لم تلق شخصية في التاريخ الانساني قاطبة ما لقيته شخصية النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - من حملات التشويه والتعصب على ايدي كتاب الغرب. فقد تفنن هؤلاء الكُتاب في تلفيق الأساطير الجاهلة، وإطلاق الأكاذيب الحاقدة، وتقديم المعلومات الناقصة والمغلوطة عن النبي محمد الى قرائهم، حتى استقرت في أذهان شعوب الغرب صورة خاطئة تماماً عن هذا النبي العظيم والرسول الخاتم. وفي محاولة تستهدف الرد على هذه الأكاذيب ودحضها، وتقديم الصورة الصحيحة للنبي محمد الى الغرب، قام عميد الفلسفة العربية المعاصرة الدكتور عبدالرحمن بدوي أخيراً بتأليف كتاب "دفاع عن محمد ضد المنتقصين من قدره" باللغة الفرنسية، وصدرت للكتاب طبعة عربية عن "الدار العربية للكتب والنشر" في القاهرة أعدها الدكتور كمال جادالله ليواكب صدورها حصول بدوي على "جائزة مبارك" التي تبلغ قيمتها 100 ألف جنيه، وتعتبر أرفع جوائز الدولة المصرية. ويذكر بدوي أنه خلال تتبعه للمفاهيم التي يتبناها الأوروبيون حول نبي الاسلام، انتابه الذهول من جهلهم المطبق وعدوانيتهم الواضحة وأحكامهم المسبقة المتأصلة وتحزبهم الطاغي. وهذا الأمر لا ينطبق فحسب على الشعوب، ولكنه ينطبق أيضاً على علمائهم وفلاسفتهم ورجال الدين والمفكرين والمؤرخين. حتى أنه خلال الفترة التي شهدت انطلاق الفكر الأوروبي من القرن الثاني عشر وحتى السابع عشر، لم يكن لدى أي من هؤلاء المفكرين الشجاعة في تحري المعرفة الحقة والموضوعية عن الاسلام ونبيه، فلا البرت الكبير ولا توماس الاكويني وروجر بيكون ولا بسكال واسبينوزا، حاولوا ان يبذلوا جهداً لفهم الاسلام، مع إنهم كانوا يعرفون بشكل أو بآخر الفلاسفة والعلماء العرب، ولم يدخروا وسعاً في مهاجمة آرائهم ودينهم. وكانوا، على رغم مظهريتهم العلمية والموضوعية، أكثر تشبعاً بالاحكام المسبقة. ويستشهد بدوي باعتراف رينان بتحامل أبناء جنسه وملته من قدامى المستشرقين على محمد، عندما قال: "لقد كتب هؤلاء المستشرقون عن محمد تاريخاً يمتليء بالحقد والكراهية له". وعلى هذا الدرب درب الافتراء والبهتان سار الكُتاب الغربيون المحدثون أيضاً، فكانوا على رغم مظهريتهم العلمية والموضوعية أكثر تشبعاً بالأحكام المسبقة من أسلافهم، حتى مع توافر المصادر القادرة على ارشادهم الى الحقيقة. يثبت بدوي في الفصل الأول من الكتاب صدق محمد في ما يتعلق برؤاه للملأ الأعلى ونزول الوحي عليه، ويفند أقوال المستشرقين التي تكذب هذه الوقائع. وفي الفصل الثاني يتناول بدوي موضوع تعدد زوجات النبي، ويشرح مبررات هذا التعدد، والتي لم تكن في أي حال من الأحوال بسبب الشراهة الجنسية المفرطة كما يزعم الحاقدون من المستشرقين. ويختص الفصل الثالث بمناقشة سياسة محمد تجاه خصومه من اليهود والمسيحيين والعرب. فمن ناحية اليهود أوضح المؤلف إن محمداً صلى الله عليه وسلم كان يعرف تماماً العقلية اليهودية، ولم يأمل يوماً في أن يدخل اليهود في الاسلام. وخلافاً لرأي بعض المستشرقين القائل إن النبي في بداية إقامته في المدينة أراد ان يدخل اليهود في الاسلام، يؤكد بدوي أن ذلك يجافي الحقيقة لسبب بسيط وهو أنه كان يعرف تماماً أنه من غير المفيد إضاعة الوقت والجهد مع اليهود. أما سياسته تجاه يهود المدينة، والتي يصفها البعض بأنها كانت عنيفة وقاسية، فكانت دفاعاً خالصاً عن النفس تجاه دسائس اليهود وخداعهم، وحفاظاً على الوحدة الداخلية وكيان الدولة الاسلامية الناشئة. ومن ناحية أخرى يوضح بدوي خطأ الاتهام الموجه الى النبي - عليه الصلاة والسلام - بأنه اساء التصور عن المسيحية ومؤسسها، وهو الاتهام الذي طالما ردده المستشرقون. ويكشف أن المفهوم القرآني للمسيح عيسى بن مريم - عليه السلام - له سوابق عند بعض ممثلي الكنيسة المسيحية في بدايتها، حين كانت قريبة من منابعها الأولى، قبل أن تحرف على نطاق واسع من قبل البيزنطيين، وتدخل في تفسيرات عقيمة.