أثارت مقالات عدة للكاتب المصري الدكتور مصطفى محمود نشرتها أخيراً إحدى الصحف المصرية، ينكر فيها شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم للعصاة من أمته يوم القيامة، استياء علماء الأزهر. وألحقت مجلة "الأزهر"، بعددها الصادر في بداية شهر تموز يوليو الجاري في القاهرة، كتيباً يتضمن ردوداً على تلك المقالات تحت عنوان "لا... بل الشفاعة ثابتة"، أعده الشيخان عبدالمعز الجزار وعبدالحفيظ عبدالحليم. ومن جانبه جمع الدكتور مصطفى محمود مقالاته حول الموضوع نفسه، وبعض الردود عليها، في كتاب أصدرته دار "أخبار اليوم" في بداية الشهر الجاري ايضاً تحت عنوان "الشفاعة... محاولة لفهم الخلاف القديم بين المؤيدين والمعارضين". وفي تقديمه لكتابه، يؤكد مصطفى محمود أن ما كتبه في شأن الشفاعة هو "محاولة للفهم" و"اجتهاد قد يصيب وقد يخطىء". اما ناشر الكتاب نفسه فيشير في مقدمته الى أن "اشكالية الشفاعة هي موضوع قديم تناولته الفرق الاسلامية وخاض فيه المفكرون من كل اتجاه. وسبب الاشكال هو أن القرآن ينفي الشفاعة في الكثير من آياته المحكمة نفياً مطلقاً، وفي آيات أخرى يذكرها مقيدة ومشروطة بالإذن الالهي. بينما تروي لنا الأحاديث النبوية أن محمداً، صلى الله عليه وسلم، يقف شفيعاً يوم القيامة للمذنبين ولأهل الكبائر من أمته، وأن الله يقبل شفاعته. وتتواتر الأحاديث بهذا المعنى بصياغات مختلفة في البخاري وغيره، ويقف المسلمون أمام الاختيار الصعب بين النفي القرآني وبين ما جاء في السنة". وتصدّر كتيب مجلة "الأزهر" رأي شيخ الأزهر الدكتور محمد سيد طنطاوي في هذه المسألة، وخلاصته أن الدكتور مصطفى محمود اختلط عليه الأمر بين الشفاعة في الكُفّار والشفاعة في العصاة. وقال الدكتور طنطاوي: "من وجهة نظري لا يجوز لمسلم أن ينكر شفاعة النبي محمد - صلى الله عليه وسلم - لأنها ثابتة ثبوتاً لا يصح التشكيك فيه. وفي الوقت نفسه نقول لمن يشكك: ما فائدة هذا التشكيك، فلا يوجد عاقل يقول إن الشفاعة معناها الاتكال، وعدم القيام بأداء ما كلفنا الله به من فرائض ومن سلوكيات فاضلة وأخلاق حميدة". وأضاف: "ان الشفاعة تكريم للنبي - عليه الصلاة والسلام - والله، عز وجل، لا يُسأل عما يفعل. وايماننا العميق بشفاعة الرسول في العصاة من أمته لا يمنع من الدعوة الى طاعة أوامر الله واجتناب نواهيه. وفي هذه الحال لن يستفيد المنكرون للشفاعة شيئاً من الإنكار. اما نحن الذين نؤمن بشفاعة الرسول، فهذا يفيدنا ولا يضرنا". وخلص شيخ الأزهر الى ان الاعتراف بالشفاعة لا ينفي المداومة على العمل الصالح، بدليل قول الله سبحانه وتعالى: "ونودوا أن تلكم الجنة أورثتموها بما كنتم تعملون". ومن جانبه انتقد الدكتور أحمد عمر هاشم رئيس جامعة الأزهر استدلال الدكتور مصطفى محمود بالآيات الواردة في شأن الكافرين على عدم الشفاعة، ومنها الآية الرقم 167 من سورة البقرة: "وما هم بخارجين من النار"، والآية الرقم 19 من سورة الزمر: "أفأنت تنقذ من في النار". وانتقد كذلك تشكيك مصطفى محمود في "صحيح البخاري"، مشيراً الى "انها دعوة خطيرة تلك التي ترفض أصحّ كتاب بعد كتاب الله تعالى وهو كتاب صحيح البخاري الذي تلقته الامة بالقبول، وليس فيه حديث واحد ضعيف". وأشار عضو مجمع البحوث الإسلامية الدكتور عبدالرحمن العدوي الى ان "إنكار الشفاعة له جذور سابقة، فالخوارج والمعتزلة وضعوا قاعدة للجزاء العقلي، والتحسين والتقبيح العقليين، فقالوا: إذا فعل الإنسان حسناً فالعقل يقول انه يُجزى على فعله، واذا فعل سيئة فالعقل يقول إنه يعاقب على فعله. هذا هو العقل وهذا هو العدل ايضاً، ولكن الفضل بيد الله - عز وجل - يعطيه من يشاء". واضاف أن من عظيم الفضل شفاعة رسول الله لأمته، والله سبحانه وتعالى أورد الشفاعة في آيات كثيرة، وبيّن انه يأذن بها لبعض عباده، اذ قال: "ولا يشفعون الا لمن ارتضى" 28 - سورة الانبياء، وقال في سورة البقرة "من ذا الذي يشفع عنده إلا بإذنه". أي انه سبحانه وتعالى - يقول العدوي - يأذن لبعض عباده بأن يشفعوا في من يريدون الشفاعة لهم وذلك إكراماً ليشفع العلماء ويشفع الشهداء مصداقاً لقوله "من يشفع شفاعة حسنة يكن له نصيب منها" النساء - 85.