الكتاب: يد الشعر - خمسة شعراء متصوفة من فارس. المؤلف: عنايت خان. ترجمة: عيسى علي العاكوب. الناشر: دار الفكر - دمشق 1998. يقدم كتاب "يد الشعر" مدخلاً إلى عالم الجمال وفق منهج ثنائي، إذ يحوي خمس محاضرات عن الشعر الفارسي ألقاها عنايت خان، ويتضمن من جهة أخرى ترجمات متقنة أعدها الشاعر كلمان باركس لبعض الأشعار التي يدرسها عنايت خان. فالمحاضرات القيت في مدينة سان فرانسيسكو العام 1923، وحاول خان عبرها تعريف الجمهور الغربي بالشعر الصوفي الفارسي وأعلامه الكبار. وتناولت المحاضرات خمسة شعراء هم: السنائي وفريد الدين العطار وجلال الدين الرومي والسعدي الشيرازي والحافظ الشيرازي. وجاءت الترجمات الشعرية لتقدم نموذجاً عن كل شاعر وتطور طبيعة الأدب الفارسي عموماً وتطور الصورة الشعرية فيه. كما اعطى المترجم في مدخله لهذه المحاضرات فكرة عن عنايت خان الذي نشأ في أسرة مهتمة كثيراً بالفن وبالموسيقى خصوصاً. والشعر الذي ناقشه عنايت في محاضراته كان معروفاً لديه طوال حياته، وهاله عندما جاء إلى الغرب العام 1910 أن معظم الشعراء الكبار الذين تربى على ابداعهم غير معروفين. ويرى المترجم أنه بعد مضي سبعين سنة على محاضرات عنايت ما تزال هناك حاجة لقراءة هذا الصنف الشعري، لذلك فإن وضع المحاضرات في كتاب مع ترجمة بعض القصائد الخاصة بالشعراء الذين تحدث عنهم يعبر عن استمرار المحاولة لنقل هذا الشكل الأدبي للغة الانكليزية. المحاضرة الأولى بعنوان "الشاعر والنبي"، وهي محاولة لتشكيل هذين المفهومين في الأدب القديم، وهذا الربط لا يتناول الجانب الديني في شخصية النبي بل يبحث في موضوع الإلهام وتأثيره في شخصية المبدع. وتحاول هذه المحاضرة تسليط الضوء على صنف من شعر يختص بموضوع واحد هو الله عز وجل، بحيث تصبح الصورة الشعرية تجليات لمحبة الإله وتنقل تجربة فريدة تحوي الكثير من التجليات. ويقدم المترجم - قبل طرح نموذج شعري يتعلق بالمحاضرة الأولى - ترجمة لحياة السنائي الذي عاش في غونة واتصل ببلاط بهرامشاه، ومن أهم أعماله "حديقة الحقيقة" التي كتبها العام 1131م بعد رحلته إلى الحج. والتحول في شخصية سنائي من شاعر بلاط إلى متصوف جاء أثناء حملة عسكرية على الهند رافقها الشاعر ليسجل الانتصارات العسكرية شعراً. وأثناء هذه الحملة التقى مع الصوفي لاي خور، فتخلى عن خدمة السلطان على رغم أنه كان موعوداً بنصف أموال المملكة وبالزواج من ابنة السلطان. وينتقي المترجم مجموعة من قصائد السنائي تشدد على الصرامة. المحاضرة الثانية تناولت فريد الدين العطار وهو من شعراء فارس الأكثر قدماً. ويرى عنايت خان أن مبعث إلهام جلال الدين الرومي مما قدمه العطار، فهو أوضح الطريق إلى الغاية النهائية للحياة بإيجاد ضرب من التصوير في قالب شعري. ومن أكثر أعمال العطار شهرة "منطق الطير" ويشرح فيه الأودية السبعة التي اجتازها هذا الطائر. يطرح عنايت خان في محاضرته الثالثة الابداع الخاص بجلال الدين الرومي، فهو أعطى حياة جديدة وصوراً مبتكرة للتيار الصوفي في عصره، ويعود ذلك إلى أن الرومي لم يكن صوفياً متأملاً فقط، وإنما تمتع بثقافة واسعة، فكان رجل دولة وسياسياً وترأس الهيئة القانونية في بلاده. ويروي المؤلف قصة تحوله نحو الصوفية بعد لقائه مع شمس تبريز، وهو رجل متصوف معروف في عصره. وبعد تأثر جلال الدين الرومي بالفكر الصوفي، تخلى عن مناصبه وعانى من الوحدة بعد هذا التحول، ولكن حياته اتخذت منحى جديداً فأصبح متأملاً. ويشرح عنايت خان فهم الرومي للحب وبعض مناحي فلسفته، ثم ينتقل في المحاضرة الرابعة للحديث عن الشيخ مصلح الدين سعدي المولود في مدينة شيراز العام 580ه، ونشأ في أسرة على قدر من الصلاح والعلم وتأدب على يدي والده الذي كان في خدمة الأتابك سعد بن زنكي. وتتراءى في آثار السعدي خبرة واسعة بالناس والحياة والزمان، وتطالعنا في مؤلفاته شخصية عملية غاية في البساطة. وأبرز أثرين له: البستان والكلستان، وتم تأليف الأول العام 655ه، وهو عبارة عن حكايات منظومة بقالب المثنوي المعروف وتدور حول قضايا أخلاقية صوفية. المحاضرة الخامسة تناولت شمس الدين محمد المعروف بحافظ الشيرازي المولود العام 726ه في شيراز، وتوفى والده وهو صغير فبعثت به أمه إلى أحد وجهاء المدينة ليرعاه. لكن معاملة الوجيه لم ترقه، فاضطر إلى تركه والعمل "صبي خباز" فهيأ له عمله الالتحاق ببعض حلقات العلم ومن ثم أصبح من أهم شعراء الصوفية. ومع أن المحاضرات تحتوي على صيغة شعرية من دون الغوص عميقاً في فكر الشعراء الذين طرحهم عنايت، فإن الأشعار التي وضعها كلمان باركس اعطت صورة مهمة لطبيعة هذا الفكر ولوظائف الشعر الصوفي.