئة من حجم السوق المصرية. ونظراً لضمان السوق المصري ونجاحه في استيعاب التكنولوجيا الحديثة، قصد اليه معرضان من اكبر المعارض في العالم في مجال المعلومات هما "كومدكس" الذي يقام منذ ثلاث سنوات بصفة سنوية في أيار مايو، و"جيتكس" الذي بدأ منذ عامين ويقام في نيسان ابريل، وتنوي شركات تعمل في المجال فتح مكاتب فرعية في مصر آخرها شركة "كومباك". وكان مبارك دعا العام الماضي الى تفعيل اللجنة الدائمة للنقل وتنمية التكنولوجيا عن طريق انشاء مجلس تنفيذي ومسؤول تنفيذي متفرغ، حدد مهمتها في هدفين اساسيين: الاول: إعداد خطة قومية لنقل وتوطين التكنولوجيا والعمل على إنشاء صناعة وطنية تكنولوجية تقدر على المشاركة والمنافسة. والثاني: بناء مجتمع المعلومات المصري الذي يستطيع ملاحقة واستيعاب هذا التدفق الهائل في المعلومات والمعارف المتطورة، ويحسن الاستفادة منها بحيث تصبح دقة المعلومات الاساس الصحيح الذي يستند اليه قرار كل مسؤول سواء كان حكومياً او صاحب منشأة خاصة. وتتبع اللجنة الدائمة للتنمية التكنولوجية رئيس الجمهورية مباشرة. ونقطة البدء التي تشكل المحور الأساسي في المشروع الضخم الذي طرحه مبارك اخيرا هي إعداد المجتمع المصري بدءاً من تلاميذ المدارس الى شباب الجامعات. الى الخريجين والمتخصصين لدخول عصر التكنولوجيا المتطورة وتشجيع المعاهد والمدارس ومؤسسات المجتمع على التوسع في إقامة مراكز التدريب والتأهيل في كل أنحاء مصر. وأكثر تحديداً سيكون التوجه المستقبلي لمصر مرتكزاً على تنمية الطلب الوطني على المعلومات واستخداماتها. والتوجه الى الاسواق العالمية سعياً وراء الحصول على نصيب من الطلب العالمي والذي يصل الى مئات البلايين سنوياً. وكذلك الإسراع في إقامة تحالفات بين صناع المعلومات في مصر وأقرانهم في الدول المميزة في المجال خصوصا تلك التي حققت انجازات ضخمة في تنمية صناعتها، ويوجد على ارضها اكبر عدد من المنشآت التي تعمل في الفروع المتعددة لهذه الصناعة. واعتبر الرئيس مبارك ان اقصر طريق للنمو السريع في مجال المعلومات والتكنولوجيا هو العمل على اجتذاب الاستثمار الاجنبي وبذل المزيد من الجهد، ليقتنع العالم أن مصر لها مميزات عدة في صناعة المعلومات والتكنولوجيا تضاهي احسن الدول النامية لأنها تملك البيئة المشجعة المواتية، ويتوفر بين ابنائها العقول المفكرة والطاقات البشرية المعقولة، كما انها تملك بنية تحتية متميزة تربط العالم بمصر وتربط مصر بشبكة المعلومات والتكنولوجيا العالمية. وأكد مبارك ان نجاح المشروع القومي العملاق لتكنولوجيا المعلومات يتوقف الى حد كبير على التعاون الوثيق بين الحكومة والقطاع الخاص ومؤسسات المجتمع في إطار برنامج وطني واضح يحدد دور والتزامات كل طرف. وتهدف خطة الحكومة الى تدعيم هذه الصناعة الجديدة من خلال زيادة الطلب الحكومي على منتجاتها، وتوسيع حجم الاستخدام الحكومي للحاسبات والبرمجيات.