في كل مرة يُجرى فيها حوار مع الفنان عادل إمام، صاحب التاريخ السينمائي والمسرحي الطويل، لا بد لمحاوره من أن يجده متجدداً، متفائلاً. ولا يخلو الحديث معه من الضحك. لمجاراته في هذا التجدد قد يكون من المستحب التقديم لحديثه هذه المرة بكلمات كتبها أحد أبرز المثقفين في مصر وهو الدكتور جابر عصفور الأمين العام للمجلس الأعلى للثقافة، عقب عرض فيلم "الإرهابي"، وهي كلمة تبدو مناسبة في هذا الوقت كنوع من التقدير لجهود هذا الفنان الحريص دائماً على تقديم فن محترم فضلاً عن أنه استطاع أن يسعد، طوال 30 عاماً، الملايين من جمهوره العربي. ويقول الدكتور عصفور "ليس سوى عادل إمام من يمتلك القدرة المذهلة على تجسيد هذا النموذج عبر قدرته على التحول من النقيض الى النقيض وذلك بما يتمتع به من قدرات أدائية نادرة وثقافة مستنيرة عالية ووعي يقظ بقضايا مجتمعه فضلاً عن شجاعة المقاتل وجسارة المؤمن بقضية الاستنارة. ولم يكن من قبيل المصادفة أن عادل إمام هو أول فنان مصري أخذ على عاتقه مواجهة الإرهاب منذ بداياته الأولى وكان أول من انتقل بمسرحه الى قلاع العنف وبؤره في صعيد مصر ليواجه بالفن عواصف الإظلام ويجعل من مسرحه قافلة متحركة من قوافل الاستنارة". "الحياة" التقت الفنان عادل إمام في مسرح الهرم أثناء تدريبات مسرحيته الجديدة "بودي غارد"، والتي تشارك فيها رغدة ومصطفى متولي وسعيد عبدالغني وهي من إخراج رامي إمام وتأليف يوسف معاطي، وسألناه عن الملك الحسن الثاني العاهل المغربي الراحل الذي كرمه قبل عامين، وما رأيه فيما يسمى الكوميديا الجديدة، وما هي مميزات نجله رامي في الإخراج المسرحي، ومتى يعود لأوراق وحيد حامد السينمائية؟ وهنا نص الحديث: كنت آخر فنان ينال التكريم من قبل الملك الحسن الثاني العاهل المغربي الراحل.. ماذا عن هذا اللقاء والتكريم؟ - بداية أدعو الله أن يرحم الملك الحسن الثاني، أما عن تكريمه لي فجاء قبل نحو عامين عندما عرضت مسرحية "الزعيم" في المغرب لمدة ثلاثة أيام، وخصص دخلها لمصلحة بيت مال القدس الذي أنشأته لجنة القدس برئاسة الملك الراحل والتي تهدف الى الحفاظ على ملكية الأراضي العربية في القدسالشرقية. والحقيقة أنني وجدت الملك كريماً وضيافته كبيرة. ولا أنسى أبداً ما قاله لي عندما منحني الوسام "إننا نمنحك هذا الوسام لأن أول ما سيدخل بيت مال القدس من أموال سيصدر عن أرباح عروض مسرحيتكم"، والحقيقة أنا سعدت بهذا التكريم وحزنت جداً لرحيل الملك الحسن الثاني. وأؤكد أن التاريخ سيذكره دائماً لأنه أحب السلام ولم يتخل عن عروبته ولم يتخل عن القضية الأساسية وهي قضية فلسطين. ظواهر على الساحة ما الجديد الذي تقدمه في مسرحية "بودي غارد"؟ - "بودي غارد" هي طرح لعدة ظواهر موجودة على الساحة. ويتم تناولها هنا بشكل كوميدي ساخر. وهي تدور من حول مدرس تربية رياضية يدعى أدهم الجبالي يتورط في قضية ويحكم عليه بالسجن لمدة عام وفي داخل السجن يتعرف على أحد أصحاب الملايين المحكوم عليهم بالأشغال الشاقة، وبعد أن تتوثق علاقتهما يقرر صاحب الملايين تعيين مدرس التربية الرياضية حارساً على زوجته ومن خلال رحلة المدرس وزوجة المليونير تتفجر الكوميديا التي اعتقد أنها ستكون كوميديا صارخة. هل هذا هو سر الانتعاشة التي تعيش فيها حالياً؟ - يضحك أنا دائماً في انتعاشة حتى عندما أقدم المآسي. يبدو من ملامح الطرح أن "بودي غارد" تهاجم رجال المال؟ - لا. أنا لا أحب التعميم، فرجال المال في كل مكان هم أساس الاقتصاد. وأرى أن العقلية الاقتصادية المتفتحة والجيدة والمستنيرة والشريفة تنفع البلد. أنا أهاجم الفساد لكن هجومي ليس هجوماً شاملاً، وهو إنما كشف وفضح للهباشين، وذلك من خلال رصد الواقع الموجود والمطروح على الساحة. هل هي إذن مسرحية بعيدة هذه المرة عن الدخول في مناطق سياسية؟ - يضحك كل أعمالي فيها سياسة حتى "مدرسة المشاغبين" وأعتقد أن كل ما يخص المجتمع هو سياسة وحتى كلمة "صباح الخير" هي سياسة. يضحك ما أسباب اصرارك على تقديم عناصر شابة في كل عمل فني؟ - الشباب الذين اخترتهم هذه المرة لهم علاقة بمسرحية "جزيرة القرع" التي أخرجها رامي نجله وعندما شاهدت مسرحيتهم أعجبت بهم جداً ولهذا استعنت بهم، وأنا دائماً يكون عندي عنصر شباب كما أننا سنطرح من خلال أحداث مسرحية "بودي غارد" لشطحات وأفكار وآراء الشباب. من واقع خبرتك الفنية الكبيرة، هل تتفاءل بجيل الشباب الذين تقدمهم؟ - أنا أراهن على الجيل الجديد عموماً وأعتقد أنهم سيكونون نجوماً في المستقبل. لن أطرح عليك السؤال الدائم لماذا اخترت نجلك رامي لإخراج "بودي غارد" ولكن أسأل ما هي مميزات ومواهب رامي إمام؟ - يضحك والله هو له مميزات، و"مش" مميزات. ومن بين مميزاته أنه يملك طرحاً جديداً وفكراً جديداً في المسرح ويمتاز بأسلوب تحريك الممثل والمجموعات، وإنما عكس ذلك فإنني أحياناً على خشبة المسرح أعامله كأب ولكن هو لا يريد ذلك، "فنقع في بعض" يضحك. هل تقبل أن يوجهك؟ - طبعا، طالما قبلت أن أعمل معه كمخرج، لاپبد أن اقبل ملاحظته وكل شيء بالنقاش وليس مع رامي فقط وإنما مع فريق العمل كله، إن أي فنان عنده وجهة نظر يريد طرحها لا بد أن نسمعها وقد نعمل بها طالما انها في مصلحة العمل الفني. مهرجان القاهرة السينمائي في دورته المقبلة قرر أن يكرمك، هل حددت موقفك من هذا التكريم؟ - ربنا يسهل.. يضحك شيء جميل أن تعقد الدورة المقبلة للمهرجان تحت شعار تكريم "الكوميديا"، خصوصاً أن القاهرة هي رائدة الكوميديا في المنطقة فعندما يذهب أي مواطن مصري الى أي بلد عربي شقيق أول شيء يطلبه المواطن الشقيق من المصري هو أن يقول نكتة وكأن النكتة ملك المصريين، والحقيقة أن عنوان المهرجان جذبني وأعتقد أنه سيجد رد فعل كبيراً لأن الكوميديا كان حقها "ضائع" في مصر. وشيء رائع أن يفكر حسين فهمي في هذا الموضوع، وأنا مستعد أن أقدم أية مساعدة لنجاح هذه الدورة، لأن الكوميديا هي حياتي أساساً وهي الهواء الذي اتنفسه. هل تعتبر أن هذا رد اعتبار للكوميديا؟ رد اعتبار وفرصة - نعم، وهي فرصة للكوميديا، وأتمنى أن تكون هذه الدورة مثمرة، وأن تقدم من خلالها أبحاث تتناول الكوميديا من منطلق علمي. شيء غريب أن تسعد الكوميديا الملايين من دون أن تجد قبولاً عند المثقفين..؟ - مقاطعة ليس كل المثقفين. برنارد شو مثلاً كان مثقفاً و"كوميدياناً" وشارلي شابلن كان مثقفاً و"كوميدياناً"، ودانتي عمل "الكوميديا" الإلهية، وشكسبير حاول أن يكون كوميديا، وإنما بعض الناس تنظر لها - للكوميديا - وكأنها عار يضحك أنا أعتقد أن الكوميديا أعظم الفنون. هل توصلت الى تفسير للمحاولات التي تجري لهدم رموزنا الفكرية والفنية من قبل البعض؟ - يضحك على العموم مصر دائماً بخير، ومهما حاول بعض الناس هدم الرموز وشتم الرؤساء والفنانين فمصر أعظم من هولاء السبابين والشتامين. وماذا أنت فاعل تجاه هؤلاء؟ - أنا أكبر من هؤلاء الشتامين، وقلت كثيراً أنا لا أناقش شخصاً لأنه يشتم، أنا اتناول السلبيات عامة وإلا سأكون مثل هذا الرجل الشتام الذي لا أريد أن أهبط الى مستواه. ولكن البعض توقع أن تحمل مضامين "بودي غادر" إشارة موجهة ضد هؤلاء الشتامين؟ - لا... نحن نركز على السلبيات الموجودة ومع ذلك لا نفقد الأمل. ونتحدث أيضاً عن الايجابيات الموجودة، وأعتقد أن الايجابيات تتمثل في الشباب والفكر المطروح وهؤلاء يمثلون الايجابية في المسرحية واعتقد أن ثمة هنا وجوداً لنوع من الكوميديا الجديدة. ما رأيك في أداء الشركات السينمائية الجديدة؟ - أولاً أوجه التحية الى الدكتور كمال الجنزوري رئيس مجلس الوزراء الذي قرر إلغاء ضريبة الملاهي على السينما. وهذا القرار من المؤكد سينعش الحركة السينمائية، أما بالنسبة الى الشركات الجديدة فأعتقد أن أداءها مشرف. وهذه الشركات هي، حتى الآن، شركتان، واحدة اهتمت ببناء دور العرض والأخرى دخلت الانتاج وقطعاً وجودهما أنعش السينما. هل توافق على المشاركة في أفلام هذه الشركات؟ - أنا لست حكراً على أحد.. المهم عندي الموضوع وماذا يتناول. تحدثت كثيراً عن الكوميديا ودورها في عرض مشاكل الناس وآلامهم.. ولكن الكثيرين يرون أن ما يعرض حالياً من افلام ليس لها مضامين بل هي عبارة عن "نكات" و"اسكتشات".. هل هذه هي الكوميديا الجديدة؟. - الكوميديا لها أساليب مختلفة منها هذا النوع الذي جعل الناس تقبل عليها، وطالما ان الجمهور ذهب لمشاهدة هذه النوعية ما المانع؟ وأنا أريد أن أقول للناس لا تشتموا الاولاد الجدد، الأولاد الجدد علينا ان نحتضنهم، لأنهم أحدثوا انتعاشة في السينما المصرية وحققوا ايرادات. فما المانع ان نحتضن هؤلاء خصوصاً انني لا اعرف سبباً للهجوم؟ أنا أسأل عن الكوميديا تحديداً.. هل هذه هي الكوميديا الجديدة؟ - كما قلت لك الكوميديا لها انواع كثيرة. المنولوجيست يقول كوميديا. وكان فيه كوميديا لوريل وهاردي وكان فيه كوميديا شارلي شابلن واليونانيون القدماء قالوا كوميديا وحتى "المُهرج" في السيرك يقدم كوميديا. المهم لا تسطيع أن تقول إن هناك كوميديا سيئة وكوميديا جيدة الاساس ماذا يتناول. وحتى لو تناول موضوعاً بسيطاً ونجح في ادخال السعادة والضحك الى قلوب الجمهور. قد تكون الفنان الوحيد الذي تدخل من اجله الرئيس حسني مبارك شخصياً لإنقاذ فيملك "بخيت وعديلة" عندما حاول البعض منعه.. في رأيك لماذا تدخل؟. - الديموقراطية موجودة في دم وعروق الرئيس حسني مبارك والحقيقة هذا موقف لن أنساه ابداً. ما رأيك في الهجوم الذي تعرض له الشاعر أحمد فؤاد نجم بسبب تكريم رجل الاعمال نجيب ساويرس له؟. - لا أرى عيباً في أن يكرم رجل اعمال شاعراً كبيراً ويحتفل به خصوصا ان ساويرس كان يسمع اشعار فواد نجم هو طالب في كلية الهندسة، وعندما اصبح رجل اعمال كبيراً أحب تكريم هذا الرجل حباً فيه. وهو لم يعمل هذا التكريم من أجل راقصة، وانما لشاعر كبير. اقيم في القاهرة اخيراً وفي وقت واحد مؤتمر لدعاة السلام ومؤتمر لرفض التطبيع.. كيف ترى ذلك؟. - هذا شيء جميل. لأنه يعني أن الآراء كلها موجودة في مصر. وأن في مصر مناخ حرية يتيح لكل مجموعة أن تكون حرة في تفكيرها وفي مناهضتها او عدم مناهضتها. وهذا شيء صحي. وأتمنى ان يوجد هذا على كل المستويات فيكون هناك الرأي والرأي الآخر. احترام الرأي الآخر شيء مهم . وما الجديد على مستوى السينما؟. - استعد لفيلم "بخيت وعديلة" الجزء الثالث ويتناول الهجرة الى اميركا وحلم الدولار، وكيف حال الحرية هناك، هل ستلائم بخيت وعديلة ام لا.. يضحك. ومتى تعود الى أوراق وحيد حامد السينمائية؟. - وحيد من أقرب الاصدقاء الي. وسبق وقدمت له أفلاماً مهمة وجميلة، وقريباً سنلتقي.