حينما تعالت موجة الانتفاضة الفلسطينية، استقل المئات من كتاب "الشعر" هذه الموجة، الملتزمون منهم وغير الملتزمين، الارستقراطيون والصعاليك، المناضلون والعشاق. وبدت الانتفاضة آنذاك مزاداً يتسع لبيع كل شيء، ما دام ان المطلوب فقط هو الكلام والمزيد من الكلام الحماسي المنظوم المقفى. وأذكر حينذاك أنني كما حذرت من مرحلة "قصيدة الحجر" وتشيئ فلسطين حذرت من مرحلة تالية "تسليع فلسطين" وحدث ما حذرت منه فطبعت خريطة فلسطين على كل شيء. وها هي صفحات الانتفاضة تطوى صفحة صفحة، وتطوى معها مئات القصائد، ولم يبق سوى القليل من الشعراء: عزالدين المناصرة ومحمود درويش وسميح القاسم ومريد البرغوثي وأحمد دحبور... الخ. لم يبق سوى الشعر الذي لم يتوقف عند اليومي إلا ليجعله تاريخاً، والذي لم يأسره الموقف فسافر مع الرؤيا، ومع الانسان على امتداد العالم ... وكما انهارت كثير من الروافع والمنابر تبخرت عشرات البيانات السياسية التي تدثرت بثوب الشعر، ولم يبق إلا رائحة المريمية ... فكم شاعر يعي ان جديلة المرأة وزهرة الدحنون وصرخة العتابا يمكن ان تتحول الى أطر تضم أكثر المقولات السياسية عمقاً وصلابة وامتداداً. غسان اسماعيل عبدالخالق ناقد من الأردن