"الكونت المشطور" واحدة من اهم روايات الكاتب الايطالي الشهير ايتالو كالفينو الذي ولد في سانتياغو بلاس فيغاس، وفي الخامس عشر من تشرين الأول اكتوبر عام 1923. وكان كالفينو قد بدأ يتجه للكتابة بعد الحرب العالمية الثانية عام 1945. وفي عام 1947 بدأ نشر اولى رواياته "مدق اعشاش العنكبوت"، وتوالت بعدها اعماله الروائية والقصصية: "الحواديت الايطالية" 1956، "اجدادنا" 1960، "المدن الخفية" 1972. في عام 1972 منحته اكاديمية لينشي جائزة "فيلترينيللي". يقول كالفينو عن روايته "الكونت المشطور" انه لم يكن ينوي مطلقا ان يقدم رواية عن الخير والشر، لكنه مثل الرسام الذي يستخدم تضاداً واضحاً من الألوان كي يفيده في اظهار الشكل، اعتمد تضاداً روائياً عن "الخير والشر" ليوضح ما يهمه: الانقسام. فإنسان هذا العصر، مشوه وممزق وغير كامل... انه عدو نفسه. ويقول عنه فرويد انه انسان "مقموع" و"غريب" فقد حالة التناغم القديمة، وعلى رغم ذلك فهو يتطلع لاكتمال جديد. وبالطبع هذا الانقسام وما يصاحبه من تشوه وتمزق، يكاد يكون سمة هذا العصر، فكل انسان يبحث عن هويته الحقيقية وعن الطريق الصحيح ولا يعرف ماذا يختار وما السبيل؟!. وهذا المعنى الذي يحكم الحياة وفكر الانسان، هو اختيار الحياة، اختيار يتوقف على البيئة وعلى التربية وعلى خبرات الحياة. فاتباع الخير ام الشر اختيار غير هين، فنحن دائما نتساءل كيف يمكننا ان نحكم على تصرفات اي انسان بالخير او الشر. وفي هذه الرواية لا يعطي ايتالو كالفينو اجابات هذه الاسئلة، بل يضع القارئ امام بعض وقائع الحياة المهمة، ومن اهمها ان الانسان يحتوي بداخله على الطرفين كليهما: الخير والشر. وعلى رغم ذلك لا وجود لإنسان شرير شراً مطلقاً او خير خيراً مطلقاً. ويجب على الانسان ليحقق التوازن اللازم لاستمرار الحياة ان يعترف بوجود الطرفين في نفسه، وبعدها يختار أيهما يكون الطرف الغالب على تصرفاته. وفي رواية "الكونت المشطور" عندما عاد "مداردو" الشرير ممزقاً من الحرب كان من الواضح ان الجميع يرفضون تصرفاته المدمرة، المليئة بالشر والارهاب، وعلى رغم ذلك استقبل الجميع نصفه الآخر الطيب المحب بالفرح والسعادة: "هكذا كنا نقضي حياتنا بين اعمال الخير والرعب. فالجزء الايسر من خالي الذي كان يسمى "الطيب" كان يعتبر في عداد القديسين، على النقيض من "الشرير" وهو الجزء الآخر. وكان المقعدون والمساكين والسيدات اللاتي تعرضن للخيانة، وكل من كان يشعر بالالم يلجأون اليه، وكان يمكنه الاستفادة من ذلك ليصبح هو "الكونت" ولكنه استمر يعيش متشردا، يسير نصفاً مغطى بمعطفه الاسود الممزق، مستندا على العكاز مرتديا جوربه الابيض والازرق المليء بالرقع. يصنع خيرا سواء لمن يطلب ام لمن كان يطرده بقسوة، اما الجديد المقنع الذي يضعنا "كالفينو" في مواجهته، هو ان الخير المطلق الذي لا يعترف بوجود الضعف والحاجات الانسانية مكروه كالشر تماما. هكذا كانت الايام تمر في تيرالباء، وكانت مشاعرنا تزداد كآبة وضيقا، لأننا شعرنا بالضياع بين شر وفضيلة كلاهما غير انساني". ويقدم لنا كالفينو شخصيتين تعانيان الانقسام والتشوه، الاولى: الكونت "الشرير" الذي يرى العدل والجمال في الاشياء المنقمسة او المحطمة، نظرا لأنه هو نفسه محطم وناقص، ولأنه يرفض الاعتراف بعيبه هذا ويحاول تشويه كل ما يحيط به. اما مداردو "الطيب"، فعلى العكس، كان ينظر الى انقسامه وعدم اكتماله بحكمة مدركاً ان هذا ما جعله يدرك ويلاحظ تشوهات الآخرين وآلامهم: "آه يا باميلا، هذه هي ميزة ان يكون الانسان مشطوراً، ان يدرك كل انسان وكل شيء في العالم الألم الذي يمكن ان يشعر به كل منهم لعدم كماله- لقد كنت كاملا ولكنني لم اكن افهم- كنت اتحرك اصما لا تواصل ولا اشعر بالآلام والجروح المنتشرة في كل مكان حيث لا يمكن لمن كان كاملاً ان يجرؤ على تصديقها، لم اكن هكذا وحدي يا باميلا، فأنا مخلوق مشطور ممزق، منقسم، ولكن هذا حالك انت أيضا وحال الجميع. ها انا الآن اشعر بأخوة لم اكن ادرك وجودها عندما كنت كاملا، اخوتي لجميع تمزقات ونواقص العالم". هذا وجه آخر يتضح تمزقه حتى ولو كان في ظاهره يبدو كاملاً، منقسماً بين الخير والشر، مدركاً ما يعيشه ولكنه غير قادر على تغييره وهو وجه بيتروكيودو، الذي كان يبني بمهارة عالية رغما عنه آلات التعذيب. وعندما كان يحاول مع مداردو الطيب ان يخترع شيئاً مفيدا يخدم الآخرين، كان يكتشف صعوبة تغيير اسلوبه، وكان يشعر بالتمزق بين شرٍ هيّن في تنفيذه، وخير صعب يتطلب مجهوداً كبيراً: "وشك النجار في ان صنع آلات خيرة قد يكون شيئا أبعد من امكانات البرش، بينما الآلات التي كانت تعمل بصورة جيدة ودقيقة كانت هي المشانق وآلات التعذيب. وكان النجار يتضايق في نفسه ويقول: ألعل الشر الكامن في نفسي هو الذي يجعلني انجح في بناء آلات إجرامية فقط؟!!". اذن - هذه رواية عن الإنسان وهو يواجه نفسه في انقسامها ويواجه ازدواجية المعايير وجمود الكلمات وغموض المصلطحات رواية لاتخضع لتعسف الثنائيات او بريق الايديولوجيات، انها مشغولة طوال الوقت بالانسان.