كل سنة تدفع جامعة لبنانية حكومية واحدة، هي الجامعة اللبنانية، وحوالى اكثر من عشر جامعات خاصة، الى سوق العمل، بأكثر من الف متخرج يحملون انواع الشهادات في حقول الطب والهندسة وعلوم الاقتصاد والسياسة والاجتماع والاعلام، لكنهم يصطدمون بواقع صعب عندما لا تجد نسبة كبيرة منهم عملاً، فيضطرون للتطلع الى الخارج اما سفراً موقتاً او هجرة دائمة. هذا ما كشفته دراسة احصائية اجرتها "مؤسسة دار المشعل للبحوث والدراسات" التي تبين لها ان 58 في المئة من متخرجي الجامعات اللبنانية يتطلعون للخارج للعمل ولبدء مستقبلهم. تقول فتاة متخرجة حديثاً: "مرت ثلاثة اشهر على التقاط الصور التذكارية لي ولعدد من زملائي من متخرجي الجامعة الاميركية في حقل الهندسة، من دون ان نعثر على عروض مناسبة للعمل في مهنتنا على رغم اني كنت من الأوائل والمتفوقين، اذ كان افضل عرض عمل هو 600 دولار في الشهر في عقد لسنتين لن يصل الراتب فيهما الى حدود السبعمئة دولار، فكيف يمكننا ان نعيش انا وأهلي الذين راهنوا على علمي لمتابعة عيش افضل لي ولهم؟ لذا بدأنا مجدداً رحلة التفتيش عن ديون جديدة لأتمكن من نيل تأشيرة سفر للخارج مع بطاقة سفر للعمل في بلد عربي او أوروبي، تماماً كما كنا نفتش عن قروض وديون لمتابعة الدراسة الجامعية ذات التكلفة العالية جداً في لبنان". هذه شهادة واحدة ممن شملتهم هذه الدراسة الاحصائية الميدانية، ومثلها الكثير. من هنا جاءت نتيجة هذه الدراسة لتكشف عن تطلع نسبة كبيرة من الشباب اللبنانيين الجامعيين للعمل في الخارج، هذا اذا توافر ايضاً، فهو حلم صعب، في رأي بعض من شملتهم الدراسة، بعد تراجع سوق العمل في دول الخليج العربية، وبعد الصعوبات التي تسببت بها قوانين الهجرة للدول الأوروبية. الدراسة شملت 76 شاباً، منهم 16 تخرجوا العام الماضي 1998 والباقون 60 شاباً في العام الحالي 1999. أربعون من هؤلاء من الجامعة اللبنانية، وعشرون من الجامعة الاميركية وعشرة من جامعة بيروت العربية وستة من الجامعة اليسوعية. وكان السؤال: بعد ان تخرجت او تستعد للتخرج، اين سيكون مستقبلك؟ ولماذا؟ والطلاب الذين شملتهم الدراسة: 15 في حقل الطب، 17 هندسة، 30 في حقل الاقتصاد وادارة الأعمال والمحاسبة، و6 في علمي السياسة والاجتماع، و8 في الاعلام بكل تفرعاته من صحافة وإذاعة وتلفزيون وعلاقات عامة وإعلان. وجاءت النتائج على النحو الآتي: - 85 في المئة اجابوا انهم يتطلعون للعمل خارج لبنان. ورداً على سؤال: أين؟ تبين ان 41 في المئة منهم يتطلعون للسفر الى كندا، 20 في المئة الى استراليا، 13 في المئة الى اميركا، 12 في المئة الى الدول الأوروبية، 3 في المئة الى الدول العربية، و11 في المئة لا يعرفون الى اين وان كل الامكنة تناسبهم بما فيها افريقيا. - 15 في المئة من المجموع العام قالوا انهم يتطلعون للعمل في لبنان. وقال 12 في المئة من هؤلاء ان العمل في لبنان افضل لهم، و3 في المئة قالوا ان اعمالهم جاهزة تنتظر تخرجهم. ورداً على سؤال للذين يتطلعون للعمل في الخارج عن سبب تطلعهم ذاك، جاءت الاجابات كما يلي: - 60 في المئة من هؤلاء قالوا انه لا توجد مجالات للعمل في لبنان فهناك ازمة اقتصادية. - 25 في المئة قالوا ان البلد ما زال مهدداً في امنه، وبالتالي لا مجال للعمل فيه. - 6 في المئة رأوا ان هناك اسباباً عديدة تحول دون نجاح اي عمل فما زالت هناك محسوبية ورشوة وفوضى وعدم استقرار وهذه كلها لا تستقيم معها الأعمال. - 5 في المئة لديهم اقارب في الخارج وهذا يمكنهم من ايجاد عمل. - 4 في المئة رأوا ان الخارج افضل من دون ايضاح سبب ذلك. اما الذين وجدوا امكانية للبقاء في لبنان والعمل فيه وهم 15 في المئة فجاءت اسباب ذلك في رأيهم على النحو الآتي: - 85 في المئة قالوا ان البلد بلدنا ووطننا ونرى امكانية للعمل فيه ويجب العمل فيه. - 9 في المئة رأوا ان هناك اعمالاً لمن يريد ان يعمل في بلده ولو بأجر محدود لأن ذلك افضل. - 3 في المئة قالوا ان هناك وظائف يمكن ان يتقدموا اليها ولهم من يساعدهم في ذلك بفعل ولاءات عائلية وسياسية. - 3 في المئة قالوا انهم سيتابعون اعمال اهلهم في المهن نفسها التي تخرجوا فيها وخصوصاً الطب والهندسة وادارة الأعمال والشركات. ويقول خبير مختص، بعد قراءة هذه الأرقام، ان نسبة كبيرة من اقوال هؤلاء الشباب قريبة من الواقع، فمجالات العمل في لبنان لا تستوعب حوالى اكثر من الف متخرج من الجامعات هذه الأيام. حتى في السابق وقبل الحرب، اي قبل السبعينات، كان عدد المتخرجين اقل ولم يكن البلد يستوعبهم وكان عدد منهم يتوجه الى دول الخليج العربية، فكيف الحال الآن بعد اضطراب اقتصاد البلد وزيادة عدد المتخرجين؟ ان النزف الذي شهده لبنان بفعل هجرة اصحاب المهن، وما يعرف بالادمغة، خلال الحرب لم يتوقف على رغم انتهاء تلك الحرب، لكن نسبته قلّت، في حين ان عدد المتخرجين من الجامعات اصحاب المهن زاد عددهم بسبب زيادة عدد الجامعات واعداد الذين دخلوا اليها. الى جانب ذلك فان الاقتصاد اللبناني بعد الحرب لم يوفّر مجالات عمل لمتخرجي الجامعات الا بنسبة محدودة جداً. وعن رأيه في معالجة هذه المشكلة قال الخبير المختص ان الاقتصاد اللبناني كله يحتاج لاعادة نظر تستهدف تحويله الى اقتصاد انتاجي صناعياً وزراعياً بدل ان يبقى استهلاكياً مثقلاً بالديون وعند ذاك يمكنه استيعاب خريجي الجامعات بنسبة كبيرة.