يصل تباعاً إلى المغرب عشرات الآلاف من المهاجرين المقيمين في أوروبا لقضاء عطلة الصيف السنوية جرياً على عادة قديمة تعود إلى الأجيال الأولى من المهاجرين في الستينات والسبعينات. ويتوقع المغرب أن تصل قيمة تحويلات المهاجرين السنة الجارية إلى حدود 5.2 بليون دولار. ومن المنتظر أن يبلغ عدد الوافدين الصيف الجاري أكثر من مليون شخص، أغلبهم من دول الاتحاد الأوروبي التي يقطنها حوالي مليوني مغربي غالبيتهم في فرنسا ودول البنلوكس وايطاليا واسبانيا والمانيا. ويفضل المهاجرون الطرق البرية والبحرية التي تمكنهم من السفر بسياراتهم الشخصية ونقل عائلاتهم والهدايا المختلفة للأقارب والأصدقاء. وتتوقع "مؤسسة الحسن الثاني للمهاجرين"، التي ترأسها الأميرة لالة مريم، وصول 2.1 مليون مهاجر في نحو 400 ألف سيارة تعبر في أغلبها موانئ طنجة وسبتة وبني انصار في الناضور على البحر الأبيض المتوسط، بينما تمثل الرحلات الجوية نسبة مهمة في نقل المهاجرين القاطنين في شمال القارة الأميركية ودول الخليج والشرق الأوسط. وتقدر الاحصاءات اجمالي عدد المهاجرين المغاربة في العالم بنحو عشرة في المئة من مجموع السكان، أي أن مغربي من كل عشرة يعيش في الخارج. وتشير إلى تنوع النشاطات بين العمل والتجارة والدراسة والرياضة والخدمات. ويمثل الشباب والأطفال الذين تقل أعمارهم عن 25 سنة نسبة 58 في المئة من مجموع المهاجرين، بينما تستحوذ فرنسا على نسبة 37 في المئة من مجموع المهاجرين بسبب العلاقات التاريخية. وكان عدد المهاجرين المغاربة تراجع كثيراً في دول الخليج منذ الغزو العراقي للكويت وخروج نحو 6000 مغربي كانوا يعملون في تلك الدول. وتمثل تحويلات المهاجرين حالياً أحد أهم مصادر المغرب من العملة الصعبة، وبلغت العام الماضي نحو 2.2 بليون دولار ما يجعلها في مقدم المصادر قبل صادرات الفوسفات 7.1 بليون دولار وعائدات السياحة 8.1 بليون دولار. كما تشكل مشاريع المهاجرين نسبة مهمة من الاستثمارات الصغرى والمتوسطة التي يطغى عليها جانب العقار والسياحة والخدمات الفندقية والصناعات الخفيفة. وتتيح التحويلات تمويل نحو ربع تجارة المغرب الخارجية وتعويض فارق عجز الميزان التجاري، خصوصاً مع دول الاتحاد الأوروبي. ومن المتوقع أن يساهم رفع حجم التحويلات السنة الجارية في تعويض ارتفاع أسعار النفط في السوق الدولية وزيادة ثمن الحبوب التي يضطرر المغرب لاستيراد كميات إضافية منها بسبب الجفاف وتقلص الانتاج الزراعي. وتقدر فاتورة القمح بنحو 400 مليون دولار، بينما بلغت تحويلات المهاجرين في الثلث الأول من السنة نحو 700 مليون دولار. وتظهر الاحصاءات أن تحويلات المهاجرين ازدادات العام الماضي بنحو 300 مليون دولار، وهي مرشحة للارتفاع سنة 1999 لتقترب من 5.2 بليون دولار بفعل تحسن وضعية المهاجرين في بلاد الإقامة وعودة اهتمامهم بالاستثمار في المغرب قياساً لما كان عليه الحال عام 1997. ويملك المهاجرون ودائع واستثمارات في دول الإقامة تقدرها بعض الجهات بما يراوح بين ستة وسبعة بلايين دولار، ما يجعل منها جالية متوسطة الدخل قياساً إلى جاليات أخرى غير أوروبية. وتتركز الاستثمارات المغربية في الخارج في فرنسا التي فيها 55 في المئة من اجمالي المشاريع المغربية في الخارج، تليها هولندا بنحو 9 في المئة وبلجيكا 7 في المئة وايطاليا 7 في المئة والمانيا 5 في المئة وبريطانيا 2 في المئة وأميركا الشمالية 2 في المئة. وتشكل المحلات التجارية والمطاعم والفنادق والخدمات السياحية نسبة 26 في المئة من مجموع مشاريع المهاجرين المغاربة في أوروبا وشمال القارة الأميركية، تليها الصناعة 17 في المئة والنقل 7 في المئة ومحطات المحروقات وخدمات السفر 7 في المئة والتعليم والتكنولوجيا 4 في المئة. كما تظهر الاحصاءات ان 91 في المئة من مجموع تحويلات المهاجرين تأتي من دول الاتحاد الأوروبي ثم الدول العربية 8.6 في المئة وأميركا الشمالية 7.1 في المئة وتمثل فرنسا وحدها نحو 64 في المئة من مجموع التحويلات. وانخفاض فرص الهجرة والعمل أمام الأجيال الصاعدة الراغبة في السفر، أضر بسوق العمل المغربية وساهم في ارتفاع حجم بطالة الشباب المقدرة بنحو 22 في المئة داخل المدن. وكان الاتحاد الأوروبي قبل اتفاقية شنغن يمتص سنوياً حوالي 50 ألف مهاجر مغربي، لكن الرقم تقلص بشكل كبير في التسعينات، وأضحى السفر عبر قوارب الموت بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط رهاناً محفوفاً بالمخاطر، وقضى غرقاً العام الماضي أكثر من ألف مرشح للهجرة. وتعتقد أوساط مغربية رسمية ان موضوع الهجرة يحتاج إلى مفاوضات لاحقة مع الاتحاد الأوروبي في طرق جديدة لمعالجته في إطار الفهم الجديد لحقوق الإنسان السياسية والاقتصادية واتفاقات الشراكة التجارية والأمنية والثقافية.