بعد سنوات من مزج الرعب بالكوميديا وتحقيق زلات في كل منهما، برزت اخيراً مجموعة جديدة من افلام الرعب الصافية وغير المغشوشة، بوشر بعرض ثلاثة منها أخيراً، في الولاياتالمتحدة وستجد طريقها الى العالم في غضون ايام وأسابيع. هذه الأفلام هي "البحيرة الراكدة" و"البيت المسكون" و"مشروع بلير ويتش". وهذا الاخير هو على أية حال الوحيد الذي لديه خطة واضحة في كيفية استخلاص الرعب وتقديمه لمشاهديه، وهو، بالمناسبة، اصغر تلك الأفلام من حيث امكانياته، وميزانيته تكلف، حسبما يقول المنتج، ما يساوي ثمن بيت في ضاحية عادية من ضواحي لوس انجليس. "البحيرة الراكدة" ينطلق وينتهي مثل رحلة صيد سمك يعود الصياد منها في آخر النهار خالي الوفاض. انه يتولى تقديم قصة عادية جداً، ذات مفاجآت معتدلة التأثير والتشويق طوال الوقت، حول تمساح كبير 30 قدم يعيش في بحيرة راكدة في بعض انحاء ولاية مين الاميركية ولا يتم اكتشافه الا عندما تدور الكاميرا. هناك "الشريف" برندون غليسون الذي كان على مركب صغير حينما غطس مساعد له ليفحص بعض ما خفي عليه في اعماق البحيرة. وما هي الا دقيقة حتى يكون هذا الفحص هو آخر ما يقوم به في حياته. نصفه ابتلعه التمساح الذي لا نتبينه في البداية. نصفه الآخر يسبح الى المركب حيث يموت عليه. مسؤول حكومي اسمه جاك بيل بولمان وعالمة غير سعيدة في حياتها العاطفية اسمها كيلي بردجت فوندا ينضمان الى الشريف ومساعديه في محاولة معرفة ما هو هذا الوحش الذي يعيش في البحيرة. ينضم لاحقاً اليها عالم آخر اوليفر بلات الذي لا يتفق مع الشريف في شيء، ما يتسبب عنه اضاعة الوقت في مناوشات جانبية. تتبدى حقيقة الوحش سريعاً ويبدأ ابطال الفيلم باطلاق النظريات حول كيف يمكن لهذا التمساح الآسيوي الوصول الى بحيرة "مين". واحدى تلك النظريات انه سبح المحيط المالح!! لكن احداً لا يقول لنا كيف وصل الى بحيرة داخلية؟ أعن طريق انفاق مائية تحت الأرض ام انه استقل حافلة قادمة من مدينة ميامي؟ الأسخف تصوير ان هناك امرأة تعيش على ضفاف البحيرة بيتي وايت تطعمه كل يوم بقرة فهي تعلم بوجوده وتغذيه. ونشاهدها في احد مراحل الفيلم وهي تجر بقرة مسكينة الى شاطئ البحيرة حيث ينتظر التمساح وليمته. لكن هل لدى تلك المرأة ما يكفي من البقر لإطعام التمساح واحدة كل يوم؟ طبعاً لا. وفي احد الأيام تعترف للمحققين المذهولين انها لقّمت التمساح زوجها عندما نفذ المخزون! بعض المؤثرات المستخدمة لا يقل تعثراً عن المنطق المفقود: بينما يتم حشر التمساح في بقايا طائرة مروحية يكتشف الجميع ان هناك تمساحاً آخر زوجته لا تقل عنها شراسة. وفي نهاية الفيلم نشاهد عدداً من "البايبي تماسيح" تسبح على سطح تلك البحيرة في ايحاء بأن صانعي هذا الفيلم سيعودون قريباً، اذا ما نجح الفيلم تجارياً، بفيلم آخر. هذا غالباً لن يحدث فالاقبال على هذا الفيلم ضعيف وغير متطور باتجاه اكتشاف متأخر. عمل غارق في التقليد دون نجاح والسيناريو مكتوب حسب "صيغة" معروفة مورست سابقاً في الكثير من الافلام المشابهة. مخرج الفيلم، ستيف ماينر الذي اخرج آخر انتاج لمصطفى العقاد "هالووين ه20" في العام الماضي ينبري الى هذا الفيلم ولا يضيف. شخصياته لا تتطور بل هي عملياً مفقودة. عوض البحث عن الوحش الفاتك، كان الأولى البحث عن مرجعية لتلك الشخصيات لإفادة السيناريو بعض الشيء وتقليل طغيان اللا - حدث عليه. في هذا الاطار هناك فيلم آخر عن التماسيح وثان على اسماك القرش فيما يبدو عودة مطلوبة الى الماء. كلا الفيلمين لن يعرض سينمائياً في اميركا بل توجها الى الشواطئ الآسيوية التي ورد منها تمساح "البحيرة الراكدة". لكن هناك انتاج كبير آخر بعنوان "البحر الأزرق الكبير" ينضم الى هذه القافلة. "البيت المسكون" مأخوذ عن رواية للكاتبة شيرلي جاكسون نقلها روبرت وايز الى السينما في العام 1963 تحت العنوان نفسه كواحد من بضعة أفلام رعب في مسيرته المميزة وغير المقدّرة كثيراً اليوم. قصة بيت كبير جداً اقرب الى قلعة وجدها صانعو الفيلم في بريطانيا تحكمه اسطورة: احد كبار الاغنياء قبل اكثر من مئة عام بنى الجزء الأساسي منه لزوجته التي ماتت فتزوج اخرى على امل ان يرزق منها بأطفال كثيرين. ذلك لم يتحقق فأخذ يخطف الاطفال ويبني الى قصره غرفاً اضافية حتى اصبح مكاناً يصلح اليوم لتحويله الى "شوبينغ سنتر". في الفيلم السابق، بطولة جولي هاريس وكلير بلوم، يصمم روبرت وايز رعباً ينطلق من داخل الذات البشرية التي تجد نفسها، بعد كل هذه الاعوام، في بيت تسكنه ارواح الاطفال الذين قتلهم صاحب الدار، وروح زوجته وروحه الشريرة بدوره. روبرت وايز لم يكن اميناً للكتاب لكنه اذ سمح لنفسه بالابتعاد عنه بقي ملتزماً بأجوائه تماماً ولم يفتقر الى الاحداث المخيفة. بعد مشاهدته على الشاشة الصغيرة قبل يومين من مشاهدة النسخة الجديدة يدرك المرء حسنات سينما الأمس في هذا المجال، اي من قبل ان تخترع السينما كل هذه المؤثرات التي يحفل بها الفيلم الجديد. ليس ان هذا الفيلم بلا حسنات. يكفي تولي ليلي تايلور البطولة وتجسيدها الدور جيداً. انها الوحيدة بين الممثلين ليام نيسون وكاثرين زيتا - جونز وبروس ديرن في دور صغير التي لديها ما تعكسه بنجاح. الباقون يتحركون تبعاً لما ينص عليه التصميم الفني للخدع والمؤثرات التي وهبها المخرج يان دي بونت "سرعة"، "تويستر" اهتمامه على أمل ان يخلق الرعب الناتج عنها وليس عن معطيات الذات. في هذا الفيلم نرى التماثيل تتحرك ونسمع الهدير ونشاهد الأشباح تطير في فضاء الغرف، لكننا لن نرى سبباً وجيهاً يجبر هذه المجموعة من الناس على البقاء. يقول دي بونت انه نقل القصة بأمانة، وهي تتحدث عن طبيب يريد اجراء تجارب على بعض الاميركيين الذين يعانون من عدم النوم. وعلى هذه التجارب ان تتم في بيت بعيد معزول. وكان له ما أراد. لكن حينما تكتشف ليلي تايلور ان الطبيب لم يخترها لتأتي الى هذا القصر، بل ان الروح الشريرة هي التي فعلت ذلك، تدرك انها كانت مختارة، لمثل هذا الدور وان عليها الآن ان تقتل تلك الروح من اجل انقاذ الارواح الطيبة السجينة في المكان. لكن المزيد من الاكتشافات التي على هذا المنوال لا تنقذ الفيلم من سلسلة ادعاءات باهظة التكاليف تهدف الى احياء سينما الرعب القائمة على الاشباح والارواح وتوظيف التطور الكبير في المؤثرات لهذه الغاية. هذه التطورات لا تفعل شيئاً لرفع قصة ولدت ميتة او لبلورة اداء ممثلين ينتهي الفيلم وهم لا يزالون يبحثون عن الشخصيات التي يقومون بها. وهذا يصل بنا الى ثالث افلام المجموعة وأصغرها وأكثرها تأثيراً، ولو انه لا يخلو بدوره من مشكلة رئيسية. "مشروع بلير ويتش" قائم على فكرة رائعة: ماذا يحدث لو ان ثلاثة اشخاص تاهوا في غابة مسحورة وسط ولاية ماريلاند؟ الجواب في ساعة ونصف: مخرجة تسجيلية في بداية طريقها ومصور ومساعد يقررون القيام بتحقيق سينمائي حول اسطورة بلير وتش التي تقول ان ارواحاً متوحشة تحوم في تلك المنطقة المعزولة. وان القليلين الذين دخلوا الغابة لم يخرجوا منها أحياءاً. هذا لا يوقف المجموعة الصغيرة عن المحاولة. وبعد الليلة الأولى في الغابة تبدأ محنتهم: يفقدون طريق العودة الى المدينة. يمشون في كل اتجاه ليعودوا الى حيث كانوا. وفي الليل يسمعون اصواتاً مخيفة تملأ الغابة من حولهم. في الصباح يجدون عند باب الخيمة التي يأوون اليها حجارة مرصوفة بطريقة معينة او مخلفات آدمية. وفي اليوم الثالث يجدون انفسهم وسط حقل من الشعائر المرسومة او العصا المعلقة على شكل آدميين مشنوقين. الجديد في هذا الفيلم انه مصور من قبل مخرجيه الشابين دان مايريك وادواردو سانشيز، على اساس انه فيلم داخل فيلم. في مطلع الاحداث عبارة تشير الى ان ما سنشاهده هو فيلم وجده باحثون بعد عام على تصويره. بعد ذلك نرى الفيلم المقصود والمصور بكاميرا فيديو. المخرجة في الفيلم الداخلي كانت تصور كل ما يقع للفريق حتى ولو لم يكن الأمر مناسباً. المشكلة هنا هي ان اجزاءاً كثيرة من هذا الفيلم مصورة حتى ولو لم يكن اي من الشخصيات الثلاثة وراء الكاميرا ما يخلق تناقضاً منطقياً.