مبدئياً يأتي استفتاء تقرير المصير في تيمور الشرقية بمثابة حل لأزمة انتساب الاقليم إلى أندونيسيا أو الاستقلال عنها، وليس هناك في الآفاق الدولية ما يناقض هذا التوجه في التعاطي وأزمات من هذا النوع، حين الوصول أمام الباب المسدود عبر تعارض إرادتين أو أكثر، أي السعي نحو الاستقلال أو الاندماج أو الحكم الذاتي. مبدأ تقرير المصير يبدو أكثر اغراء في الحالات التي يصعب احتواؤها محلياً. بيد أن اللافت توقيت اجرائه على خلفية انهيار الأوضاع الاقتصادية في أندونيسيا وإطاحة نظام سوهارتو. فعلى امتداد السنوات الطويلة لوجود المشكلة، كان صعباً على هذا البلد الآسيوي الذهاب نحو الاستفتاء حول مستقبل اقليم يعتبره جزءاً من سيادته. والأرجح أن تقريب المسافة ازاء الاستحقاق حتمه مآل الأوضاع الداخلية في أندونيسيا وتزايد الالتفاف حول تيار المعارضة الذي ينادي باستقلال الاقليم، من منطلق أن ترتيب الحال الأندونيسية في الفترة الأخيرة حتم الانكفاء الداخلي على حساب ما كان يعتبره الأندونيسيون حقوقاً مشروعة في تيمور الشرقية. ومن خلالها عبر السيادة على جزر عدة ضمن فسيفساء تاريخية وجغرافية تنصهر فيها الأقليات الدينية والثقافية عبر الاذعان للسلطة المركزية التي كانت قوية إلى وقت قريب. قد يجوز افتراض ان حال أندونيسيا التي تشكلت في أعقاب الحرب العالمية الثانية وفق ضرورات الوحدة التي جمعت خليطاً من الأجناس والأعراق، لم تعد تواكب متطلبات الحقوق الثقافية للأقليات، ففي حالات الدول التي تبدو أقرب إلى "التفتيت" يصار إلى استخدام تباين العقيدة أو اختلاف الاثنيات، لدرجة يسهل معها الاقتناع بتغليب حقوق الأقليات على حساب سيادة ووحدة الدول. ويكفي إلقاء نظرة على الخارطة الدولية للتأكد من أن المناطق المرشحة للتقسيم تتغلغل فيها الصراعات ذات الدافع الديني أو العرقي أو القبلي كونه الأقرب إلى تشجيع دعاة تقرير المصير. وقد يجوز افتراض ان استخدام المبدأ ليس منفصلاً عن هذه التوجهات، فبمقدار ما يبدو مشجعاً ازاء حالات الدول الخارجة من الاستعمار الذي كان سطر الحدود بمثل ما سطر المصالح، بالمقدار الذي يحمل فيه مخاطر الانفصال والتقسيم. وربما لهذه الغاية اهتم خبراء العلاقات الدولية بإعطاء الأولوية لمفهوم وحدة الدول على حساب تقرير المصير حين يحدث تعارض بين المفهومين، لكن هذا التصور إن كان قائماً في أدبيات الأممالمتحدة، فإنه ليس كذلك في ساحة الميدان، ويصبح التساؤل مشروعاً لماذا في حال إسرائيل لم يتم اعتماد مبدأ تقرير المصير؟ الأكيد أن أندونيسيا الراهنة ليست هي الاتحاد السوفياتي سابقاً، لكن المقاربة الأكثر حضوراً ان ما حدث في المعسكر الشرقي برسم نهاية الحرب الباردة يقع الآن في مناطق عدة في العالم، ولا تشكل حال أندونيسيا سوى المدخل المشجع نحو تفكيك "امبراطوريات" نمت في ظروف مغايرة للوضع الدولي، والمفارقة ان هذه التطورات لا تحدث في الولاياتالمتحدة الأميركية أو في الدول الغربية، فهناك إصرار على الاندماج والتكتل، ولا يوازيه في باقي العوالم غير سيناريوهات التقسيم تحت شعار تقرير المصير وضمان حقوق الأقليات.