أدى عدم فهمنا، كأمة عربية، لطبيعة الصراع بيننا وبين اسرائيل الى هزائمنا المتكررة امامها. حيث تصورنا اننا سوف ننتصر عليها بمجرد ان نمتلك جيوشاً تفوق في اعدادها وعدتها ما تملكه، وكان من جراء ذلك ان تركنا جانباً المشاريع التنموية الضرورية تحت شعار لا صوت يعلو على صوت المعركة! وأخذنا نعد العدة للانتصار عليها ولم نع حقيقة مهمة هي ان الصراع بين العرب واسرائيل صراع حضاري وليس صراعاً عسكرياً فقط. بمعنى انه في جميع اوجه الحضارة السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فكان من قصور فهمنا ان ركزنا على الجانب العسكري فقط ظناً منا بأن المنتصر في المعركة سوف ينتصر نهائياً. وتبين لنا انه بعد انتصارنا في حرب عام 1973 وهو انتصار بكل المقاييس مقارنة بهزيمة 5 حزيران يونيو 1967، اننا لم نستطع ان نهزم اسرائيل حضارياً، بل العكس فبعد اربع سنوات فقط من النصر وقع رئيس اكبر دولة عربية اتفاقية "كامب ديفيد" وهي هزيمة بكل المقاييس. كل ذلك حدث نتيجة عدم اعترافنا بواقعنا المتخلف. نحن متخلفون كثيراً عن اسرائيل في جميع المجالات. وأول خطوة على الطريق الصحيح الاعتراف بهذا الواقع ثم العمل على تصحيحه وعدم المكابرة وإلقاء اللوم على اطراف اخرى غير ذات تأثير، وربما تكون مؤثرة لكن تخلفنا وعدم فهمنا لواقعنا هو السبب الرئيسي لجميع النكبات التي توالت على امتنا العربية. كان للمشروع القومي في الستينات اثر كبير في تضخيم الذات العربية واعطائها حجماً اكبر من حجمها الحقيقي، ان مقارنة سريعة بين النظام السياسي لاسرائيل وأي من الانظمة السياسية العربية كفيلة بأن توصلك الى النتيجة التي وصلنا لها بعد اربع حروب مع اسرائيل. ان الناتج المحلي الاجمالي لاسرائيل يزيد عن الناتج المحلي الاجمالي لأربع دول عربية هي مصر والأردن وسورية ولبنان، كما ذكرت مجلة "Business Week" الاميركية في احد اعدادها الصادر في نهاية عام 1995. ان انشاء اسرائيل واد للصناعات الكومبيوترية الدقيقة شبيه بوادي السليكون في كاليفورنيا Silicon vally يمثل سبقاً حضارياً على حساب الأمة العربية يزيد من سوداوية الحاضر وغموض المستقبل بالنسبة الينا نحن العرب، وقد بدأت الشركات العالمية الاستثمار فيه. كذلك فان عدد المعاهد العلمية المتخصصة في اسرائيل يفوق عدد المعاهد العلمية في اي دولة عربية. ان اسرائيل تنفق على البحث والتطوير مبالغ اكبر من ميزانيات بعض الدول العربية، ناهيك عن القطاع الزراعي المتطور، مروراً بمشاريع المياه التي تعمل اسرائيل على الانتهاء منها قريباً. لذلك فإن الحماسة لعملية السلام من جانب الحزب الاسرائيلي الحاكم ليست عملاً اعتباطياً. انهم يدركون مدى حاجتهم اليه استراتيجياً. ان اسرائيل تنوي ان تتحول الى ورشة منتجة في وسط بحر من المستهلكين الاثرياء "العقول في اسرائيل والبشر والمال لدى العرب" كما قال بيريز. هذا ما يعنيه السلام لدى اسرائيل، اما بالنسبة الينا نحن العرب فهو امر فرضه واقعنا المتخلف وليس سلام الأقوياء. الحل العسكري كخيار ليس في يد العرب بل اصبح الآن في يد اسرائيل من خلال استطاعتها الوصول الى اي مدينة عربية من الخليج الى المحيط بواسطة الصواريخ النووية والقنابل الذرية. ولم يعد للعرب بدّ سوى ركوب موجة السلام غير مختارين، وأنا على يقين بأن الصراع سيبدأ بعد الانتهاء من هذه العملية الشكلية، اي عملية السلام. ولكن، يجب ان نعي بأنه من دون مشروع حضاري تنموي شامل ينتشل الأمة العربية من واقعها المتخلف الى مستقبل افضل لن نستطيع الحصول على اي مكسب مهما كان محدوداً، نظراً لانقلاب الموازين لمصلحة اسرائيل. المشروع الحضاري يجب ان يأخذ في اعتباره اولاً مشاركة الانسان العربي في صنع القرار من خلال اصلاح الانظمة السياسية العربية، ولعل الوتر الحساس الذي تعزف عليه اسرائيل والذي اكسبها عطف ومساندة الغرب، كونها دولة ديموقراطية وسط حزام من الانظمة الاوتوقراطية. وهناك دراسة مشهورة اعدها فريق متخصص من جامعة هارفارد بطلب من هنري كيسنجر حين كان وزيراً للخارجية الاميركية لسبر اغوار المنطقة وكيفية التعامل مع انظمتها، عنوانها "السوق والخيمة" والسوق هنا ينطبق على المجتمعات العربية اما الخيمة فهي السلطة ومركز القرار. ونصحوا كيسنجر بالذهاب مباشرة الى الخيمة وعدم الالتفات الى السوق، ومن خلال اقناع صاحب الخيمة فإن القرار سيسري على السوق. في حين ذكروا ان القرار في اسرائيل يمر خلال قنوات الكنيست والتصويت ويتطلب جهداً اكبر. ولقد نجح كيسنجر في مهمته ايما نجاح. المشاركة السياسية تقوي النظام وتجعله في منأى من التقلبات العنيفة التي قد تعصف به خلال عزلته. وتطور المجتمعات اليوم يقاس بدرجة المشاركة السياسية في صنع قراراتها، فالنظام السياسي هو قمة هرم المشروع الحضاري، مع ايماني بضرورة التدرج في ارساء مبدأ المشاركة السياسية وعدم القفز لمحاولة الوصول الى ما وصلت اليه مجتمعات متقدمة متناسين ظروف مجتمعاتنا، ولكن، من الضرورة بمكان اعتناق المبدأ والعمل على تطويره. ايضاً يجب ان يأخذ المشروع في اعتباره الاقتصاديات العربية وإصلاحها. * كاتب قطري