إصطفت جموع من الصحافيين على جانبي البوابة المغلقة للحاجز الجنوبي لقطاع غزة، المحاط "لمزيد من الحذر" بالاسلاك الشائكة منذ ساعات الصباح الباكر. بدت غزة كأنها سجن كبير يقف على مدخله سجانون إسرائيليون ذوو رتب عسكرية عالية يحاولون من دون جدوى العثور على مفتاح البوابة لفتحها قبل دقائق من وصول 97 أسيراً فلسطينياً أطلقتهم السلطات الاسرائيلية من السجن الصغير. علت موسيقى "الله أكبر فوق كيد المعتدي" من وراء الاسلاك، وواصل الاسرائيليون المماطلة في شأن "المفتاح المفقود"، الى أن سمح للحافلة الاولى من أصل ثلاث وقفت بعيداً عن الحاجز الاسرائيلي المعد في العادة لنقل البضائع بالتقدم نحو البوابة. وبعد هدوء طويل بدأت فرحة الحرية تسري بين المحتشدين قبل ان تظهر جلية في عيون الاسرى. ودق أحد المحررين بيده بقوة نافذة الحافلة ليسّرع عملية نزوله بعدما لمح أخاه على الجانب الآخر من الحاجز. راح المحررون ينزلون واحداً واحداً ليتبين أن الاسرائيليين نالوا مرادهم... اغلقوا البوابة الكبيرة لقمع الفرحة الكبرى كان المسؤولون الفلسطينيون طلبوا بإلحاح ان تفتح ليخرج الاسرى منها جميعاً. لكن الاسرائيليين فضلوا إدخال كل اسير منهم على حدة من بوابة صغيرة جانبية الى داخل غزة. في هذا الجانب، إحتفل الجنود الفلسطينيون مع رفاقهم في السلاح بفرحة اللقاء، فهذه المرة تأكد للفلسطينيين أن جميع المحررين إسماً اسماً هم أسرى سياسيون لا يوجد بينهم أي سجين جنائي. لكن الجانب الفلسطيني عبر بلسان العميد صائب العاجز عن الاستياء إزاد عدد المحررين. وقال أن "اسرائيل هي الدولة الوحيدة في العالم التي تتفاوض على اطلاق أسرى الحرب بعد التوقيع على اتفاق سلام". وشكل المحررون مع أقربائهم حلقات الدبكة من دون أن ينسوا أن "فرحتهم ناقصة" فمعظم الأسرى لايزال داخل السجون الاسرائيلية. "كان الوداع صعباً للغاية". هذا ما قاله المسؤول العسكري السابق للجبهة الشعبية لتحرير فلسطين جبر وشاح، الذي أمضى 14 سنة خلف القضبان، وهو يصف لحظة فراقه عن رفاقه في الزنزانة، مضيفاً أن الفرحة لن تكتمل "ولن يهدأ لنا بال حتى يتحرر آخر أسير". وإذا كان فراق الرفاق صعباً، فإن وصف لحظة العناق الأول مع إبنته التي انتزع منها وهي لم تتجاوز الاربعة أشهر كان صعباً أيضاً. قالت الرضيعة التي أصبحت صبية قبل أن تجهش بالبكاء وهي تحتضن أباها: "شعور لا أستطيع وصفه، للمرة الاولى أستطيع لمس أبي". أما الفرحة الكبرى فكانت ربما من نصيب "أم جبر" التي تجاوزت السبعين من العمر، فهي التي شاركت منذ أربع سنوات في كل مسيرة وإعتصام وإضراب عن الطعام تطالب بالافراج عن إبنها وأبناء غيرها من الامهات، لم تتوقع أن تراه داخل بيته الذي اعتقل منه قبل أربعة عشر عاماً. وهي من قال أحد المسؤولين الفلسطينيين لجبر لحظة وصوله "خرجت بفضل أمك". غير أن فرحتها بحرية ابنها لم تنسها أن تمسك بيده وتأخذه حيث علقت صور أبنائها "بالتبني" من الأسرى العرب، وتقول: "هذا أحمد سامي اسماعيل وعلي قاسم حمدون وأنور محمد ياسين وزهير كروم ومحمود الكرد، كلهم لبنانيون وفي عمر الورود ولن أستكين قبل ان يطلقوا جميعاً". وتضيف: "فرضوا طوقاً فوق الطوق المفروض على غزة في هذا اليوم بالذات لتذكيرنا بأننا لسنا أحراراً بعدما خرج أبناؤنا من سجونهم الصغيرة، فهم يقولون لنا أنهم يستطيعون اغلاق المتنفس الصغير الذي يمنحونه الينا متى شاؤوا". كانت هناك غصة في اجواء الفرح بلقاء الاسرى، إذ ان استثناء المعتقلين الاسلاميين اثار مخاوف من بدء ظهور تقسيمات اجتماعية جديدة على اساس من هو اسلامي ومن هو غير اسلامي.