"أعرفه من وقت طويل ولم يكن يعجبني، كنت أرى انه انسان محدود العقل. قابلته على الانترنت وكنا نتحدث ساعات طويلة من خلال الكومبيوتر. بدأنا في استكشاف بعضنا البعض... فكم هو مدهش ان الكثير منا يعتقد بأنه يعرف الآخر ولكن في الحقيقة نحن لا نعرف شيئاً عن الآخرين. من خلال الانترنت اكتشفت انه انسان مختلف تماماً عن الذي أعرفه، وعندما قابلته للمرة الاولى، بعد اللقاء على الانترنت، كنت خائفة، وكانت عيني ترى الشخص الذي تعرفه ولكن عقلي كان يرى انساناً آخر مختلفاً تماماً. قامت بيننا علاقة عاطفية، ثم تقدم لخطبتي. ولكن لم يتم الزواج لأسباب ليست لها علاقة بسبب طريقة التعارف". هذه احدى قصص الكثير من الشباب والشابات العرب الذين يلتقون ويتعارفون ويقيمون الصداقات والعلاقات العاطفية من خلال الانترنت. فعندما تدخل على الانترنت تجد آلاف المواقع للنقاش حول المواضيع العاطفية وغيرها، وللاعلان عن الرغبة في مقابلة شريك او رفيق. وهذه المواقع ليست حكراً على الدول الغربية، بل تجد المئات من هذه المواقع أسسها عرب. فاذا ذهبت الى موقع ياهو www.yahoo.com او اكسايت www.exite.com فستلقى آلاف الشباب والشابات العرب الذين يودون التعرّف على اصدقاء ورفقاء ليس فقط للتعارف بل لانشاء علاقات عاطفية وجنسية معهم. ربما تكون فكرة اقامة علاقة حب على الانترنت غريبة بالنسبة الى العرب، لكنها ليست جديدة تماماً اذ انها تمارس في المجتمعات الغربية بشكل صريح منذ اكتشاف الانترنت. ولكن ما الاسباب التي تدفع العديد من الشباب وغيرهم الى الاعتماد على الانترنت في الحب؟ في حوار عبر الانترنت مع ديبي ليفاين، وهي عاملة اجتماعية وتربوية في شؤون الصحة قالت ان عدد الاشخاص الذين يقيمون علاقات الحب عبر الانترنت في زيادة مستمرة، ويعود هذا الى انهيار قيم العائلة في المجتمعات الحديثة على مستوى العالم. فلم يعد الزواج يقوم على الطريقة التقليدية القديمة وهي ان يختار الاهل والاقارب العروس لابنهم، بل اصبح الشخص اكثر حرية في اختيار شريك حياته الذي يناسبه. هذا بالاضافة الى ان الوظائف في المجتماعات الحديثة تتطلب وقتاً ومجهوداً من اصحابها فلا يتاح لهم الوقت الكافي لتكوين صداقات حميمة ولقاء اشخاص جدد. فيصبح الانترنت الوسيلة السهلة التي تمكن الانسان من ان يلتقي بمن يريد ويقيم معه علاقة حب من دون ان يترك المنزل. وذكر ليفاين ان مصطلح الحب على الانترنت يتضمن كذلك تلقي وارسال "متعاً جنسية" من خلال الكومبيوتر. واضافت ان الانترنت هو مرآة الحياة اليومية، وهو افضل مكان لاستكشاف الحب بكل ابعاده، ولقاء اشخاص جدد ومعرفة الجديد عن العلاقات العاطفية والجنسية، اضافة الى سرية الانترنت ومرونته اللتين تعطيان الشباب وغيرهم مكاناً آمناً للتجربة من دون خجل. وقالت ليفاين ان ممارسة الحب على الانترنت لها آثارها السلبية، والمشكلة تنشأ عندما يعتمد الانسان على الانترنت في علاقاته بدلاً من التفاعل اليومي وجهاً لوجه مع الناس، وهذا ما يجعل المرء مأخوذاً بعالمه الخيالي وبعيداً عن الخبرة التي يمكن ان يكتسبها من الحياة. رأي علم النفس يذكر الدكتور مصطفى العبسي، استاذ علم النفس والطب السلوكي المساعد في كلية الطب من جامعة مينيسوتا الاميركية ل"الحياة" انه لا بد من الاشارة الى "اننا ما زلنا في مراحل اولية من معرفة الاسباب والنتائج المرتبطة باستخدام الانترنت كوسيلة للتواصل الاجتماعي او لاشباع الفضول حول المضامين الجنسية والذي يوفره مناخ الاتصال المفتوح من خلال هذا الوسيط. ومع ذلك فإن المؤشرات الاولى تدلّ على ضرورة الحذر في الاستخدام غير الرشيد لهذه التكنولوجيا، خصوصاً اذا ما اخذنا في الاعتبار ان العديد من المراهقين تتاح لهم هذه الوسيلة الاتصالية. ولقد اشار بحث من جامعة كارنيجي ميلون في مدينة بيتسبرغ الاميركية الى احتمال ان يزيد استخدام الانترنت من الضغوط النفسية لدى المراهقين بشكل اكبر من الراشدين". وربما تخطر فكرة ان الكبت في كثير من الدول العربية هو الذي يدفع الشباب لاختيار هذا السلوك، لكن الدكتور العبسي لا يتفق مع الفكرة ويضيف الى الاسباب التي تدفع الشباب العرب الى البحث عن الحب عبر الانترنت "انه من المغري القول ان الكبت والمحافظة الاجتماعية الشديدة قد يدفعان البعض الى البحث عن وسائل اشباع بديلة مثل استخدام الانترنت لمطالعة المواد الجنسية او حتى استخدام التلفزيونات واجهزة الفيديو لمشاهدة الافلام الاباحية… وهذا امر وارد، لكن لا بد من الاشارة الى ان مثل هذا النمط من استخدام الانترت لا يقتصر على أية فئة او مجتمع او ثقافة. على الاقل هذا ما مدى علمنا الآن". ويضيف: "استطيع القول هنا ان استخدام الانترنت لتوسيع أطر التواصل الاجتماعي، وكذلك لمطالعة المواد الجنسية، يبدو منتشراً في الغرب ايضاً ما أدى الى قلق كبير من الاسر على اطفالها من جراء سهولة الوصول الى مثل هذه المعلومات. وبالطبع تسهّل شبكة الانترنت للمستخدم فرص الاكتشاف والتعبير عن رغبات جنسية قد لا تكون مقبولة في محيطه الاجتماعي المباشر". وربما تمتعت فكرة الحب على الانترنت بنقاط ايجابية كما ذكرت ليفاين سابقاً، لكن الدكتور العبسي يرى ان لهذه الظاهرة عواقب ومشاكل نفسية، ويشرح ذلك بالقول: "مع ازدياد استخدام الانترنت كوسيلة للاتصال وتلقي المعلومات فان العديد من المشاكل الاجتماعية والنفسية بدأت تظهر، ونتوقع انها ستتفاقم في المستقبل. ومهما كان الغرض من استخدام الانترنت كالتواصل اليومي وتوسيع العلاقات الاجتماعية وزيادة الاصدقاء او للتثقيف ومطالعة المواد الجنسية، فهناك خطر بدأ الحديث عنه وهو ما يمكن ان نسميه الادمان على الانترنت. ومع ان هذا النوع من الادمان لا يعتبر تشخيصاً اكلينيكياً رسمياً في هذا الوقت، الا اننا نتوقع ادراجه في الادلة التشخيصية في المستقبل اذا ما تم التحقق من النتائج الاولية لأعراض الادمان". ومن هذه الاعراض: 1 - إهمال مسؤوليات عائلية او أكاديمية او اجتماعية او مهنية مهمة لقضاء الوقت على الكومبيوتر. 2 - الترقب الدائم للفرصة القادمة لاستخدام الانترنت. 3 - هناك اشخاص في حياة الانسان يشكون من انه يقضي وقتاً طويلاً على الانترنت. 4 - عندما يكون الانسان بعيداً عن الانترنت يشعر بالضجر وزيادة التوتر. 5 - تفضيل التواصل مع الآخرين عن طريق الانترنت بدلاً من التعامل معهم وجهاً لوجه. ويتفق الدكتور العبسي مع ليفاين في الآثار السلبية للعلاقات على الانترنت وانها تسبب العزلة الاجتماعية فيقول: "ان الاشارات الاولية تدلّ على ان استخدام الانترنت المفرط يرتبط بزيادة الانسحاب الاجتماعي والاكتئاب والاحساس بالوحدة ومحدودية العلاقات الاجتماعية والضغوط النفسية والقلق والعديد من الانفعالات السلبية. ومن المهم الاشارة هنا الى ان هذه العوامل ذاتها قد تكون اسهمت في الدفع نحو الاستخدام الزائد للانترنت كنوع من وسائل التكييف مع الضغعوط النفسية والتعويض عن المهارات الاجتماعية المحدودة او الاحساس بالضيق والكآبة". الوسيط المخادع حتى الآن لم تظهر أية عواقب وخيمة لفكرة الحب واللقاء على الانترنت، ربما لأنها ما زالت في ظاهرة حديثة، ولكن الامر الذي لا شك فيه هو ان هذا الوسيط الانترنت - على رغم ما يوفره من سهولة ومرونة للاتصال - هو ساحة خصبة للكذب والخداع بسبب ما يؤمنه من سرية تامة عن الشخص، فلا يمكن اي طرف من معرفة الطرف الآخر الا اذا أراد! ولقد وردت روايات متعددة عن الشباب الذين يراسلون نظراءهم على انهم فتيات، ويقيمون معهم علاقات عاطفية ثم يبدأون بالسخرية من بعضهم البعض. لكن هذا لا يمنع من وجود حالات كثيرة التقت على الانترنت وقامت بينهم علاقات حب وصداقة ناجحة. فبعدما كانت الخاطبة تختار العروس او العريس، وبعدما كانت الأسر تخطط مستقبل الزواج، وبعدما تم الاختلاط بين الشباب والشابات في كثير من المجتمعات العربية ما اعطاهم فرصة اكبر لاختيار شركاء حياتهم… يعتمد الكثير من الشباب العرب اليوم على الانترنت لتكوين العلاقات. ومهما اختلفت الآراء والاسباب حول ظاهرة الحب واللقاء على الانترنت بين الشباب والشابات العرب وغيرهم، فإنها حقيقة واقعة ويزداد حجمها باستمرار. فكثير من الشباب يعتقد بأن الانترنت هو الطريقة الحديثة للحب والزواج والصداقة! هنا آراء بعض الشباب والشابات العرب في ظاهرة الحب على الانترنت. وبعضهم فضّل عدم ذكر اسمه لأسباب شخصية ومفهومة تماماً. تقول شابة مصرية 23 سنة: "ان الانترنت هو افضل وسيلة للقاء رفيق الروح. فالتفاعل اليومي مهم جداً خصوصاً ان العديد من الناس يخفون حقيقتهم… وايضاً الحب يعتبر ممارسة، فترى من تحب وتشعر به وتعرفه اكثر كل يوم". ويوافق رائد العادل من سورية على هذا القول. ويضيف: "على رغم ان الانترنت وسيلة جديدة لتكوين العلاقات، فهو يساعد الانسان على ان يخفي شخصيته ومكانه والبيئة التي ينتمي اليها… ولكن الانترنت يوفر طريقة سهلة لكي تقابل الشخص الذي يشاركك الصفات نفسها. وهناك العديد من العرب الذين يستعملون الانترنت للتعبير عن افكارهم التي لا يستطيعون البوح بها او مناقشتها في حياتهم العادية". ويضيف فواز صواف وهو احد الاشخاص النشيطين في استعمال الانترنت، اذ انه مؤسس نادي الاستثمار العربي على موقع "ياهو" www.yahoo.com: "ان فرصة اقامة علاقات عاطفية من خلال الانترنت ستكون اكثر في المستقبل. فالانترنت هو الطريقة الفعالة للقاء الناس وتبادل الخدمات والصور والمعلومات". وتقول رضوى الجعلي 24 سنة من مصر انها ضد فكرة الحب على الانترنت "فالكلمات المكتوبة لا يمكن الاعتماد عليها لتكوين رأي حيادي وعقلاني عن الشخص. فيمكن ان يكون هذا الشخص يتجمل او يكذب، هذا بالاضافة الى ان الحب يكون عن طرق حب مظهر الشخص وطريقته في الحديث وطريقة معاملته مع الناس وحسن تصرفه في الامور الحرجة والحساسة. وهذه الاشياء لا يمكن معرفتها الا عن طريق التفاعل اليومي وجهاً لوجه… وهناك صديقة لي تعرّفت على شخص من الانترنت وبعد ان احبته لمدة عام اكتشفت، عندما قابلته انه كذب عليها ويريد استغلالها". ويتفق مازن زارع 23 سنة من السعودية مع رضوى فيقول: "ان الحب والتعارف على الانترنت طريقة غير صادقة لمعرفة الطرف الآخر… فالانترنت يسهّل الكذب والخداع وتجميل الصورة ويمكّن الانسان من ان يخلق شخصية وهمية لنفسه للوصول الى اهداف معينة. وهناك العديد من الشبان الذين يستعملون الانترنت لاقامة علاقات لا تتوافر في وسطهم. لذا فإن التفاعل اليومي والمباشر مع الشخص هو افضل طريقة لبدء أية علاقة".