يتجول السياح المعتادون على مزاولة لعبة ال "مونوبولي" البريطانية، وليس الأميركية، في شوارع لندن التي اعتادوا "شراءها" من بارك لين وبال مال والستراند ويسعدون بجمال الشوارع وما تعيد الى ذاكرتهم من ايام قضوها في عطلة الصيف يتنافسون مع افراد عائلتهم على شرائها اثناء مزاولة اللعبة. هناك سبب اخر يمكن ان يزيد من استمتاعهم بهذه الشوارع ان انتبهوا اليها وهي اللوحات التذكارية الزرقاء او البنية الملصقة بعمارات متعددة تنبه الى التاريخ الخاص بالعمارة والشارع وتسمي اهم من عاش فيها، او، ما عاصرته من أحداث. فيستطيع السائح ان اراد ان يسير بدرب حول لندن فيرى مقر سكن اهم كتاب الادب أو علماء النفس أو الوزراء وغيرهم من الشخصيات التي أثرت على حياتنا بطرق مختلفة. المدينة الملفّعة بالضباب كانت لسنوات طويلة محور العالم ومقر حكم أكثر من ثلثي المعمورة. في ذاكرتها ملامح الأشخاص الذين خاضوا لعبة السلطة والشهرة، وكانوا أعلام بارزة في حياة هذه المدينة وجزءاً من وجدانها. ديريك سوميراي لندني شغفته في زوايا المباني والحارات والشوارع لوحات معدنية ملونة تحمل أسماء ومعلومات تزيد الطابع التاريخي لهذه المدينة التي يؤمها أكثر من 20 مليون سائح سنوياً. سوميراي أعد كتاباً أطلق عليه "اكتشاف لوحات لندن التذكارية" صادر عن دار نشر شاير. وفيه يقدم معلومات شاملة عن اللوحات التذكارية في لندن والمرتبة ابجدياً في أسلوب يأخذ في الاعتبار اللقب العائلي للشخصية اواسم الحدث المشهور. ويعيد الكاتب بعد ذلك ترتيب هذه اللوحات في ثلاثة ملاحق بحسب المهنة أو الحدث، ثم حسب الشوارع واخيراً حسب العنوان البريدي للوحة التذكارية. ففي شارع بارك لين المشهور، كما يخبرنا الكاتب، عاش بنجامين دزرائيلي، رئيس وزراء بريطانيا المسؤول عن شراء قناة السويس وعن تنصيب الملكة فكتوريا امبراطورة الهند. وتقوم لوحة تذكارية تتحدث عن إقامته في المنزل رقم 93 حيث عاش عام 1939 واستقر بعد زواجه. عند رقم 140 من الشارع نفسه تشير لوحة إلى أن المكان كان مركز عمل كيث هول وهو احد رواد استخدام العدسات اللاصقة لتصحيح النظر ، وقطنت في رقم 63-64 من شارع بارك لين الممثلة آنا نيغال مع زوجها المنتج والمخرج هربرت ويلكوكس الحائز على جائزة الفيلم الوطني اربع مرات. وهما عاشا في المنزل من عام 1950 الى عام 1964. اما شارع بال مال الشهير والراقي ففيه لوحتان احداهما للرسام توماس جينزبورا الذي قطن في رقم 82 من الشارع بين عامي 74-8817 والممثلة نيل جوين التي قطنت في رقم 80 في منزل كان في هذا الشارع بين عامي 1671-1687، واشتهر عنها كونها عشيقة الملك تشارلز الثاني وام ابنه غير الشرعي شارلز بوكلرك. اما اذا اراد القارىء اختيار طريقه الخاص بعيداً عن ذكريات "المنوبولي" البريطانية واختطاط طريق يأخذه قرب اماكن سكن او عمل الكتاب ففي الكتاب ذكر لأكثر من مئة لوحة في لندن فقط. تبدأ بالكاتبة جين اوستين كاتبة "ايما" و"غرور واجحاف" وهما روايتان وجدتا طريقهما إلى الشاشة اكثر من مرة، وينتهي بالكاتب الفرنسي اميل زولا الذي عاش قرابة العام في فندق "كوينز" في رقم 122 من شارع شيرش بعدما هرب اثر كتابته "انا أتهم" ومحاربة السلطات له. اما اذا احب السائح ان يزور مقر سكن رؤساء وزارة سابقين ففي لندن لوحات لثلاثة وعشرين رئيساً للوزراء اهمها لونستون تشرتشل رئيس وزراء بريطانيا ايام الحرب العالمية الثانية، الذي عاش في اماكن عدة بينها منطقة ساسكس سكوير وشارع هايد بارك غيت، وهي مواضع رفعت فيها لوحات تذكارية. وقد يكون من المهم بمكان الاطلاع على ما ورد في مقدمة الكتاب الذي يشير إلى أن أول من بدأ وضع اللوحات التذكارية الرسمية في لندن كان "الجمعية الملكية للفنون" عام 1867 بتشجيع من النائب آنذاك ويليام إيوارت. وعلى مدى 37 عاماً نصبت الجمعية 36 لوحة تذكارية. وأقدم اللوحات التي لا تزال قائمة حتى الآن اثنتان نصبتا عام 1875 وتخصان نابليون الثالث والشاعر جون دريدن. وعام 1901 تسلم مجلس اقليم لندن مسؤولية نصب اللوحات التذكارية. وعلى مدى 64 عاماً، وهي المدة التي سبقت تسليم المسؤولية إلى مجلس لندن الكبرى عام 1965، ارتفع عدد اللوحات إلى 298 لوحة تذكارية. وكان أغلبها مرتبطاً بأحداث ذات طابع رسمي. ومنذ عام 1985 تاريخ حل مجلس لندن الكبرى وحلول مجلس التراث الانكليزي مكانه في هذه المهمة جرى نصب 12 لوحة رسمية سنوياً، مما أوصل العدد الاجمالي للوحات التذكارية في لندن الكبرى إلى 700 لوحة رسمية، وهذا يعني أن الكتابة عليها تتم باللونين الأبيض والأزرق. ومنذ مطلع القرن الجاري دأبت المجالس المحلية والبلديات، علاوة على الأفراد، على نصب لوحاتها التذكارية الخاصة في مختلف المواضع. وهناك لوحات عدة تزين المباني التاريخية في لندن، في حين أن اللوحات التي أقامها مجلس مدينة "ويستمنستر"، وهو الحيز الجغرافي الذي يطلق عليه اسم مدينة والذي يتوسط لندن، تحمل اللون الأخضر. وبالامكان مشاهدة لوحات من كل الألوان والأحجام تزين العاصمة البريطانية تطالع الزوار أينما التفتت وجوههم. والمدهش، لدى مطالعة فهرس المهن، أن أقل عدد من اللوحات التذكارية ثلاث لوحات فقط يخص الشخصيات الوهمية. وبين هذه الشخصيات شارلوك هولمز، وعنوانه موجود في حي يقصده العرب ممن يزورون لندن بكثرة، وهو شارع بايكر ستريت عند الرقم 221 ب. وعنوان المقر الذي ورد ذكره في الروايات الخيالية للتحري الشهير ورد في الروايات التي كتبها آرثر كونان دويل. والمنزل ملكية خاصة وجرى تحويله إلى متحف يضم أشياء تعود إلي الشخصية الوهمية، ويقصده محبو شارلوك هولمز من مختلف أنحاء العالم. أما أكبر عدد من اللوحات التذكارية 134 لوحة فيخص المواضع والصروح التاريخية . ويصل عدد اللوحات الخاصة بالشخصيات الادارية إلى 105 لوحات ومثله للروائيين مقابل 91 لوحة لممثلي السينما والمسرح و40 للفنانين الاستعراضين والممثلين، مما يعطي دلالة واضحة على الأهمية المتفاوتة التي يحتلها تكريم أصحاب السلطة الادارية وأصحاب الابداع في عاصمة الضباب. وتحظى الشخصيات الملكية ب 11 لوحة والبحارة بينهم الاميرال نلسون ب 14 لوحة فقط. اما الصحافيون والناشرون فيحظون ب 32 لوحة والحقوقيون ب 16 لوحة والفلاسفة بسبع لوحات واهل الطب ب 62 لوحة والموسيقيون ب 71 لوحة والمحسنون الخيريون والمصلحون ب 67 لوحة. اما الشعراء فيحظون ب 78 لوحة ومنظرو الاقتصاد السياسي ب 19 لوحة والمصورون بسبع لوحات والراقصون بخمس فقط، في حين نصبت ست لوحات لمشاهير عالم الطيران ورواده. ولا يحمل كل هذه اللوحات أسماء بريطانية محضة، فلندن عاصمة عالمية وزوارها من كل الجنسيات، واللوحات تشبه خرائط تعيد رسم حركة القدوم والرحيل عن معالمها. وتُفتقد الاسماء العربية بقوة في اللوحات التذكارية المعلقة في أرجاء لندن، علماً أن لوحات الزوار والأجانب التي تحفل بها لندن تبلغ 106 لوحات وأن بينها البعض الذي يأتي على ذكر شخصيات اسرائيلية.