رحلت رايسا غورباتشوف، المرأة التي تمردت على التقاليد السوفياتية المتحجرة وخرجت من دائرة الظل لتقف الى جانب زوجها ميخائيل غورباتشوف تعضده في الاصلاحات وتخذله بأناقتها المفرطة، التي كثيراً ما أثارت استياء العامة وجعلت من السيدة الأولى في الكرملين آنذاك هدفاً سهلاً لانتقاد زوجها "آخر القادة السوفيات" الذي لم يتخلص أبداً من تهمة انه "مسيّر وليس مخيراً" في المنزل على الأقل. ولدت رايسا ماكسموفنا عام 1932 في محافظة الطاي النائية لعائلة من "الارستقراطية السوفياتية"، وبفضل ذكائها ومثابرتها وربما صلات حاكتها، حصلت على الميدالية الذهبية عند تخرجها في المدرسة لتنتسب الى كلية الفلسفة في جامعة موسكو. هناك تعرفت عام 1951 على ميخائيل غورباتشوف الطالب في كلية الحقوق والوجه القيادي البارز في اتحاد الشبيبة الشيوعية. ولم تقبل به زوجاً إلا بعد غزل دام سنتين. ولولا رحيلها أول من أمس في مستشفى بمدينة مونستر الالمانية، لاحتفلت وزوجها بعد خمسة أيام بمرور 46 عاماً على زواج سعيد ظل خلالها الزوجان أشبه بالعاشقين. وعلقت صور لرايسا متشحة بالسواد امس في الاكاديمية الزراعية في ستافروبول حيث درست الدكتورة غورباتشوف مادة الفلسفة، حينما كان زوجها يتولى قيادة منظمة الحزب الشيوعي في هذه المقاطعة الجنوبية طوال 20 عاماً. ولم تخرج السوفياتية الأولى السابقة من دائرة الظل، الا عندما صار زوجها أميناً عاماً للحزب الشيوعي. فكسرت البروتوكول الذي كان يحكم زوجات القادة السوفيات ويجبرهن على الخروج من سلم خلفي من الطائرة العائدة من رحلات الى الخارج. وغدت تسير جنباً الى جنب مع زوجها، بل في المقدمة احياناً مرتدية فساتينها الأنيقة التي كانت تقتنيها من المحلات الفارهة، مثيرة بذلك حسد زميلاتها ونقمة رجل الشارع الذي لا يجد لقمة العيش. وزاد اللغط حينما اتهمت رايسا بالتدخل المباشر في السياسة و"تحريك" زوجها. وحملت مسؤولية عدد من الاخطاء التي ارتكبها. وذكر فاليري بولدين مدير مكتب غورباتشوف سابقاً ان رايسا "كان لها تأثير جوهري على مصير الحزب والدولة ... وانها عملياً ازاحت زوجها جانباً عند اتخاذ القرارات ذات الاهمية". إلا ان غورباتشوف شدد مراراً على ان زوجته لم تكن تتدخل في شؤون الدولة، لكنه قال ان ظهورها الى جانبه غدا "ثورة ثانية بعد البيريسترويكا" اذ انه كان خروجاً على "تقاليد بالية". وطوال فترة مرضها، أبدى الإعلام الروسي اهتماماً غير مسبوق برايسا، على رغم انشغاله بتغطية الانفجارات والحرب القوقازية. وعزت صحيفة "ازفيستيا" ذلك الى ان الروس ربما حاولوا "التكفير عن ذنوب" ازاء الرئيس الذي اسقط الستار الحديد. ولفت الانظار ان غريم غورباتشوف الرئيس بوريس يلتسن، تناسى الضغائن القديمة ووجه الى سلفه برقية تعزية رقيقة اكد فيها ان "الملايين يشاركونكم الأسى في فقد انسان رائع وزوجة محبة"، وتعهد تقديم "كل دعم ومساعدة"، وأمر بتجهيز طائرة خاصة لنقل جثمان الفقيدة ليدفن في مقبرة العظماء في العاصمة.