إن كان العالم كله، بساسته ومفكريه وعلمائه، فجع اهول ما تكون الفاجعة برحيل الملك الحسن الثاني، وإن كان هول المصاب أصاب المغاربة جميعهم بحزن وأسى عميقين، فإن الرياضة والرياضيين المغاربة فقدوا فوق هذا وذاك ملهمهم الأول وسندهم الأول ورياضيهم الأول. كان الملك الحسن الثاني زعيماً موسوعياً بكل ما تحمله الكلمة من معنى... معارفه في شتى مجالات المعرفة تبهر السامع اليه والمتحدث معه. وظلت الحِكم التي نطق بها في مناسبات رياضية كثيرة، علامة بارزة في الفكر الرياضي المغربي. تربى العاهل المغربي الراحل على حب الرياضة والرياضيين... مارس هوايات رياضية كثيرة من ركوب الخيل والسباحة والقنص الى ان صارت الغولف عشقه الرياضي الكبير، حتى انه كان يستقبل العديد من ضيوفه في ملاعبها. وطوال فترة ملكه، ظل العاهل الراحل على صلة وثيقة بالرياضة والرياضيين، وتحول نهائي كأس العرش لكرة القدم الى رابطة مقدسة تجمع الرياضيين المغاربة برياضيهم الأول، وأصبح حلم كل بطل مغربي هو بلوغ هذا اليوم الذهبي. وعبر مناسبات كثيرة، تجلت العبقرية الملكية في أبهى صورها.. ففي عام 1983، وصباح اليوم الذي كان منتخب المغرب لكرة القدم يستعد للعب على ذهبية الألعاب المتوسطية التاسعة التي احتضنها المغرب، استقبل العاهل الراحل افراد المنتخب المغربي وفاجأهم بحديث لا يتقنه الا المدربون. وحتى الآن يذكر نجوم المغرب من بادو الزاكي الى عزيز بودربالة توجيهاته التي كانت ذا طبيعة فنية محضة... ويذكر المغاربة جميعهم المباراة الكبيرة التي أداها المنتخب المغربي يوم ذاك امام منتخب تركيا، حيث كان الفوز حليفهم 3 - صفر، وكان الأداء الفني مبهراً ومفاجئاً. وخلال نهائيات كأس العالم عام 1986 في المكسيك ، اجرى الملك الحسن اتصالاً هاتفياً بنجوم المنتخب الذين سجلوا انجازاً تاريخياً عندما تصدروا مجموعتهم وتأهلوا الى الدور الثاني في انجاز لم يسبقهم اليه اي منتخب عربي وأفريقي. وبعد ان قدم المغفور له تهانيه وتهاني الشعب المغربي الى اللاعبين، سألهم عن المنتخب الذي سيواجهه "اسود الأطلس" في الدور القادم، فقيل له انه المانيا. فكان جوابه: "كنت أتمنى ان تكون الدنمارك". ولما سئل عن السبب اجاب على الفور: "ألمانيا منتخب يصعب السيطرة عليه. فهو يجيد الحراسة اللصيقة ولا يترك مساحات كثيرة لخصمه". وصدق تحليل الملك الراحل... فقد وجد المنتخب المغربي صعوبة كبيرة في احتواء المنتخب الألماني وانهزم أمامه بهدف للوثار ماتيوس من ركلة حرة، فيما تعرض منتخب الدنمارك لخسارة عريضة امام منتخب اسبانيا. ويذكر البطل العالمي هشام الكروج سنة 1996، وتحديداً سقطته الحزينة في نهائي سباق 1500 متر في اولمبياد اتلانتا. فقد كان العاهل الراحل اول المتصلين به ليخفف عنه قوة الصدمة... كانت كلمات الملك كشلال يفيض بلسماً عندما قال للكروج: "المغاربة جميعهم يعتبرون انك انت الفائز وأنت صاحب الميدالية الذهبية... انت بطل هذه المسافة بلا منازع". وانطلق هشام الكروج مهتدياً بهذا النبراس الوهاج ليصبح فيما بعد اسطورة هذه المسافة. ويذكر البطلان العالميان نوال المتوكل وسعيد عويطة كل ما احاطهما به العاهل الراحل من عناية فائقة، فخصص لهما على الدوام استقبالات شعبية، وردد اسمهما كلما أراد الحديث عن الاستثمار في الشباب المغربي، بل كان سباقاً كزعيم دولة الى الحديث في وقت مبكر عن ضرورة الاستثمار في الرياضة باعتبارها مجالاً للتنمية ولتطوير الشباب ولرفع راية المغرب وإسماع صوته بين الأمم. وكما كان المغفور له ولوعاً بالرياضة، محباً للرياضيين، فقد ورّث ولي عهده الملك محمد بن الحسن احتضان الرياضيين وممارسة الرياضة، وهو يجد في الرياضات البحرية بكل انواعها مصدر عشق.