سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
يتخرجون في يوم الجيش اللبناني ... ورئيس الجمهورية قد يحضر والداً لا رئيساً . جامعيون لبنانيون مجندون يتحدثون عن الحياة العسكرية : معنويات عالية ... للمستقبل
يكاد معظم الشبان اللبنانيين يرغبون في بدايات حياتهم بأن يكونوا ضباطاً في الجيش. فالرغبة هذه لا تأتي من فراغ بل تعود الى العمر الذي يكونون فيه 18 عاماً في عز بناء عنفوانهم، خصوصاً حين يكونون في سنتهم الثانوية الاخيرة فتتداخل التخصصات في افكارهم. واسهل الخيارات امامهم واكثرها اعتزازاً بالنفس واقصرها مدة هو التطوع في الجيش بصفة تلميذ ضابط. لكن الظروف لا تكون مواتية دائماً اذ لا يفتح باب التطوع كل عام وإن فتح فلا يلتحق الا المحظوظون وتتحطم آمال المئات على ابواب المدرسة الحربية. لكن الآمال لم تعد تتحطم تماماً هذه الايام اذ استعادت الدولة اللبنانية قبل نحو خمس سنوات تجنيد الشباب، افراداً ورتباء وضباطاً، لخدمة العلم سنة واحدة، وهي خدمة اجبارية على كل لبناني سليم العقل والبدن، ويمكن المطلوب للتجنيد ان يؤجل التحاقه الى حين انتهائه من دراسته الجامعية. ويلتحق من تابع دراسته الى الباكالوريا القسم الثاني برتبة جندي، ومن نال اجازة برتبة معاون ومن نال جدارة او دكتوراه برتبة ملازم. وبعض الطلاب يتابعون دراساتهم العليا ليلتحقوا برتبة ملازم، إما لأنهم كانوا راغبين بأن يكونوا ضباطاً وإما بناء لنصيحة الأهل، وهذا ما حصل مع نجل رئيس الجمهورية اللبنانية الملازم المجند اميل اميل لحود الذي التقته "الحياة" مع عدد من الضباط المجندين في المدرسة الحربية. حين وصلنا إلى المدرسة الحربية دخلنا إلى مكتب الضابط المسؤول فأبلغنا ان "التلميذ المجند اميل لحود ابقي اليوم خارج قاعة المحاضرات من اجل هذه المقابلة". فأوضحنا اننا طلبنا اذناً بلقاء عدد من المجندين ومن بينهم لحود. فقال الضابط: "لا مشكلة في الامر، سنستدعي لحود الى مكتبي وبعدها نرى في شأن الآخرين". "ابعثوا لي الملازم المجند اميل لحود"، قال الضابط هاتفياً. خمس دقائق مضت، تمنى خلالها الضابط عدم التحدث في السياسة، واذا بشاب فارع الطول 190 سنيتمتراً، مرتدياً بدلة عسكرية لا نجوم عليها، يطرق الباب ويتقدم خطوتين، يؤدي التحية، يخلع القبعة عن رأسه، يطرق كعبي حذائه بعضهما ببعض، يضع يديه خلف ظهره وينتصب قائلاً: "الملازم المجند اميل لحود سيدي المقدم". "استرح" يقول الضابط ويرحب به ويسمح له بالجلوس ويبلغه بشأن المقابلة ويطلب منه ان يرافقنا ويستدعي زملاءه لاحقاً. يبدأ اميل الحديث معرّفاً عن نفسه على خلاف ما عرفها لتوه امام الضابط فقال: "عمري 24 عاماً، تخرجت في الجامعة "اللبنانية - الاميركية"، نلت بدايةً اجازة في التسويق ثم تابعت فنلت جدارة في العلوم السياسية، هواياتي السباحة وكل ما له علاقة بالبحر". وعن الفارق في العلاقة بين زملاء الجامعة وزملاء المدرسة الحربية يقول: "في الجامعة نأخذ دروساً معاً فقط، اما هنا فلا نغادر المدرسة الحربية الا يوماً واحداً كل اسبوع. هنا ندرس معاً ونعيش معاً في المأكل والمنامة والتدريب. اصبحنا عائلة واحدة". وهل ينظرون اليك على انك ابن رئيس الجمهورية؟ يجيب: "ربما في اليومين الاولين حين تعرفنا بعضنا الى بعض، أما الآن فلا أحد يهتم لأن التعب هو نفسه والتعاون نفسه ولأنني اعاقب كما يعاقبون. هنا كل الصفات تنسى، ابن فلان او ابن فلان. الزملاء آتون من كل شرائح المجتمع وهمُّهم جميعاً الانضباط والتعود على الحياة العسكرية، فانضباط في المنزل ليس كالحياة العسكرية، وحين يرتدي احدنا البدلة العسكرية تسقط عنه كل الصفات ويصبح ملازماً مجنداً. هذه صفته ولا صفة اخرى له". وعن التحاقه بالمدرسة الحربية اعتبر انه كان متوقعاً ومنتظراً ولم تشكّل البدلة مفاجأة "فنحن اعتدنا عليها في العائلة"، وكان يحضر نفسه منذ ستة أشهر لهذه المهمة الوطنية، ليمر في التجربة التي مر فيها والده. وقال: "هنا كان تأثير الوالد، إذ تمنى عليّ ان اتابع الدراسة العليا لاجند ضابطاً، مع احترامي لكل الافراد والرتباء". وهل تبقى في الجيش اذا اتيح لك البقاء؟. يجيب "صراحة في المرحلة التي انا فيها لا استطيع البقاء لاسباب لوجستية. فانا حين كنت صغيراً كنت ارغب في ان اغدو ضابطاً مثل ابي الذي وعيت عليه مرتدياً بذة عسكرية، لكن حين انهيت الثانوية لم تكن هناك دورة ضباط فدخلت الى الجامعة وتخرجت فيها واصبح عمري 24 عاماً، فاذا رغبت في التطوع الآن احتاج ثلاث سنوات لاتخرج ضابطاًً ادارياً فاصبح عندها في عمر 27 عاماً في حين ان الضابط العادي يلتحق في عمر ال18 عاماً ويتخرج في عمر ال21 عاماً. واكون بالتالي متأخراً ست سنوات، فلهذه الاسباب التقنية لا استطيع البقاء". وعن تجربته الحالية يقول: "هذه التجربة كان لا بد منها، إذ يعيش المرء في الجو العسكري والحياة العسكرية، وهي ليست مزحة، ويأخذ فكرة عن هذه المؤسسة ويعطي فكرة عن نفسه" بعد هذا الحوار يقترح الضابط المسؤول لاستمرار الحوار قاعة فخرالدين، وهي أشبه بشرفة كبيرة جعلت فيها مقاعد من اسمنت منحوتة في شكل فني، ولا سقف للقاعة لكنها، على ما اوضح لحود، "هي المكان الوحيد الذي يسمح للضابط ان يخلع فيه قبعته"، اذ يمنع على الجنود ان يخلعوا قبعاتهم في الاماكن المكشوفة. اول الواصلين كان الملازم المجند شحادة قاصوف مواليد العام 1974 وهو مهندس ميكانيك تخرج في الجامعة الاميركية في بيروت. وكان والده الراحل، عريفاً أول في الجيش وهو من بلدة الفرزل في البقاع. يقول قاصوف عن التحاقه: "ان الرؤية قبل الالتحاق كانت مبهمة. كنا نعتقد انهم سيقسون علينا اكثر في التدريب، لكننا تفاجأنا بالعكس تماماً. فنحن لم نكن معتادين على الانضباط، ولم اكن معتاداً على تنفيذ الاوامر بل كنت اعطيها إذ كنت عميداً في الكشافة". ويضيف، بطرافة، "لكن ثمة فارقاً كبيراً، فكل الأوامر هنا تنفذ، اما في الكشافة فكنت إذا اعطيت أمراً لصبي ولم يرقه يقول لي "بطّلت.. شو فيك تعمل معي"، فلا استطيع ان اقول له عُدْ، واروح اطيب له خاطره كي لا يرحل. اما هنا فالامر يعطى وعلينا التنفيذ"، مشيراً الى انه "يحب من الدروس التي يتعلمها في الحربية تلك التي تتعلق بفن القيادة ومواصفات القائد". وهل تعتقد ان المدة التي تمضيها في الجيش خسارة؟ يجيب: "عملت قبل ان التحق عامين في السعودية، وكنت اعتقد انني اذا التحقت سأخسر. التحقت لان الوضع لم يعد يحتمل تأجيلاً، ولكن الآن، تبدلت النظرة واحاول الاستفادة من هذه التجربة قدر المستطاع رياضياً ومعنوياً لاننا، في الواقع، نعيش في عالم مثالي وهناك راحة نفسية وجسدية اضافة الى العلاقة مع الزملاء التي اعتقد انها ستدوم". وكان لؤي جودي مواليد بيروت، 1976 يعتقد ان فترة التجنيد خسارة سنة من حياته لكنه سرعان ما تأقلم وركز على الايجابيات. ويقول: "الحزم في الحياة مهم وضروري في بعض المراحل لناحية تنظيم الوقت والاستفادة منه في كل عمل يقوم به المرء". وجودي درس الصيدلة وحل أول في صفه فعين مساعد استاذ حيث تخرج في جامعة بيروت العربية. ويعتبر ان هناك صعوبة في ان يعود الاستاذ تلميذاً موضحاً ان الفرق بينهما يكمن "في ان الاستاذ مسؤول عن كل فرد. لكنه حين يعود تلميذاً فيتفهم وجهة نظر الاستاذ وقساوته اكثر. واحياناً اجدني مضطراً على التعليق على فكرة يقولها الضابط". وعن تجربته فيعتبر انها "مشحونة بالديناميكية وهي ضرورية لصقل شخصية الانسان. وان بين الرفاق وداً اذ تجمعهم فكرة وطنية او هدف وطني، اكثر مما هو هدف علمي، يوصلنا الى مستوى متوازن الى حد ما من النضج الوطني". وأي الحياتين اجمل، المدنية ام العسكرية؟. يجيب "الحياة المدنية أجمل لأن الانسان يكون متساهلاً مع نفسه اكثر ولان المسؤوليات فيها اقل من المسؤوليات في الحياة العسكرية، والحرية سيدة الموقف. فنحن في الحياة المدنية لم نهتم يوماً بالاعتماد على النفس، اما هنا فنهتم بكل امورنا اضافة الى الشعور بالعصبية للقطعة والفصيلة التي ننتمي اليها وحرص على اظهار الصورة المشرقة عن الجيش واحترام للتراتبية بغض النظر عن الاعمار". ويضيف: "خلال الاعتداء الاسرائيلي الاخير شعرت انني معني بالأمر. عندما كنت مدنياً كنت انزعج من هذه العمليات اما حين أصبحت في الجيش فشعرت بصعوبة الموقف". اما بالنسبة الى هيثم الجشي الغبيري مواليد 1974، وهو طبيب اسنان تخرج في بغداد فكان يتوقع "الالتحاق بالمدرسة الحربية امراً سهلاً لكنه وجد الوضع صعباً لناحية التدريبات والنظام غير سهل وله احترامه وهيبته". ويقول "كنت ارى مرتدي البدلة العسكرية ذا هيبة وانه تعب كثيراً حتى وصل الى هذه المرحلة" وعن الاعتماد على النفس يوضح انه "معتاد على هذا النمط من المعيشة منذ كنت في الاغتراب، لذا وجدت الامر سهلاً وتآلفت مع الوضع من اليومين الاولين ولم يزعجني ان ننام 6 شباب في غرفة واحدة وان نأكل معاً. فالوضع غير مزعج". وإذا اتيح لك البقاء في الجيش هل تبقى؟ اجاب "لا افضل البقاء هنا. فأنا اخترت مهنة احببتها واشعر انني ابني نفسي اكثر في الخارج". واضاف: "لا اعتبر هذه السنة خسارة، على رغم انني اقفلت عيادتي، لأنني سأكسب خبرة اضافية من خلال عملي في اللواء الطبي". اما طارق الاحمدية مواليد شارون - 1975 فيفضل البقاء في الجيش اذا اتيح له ذلك ويعتبر سنة الخدمة خسارة مادية وربح من الناحية المعنوية. وكانت لدى الاحمدية، وهو نجل عميد في الجيش، فكرة عن الحياة العسكرية وما تعلمه هنا كان يراه من قبل. ويقول: "تعلمت ان اجعل لكل شيء حساباً وان اعرف اهمية الوقت والاستفادة منه من دون حدود اضافة الى الانضباط وتنفيذ الأوامر، إذ كل شيء ينفذ بناء على أوامر فلا يمكن احداً ان يتصرف على هواه، وتحمل المسؤولية". وعلى رغم انه استقال من عمله حيث عمل 7 اشهر بعد تخرجه فانه ينصح الشباب بتأدية خدمة العلم. وعن الفارق في العلاقة بين زملاء الجامعة والمدرسة الحربية؟ يجيب: "الجامعة تشجع الطلاب على التباعد اما هنا فنتقارب بعضنا من بعض اكثر ونتآلف اكثر. فشكلنا واحد وهندامنا واحد وتفكيرنا واحد وكلنا حليقون فلا يفرق واحدنا عن الآخر". ويضيف: "اصبحت اذا رأيت جندياً في مأزق اجدني مضطراً على مساعدته اذ اعتبره اخاً في السلاح". وعن تجربته يقول إنها "علمتني تحمل المسؤولية وجعلتني اشعر مثلاً بقيمة العرض العسكري وما معنى ان يسير الجندي في حر الظهيرة ساعتين مرصوصاً، اضافة الى انني اصبحت اشعر ان لدي رفاقاً في كل لبنان اذ لم اكن اعرف مواطناً واحداً من الشمال من قبل". ويؤكد ان "علاقة الضباط مع ابناء الضباط اقسى منها مع سواهم، ولا مجال لمعاملة خاصة لهم وليست المعاملة الخاصة جيدة لنا اذ يظن البقية ان لدينا نقصاً. فلذلك علينا ان نشارك في المهام والنشاطات التي يقوم بها زملاؤنا". كل المجندين الضباط اجمعوا على اعتبار هذه الدورة مميزة اذ ان عدد الملتحقين 80 مختصاً، نسبة الى دورات سابقة، قليل ومعظمهم جاؤوا من الخارج لانجاز الخدمة، وهي كثيفة تنجز في شهرين و10 أيام وسيتم تخريجهم في أول آب اغسطس في عيد الجيش وثمة احتمال ان يحضر رئيس الجمهورية العماد اميل لحود بوصفه والداً لا رئيساً اذ جرت العادة ان يرعى تخريج الضباط المجندين قائد المدرسة الحربية في حين يرعى رئيس الجمهورية تخريج الضباط المتطوعين. هذا ما قاله لحود الابن، "قد يأتي والده وقد لا يأتي. ولكن ما اعرفه انه اذا كان غير مشغول سيأتي واذا لم يكن لديه وقت فهذه هي الرئاسة". كل التحيات التي ستؤدّى للرئيس اذا حضر ستكون عادية بالنسبة اليه اذ اعتاد عليها منذ سنوات طويلة، قائداً للجيش ورئيساً للبلاد، الا تحية واحدة ستكون مميزة وهي تحية نجله الذي كان حتى الامس القريب يحييه تودداً ومحبة، اما تحية الاول من آب اغسطس ستكون تحية واجب من ضابط يؤدي التحية الى رئيس. وهذه اللحظات ما برح الابن يتهيأ لها منذ انتخب والده رئيساً وقرر الالتحاق في خدمة العلم. يقول: "ستكون اكثر اللحظات ثأتيراً في حياتي، فهو سيبقى والدي من دون صفات الى الاول من آب يوم اتخرج ضابطاً ويصبح لدي واجب تأدية التحية الى الرئيس. وهذا اكثر من شرف لي واكبر، اذ ستتغير نظرته اليّ في تلك اللحظات الفاصلة بين ان اكون ولداً يعيش في منزل وبين ان اكون رجلاً في المجتمع وضابطاً في الجيش".