شهدت مدينة سوسة في نهاية الأسبوع مباراة ودية بين فريق النجم الساحلي، نادي عاصمة الوسط، وفرايبورغ الألماني، وسط حضور جماهيري قياسي في راحة الصيف تجاوز 25 ألف متفرج من أهالي المدينة والسياح الزائرين للتمتع بشاطئ بوجعفر المشهور، وقد انتهت بالتعادل 1-1. وكان تنظيم هذه المباراة بمبادرة من صانع ألعاب النجم السابق زبير بية المحترف في الدوري الألماني بصحبة المهدي بن سليمان وعادل السليمي ومروان قزمير الذي كان واسطة خير في التحاق الثلاثة الاول بفرايبورغ. ولعل مفاجأة المباراة كانت المستوى الرائع واللقطات "السحرية" للاعب الليبي طارق التايب الذي ضمه النجم الساحلي اخيراً من الصفاقسي والذي أكد بما لا يدع مجالاً للشك أنه جوهرة كروية عربية من مستوى عال. وخلال الدوري الماضي احترف 5 لاعبين توانسة خارج الحدود. ومع رباعي فرايبورغ الآنف الذكر، يلعب التونسي - البرازيلي جوزيه كلايتون في نادي باستيا الفرنسي، وذلك بقطع النظر عن التجربة المحدودة زمنياً لكل من عيادي الحمروني لاعب الترجي في الهلال السعودي ورياض الجلاصي وفريد شوشان في الريان القطري. وسجل محترفو تونس 9 أهداف، كان لزبير بية نصيب الأسد منها ب6 أهداف، وقد شارك في 32 مباراة من جملة 34 ضمن الدوري الألماني، وحصلوا مجتمعين على 8 انذارات وطردين من نصيب بن سليمان وكلايتون، وهي حصيلة باهتة تطرح تساؤلات عديدة لعل أهمها: لماذا لا يضيء قنديل باب منارة على البراني؟ ولتونس العاصمة مداخل عديدة في الجهات الأربع، وكل مدخل يسمى بالباب، ويضاف اليها اسم ولي صالح أو مكان مشهور مثل باب سعدون وباب الجديد مقر النادي الافريقي وباب الجزيرة وباب منارة. تفسير المثل والمثل الشعبي السابق يطلق على كل عمل أو ابداع يدفع في اتجاه الآخرين... وفي حال المحترفين التوانسة فإن قنديلهم أضاء فقط داخل حدود الوطن. تاريخياً، عرف التوانسة اللعب في الملاعب الأوروبية والعربية. فقد احترف كل من توفيق بلغيت لاعب الافريقي السابق وتميم الحزامي من الترجي في الدوري الفرنسي، وفوزي الرويس كذلك، أما جمال الامام ففي ستندارد لياج البلجيكي، ومن جيل ال80 عرف كل من طارق ذياب وحمادي العقربي ومحمد علي عقيد والمختار دويب في الدوري السعودي، وكانت لزياد التلمساني مغامرة في غيماريش البرتغالي وكوبي الياباني حيث توج ملكاً للهدافين. وباستثناء زياد، وجيل ال80 ذي التوجه العربي، فإن اللاعبين انفسهم غير راضين عن أدائهم في تجربتهم الاحترافية. وإثر عودته إلى تونس بعد تجربة قصيرة مع الهلال السعودي صرح العيادي الحمروني: "الدوري السعودي مختلف عنا، ولقد شعرت بالغربة..."، ولأن الجزء الأول من التصريح كلام مرسل، فإن عجزه هو بيت القصيد في معضلة الاحتراف التونسية. فاللاعب التونسي، خصوصاً جيل التسعينات، هو محور الحياة في تونس من دون أدنى مبالغة... فأي لاعب متوسط الامكانات، إن لم نقل متواضع، لم يتجاوز بعد ال18 سنة يصبح حديث الناس، زعيم في عائلته و"حومته" و"فلتة زمانه" في الشارع والملعب، يحقق كل آمال انجاله من الشبان قبل سن ال25 من مال وشهرة والسيارة والمنزل ويتزوج أفضل وأجمل بنات الحي... كما ان وسائل الاعلام في تونس تخصص قرابة نصف برامجها لكرة القدم ولاعبي الأندية والمنتخب، هذا بغض النظر عن المكافآت والرواتب المجزية التي تتجاوز مرتبات العمال والإطارات الشبهة المختصة العمرية. وبعمليات حسابية بسيطة، يصبح الحديث عن الاحتراف في الخارج نوعاً من الترف الفكري لا غير، بل أنه يجلب المشاكل، لعل أهمها "الغربة" كما قال عيادي الحمروني. فاللاعب المحترف يصبح مطالباً بالانضباط والعمل يومياً من أجل تقديم أداء جيد... له مواعيد للسهر والنوم والأكل، أما في تونس، ف"النجوم" هم المحددون لمواعيد التمارين وكيفيتها ويوجهون المدرب حتى في اختياراته وإلا كان مصيره الخروج من الباب الخلفي. وعرفت عشرية التسعينات سيطرة للاندية التونسية في المسابقات الافريقية رفعت خلالها تتويجات وألقاباً عدة. كما ان منتخبها ترشح كأول مجموعته لنهائيات كأس افريقيا للأمم 2000، ويبدو ان هذه النتائج الجيدة كانت احد أسباب هذا الانفتاح الذاتي للاعبي تونس ونجومها ووجود نوع من الرضا على الذات في غياب المنافسة الحقيقية على المستوى الدولي. وفي حدود الدقيقة ال37 من مباراة النجم وفرايبورغ غادر قائد النادي منير بوقديدة الملعب ليحترف في الموسم المقبل في سويسرا مع نادي سيون من الدرجة الأولى، ليضيف الى رصيده المالي الكثير... أما الاحتراف وفرض الذات واللون فذلك موضوع آخر.