نشرت صحيفتكم الغراء في عددها الصادر بتاريخ 11/6/1999، وفي ملحق "سينما وفضائيات" مقالاً كتبه المخرج أحمد رشوان بعنوان "جردة حساب بعد عامين على دخول رجال الأعمال ميدان السينما"، وتمت الاشارة إلى أن صفحات "الحياة" ستفتح لسماع وجهات نظر مختلفة، ولست أدري هل سيكون الحوار محدداً مع جهات اختارتها "الحياة" وتم الاتصال بها فعلاً، أم أنه حوار مفتوح يمكن أن تساهم فيه أطراف أخرى، كما أحاول أن أفعل؟ لقد عملت في مجال صناعة السينما في مصر منذ أكثر من عشرين سنة، ورغم أن مجالها مكان جديد بالنسبة لي فلقد أحببتها بسرعة ووجدت فيها أشياء كثيرة مني، وتعلمتها وهذا هو المهم، بالتجربة والخطأ وبالكثير من الجهد والمعاناة، فلقد اشتغلت في بداية حياتي مع هذه الصناعة في كل مجالاتها: الانتاج السينمائي والتلفزيوني والتوزيع الداخلي والخارجي للأفلام المصرية والاجنبية ثم الفيديو وبناء دور عرض جديدة يومها كريم 1 و2 والجمهورية. ومن خلال تجربتي المتواضعة هذه فإنني أرى أن ما جاء في مقال المخرج أحمد رشوان يستحق الرد عليه، مساهمة مني في حوار نرجو في النهاية أن يخدم هذه الصناعة التي نحبها جميعاً بل ولعليّ أقول إننا نحتاجها جميعاً. وبداية اقول إنه ليس مجال رسالتي هذه الحديث عن المشاكل والأزمات التي مرت وتمر بها صناعة السينما في مصر، والتي انتهت الى تدني عدد الأفلام المنتجة سنوياً الى رقم مخيف. فلهذا الحديث ربما مجال آخر ووقت آخر. ما أريد أن ألخصه الآن هو أن استمرار الأزمة على مدى سنوات طويلة جداً وتراكم المشاكل، وفي الوقت نفسه صمود أهل هذه الصناعة المحبين لها والمؤمنين بدورها والتي هي في الوقت نفسه أيضاً مصدر رزقهم وحياتهم، كل هذا قد ركز الاضواء على عنوانين أساسيين لهذه الأزمة: 1- انها مسألة علمية اقتصادية، ليس بالمفهوم الضيق الذي يتحدث عن الخلل بين تكاليف الفيلم المصري وايراداته، وإنما بالمفهوم الأوسع الذي يتحدث عن كمّ الأموال المطلوبة والدراسات العلمية اللازمة لانتشال هذه الصناعة من أزمتها. 2- انها مسألة قوانين لا تزال تحكم صناعة السينما وأن الوقت قد حان، والضرورة أصبحت ملحة جداً، لتغيير هذه القوانين وتحديثها لتتماشى مع الظروف والأوضاع السياسية والاقتصادية التي تغيرت هي أيضاً بدورها تغيراً جذرياً. ولأن بداية الحل للمشاكل ان نعرف أسبابها الحقيقية أولاً، فلقد أصبح من الطبيعي جداً والمنطقي جداً ان تدخل أموال جديدة في هذه الصناعة وأن تلعب الدولة دورها المطلوب منها بتعديل أو تغيير القوانين وحيث يلزم. ولقد حصل هذا فعلاً فما محصلة دخول أموال جديدة وكبيرة نسبياً؟ وبداية اقتراب الدولة لتلعب دورها المطلوب والمشار إليه؟ أولاً، اعتقد أن تسمية الشركات الجديدة باسم "شركات رجال الأعمال" تسمية خاطئة، فكل صاحب شركة وفي أي مجال يقوم بإدارة شركته وبأمواله هو رجل أعمال، سواء كانت شركته كبيرة أم صغيرة، وسواء كانت أمواله كثيرة أم قليلة. ثم اننا لا نريد أن تأخذنا هذه التسمية الخاطئة الى مواقع لا حق لنا بدخولها. إن الشركات الجديدة ليست سوى شركات سينمائية وبرؤوس أموال كبيرة. ثانياً، انه لم يمض على تأسيس هذه الشركات سوى فترة زمنية قصيرة لا تكفي كي نحكم أو نقيّم وإن كان هذا لا يعني ان لا نراقب ولا نكتب ولا نتساءل. ثالثاً، هذه الشركات وفي زمن قياسي اضافت شاشات عرض جديدة وانتجت أفلاماً جديدة: - شركة "نهضة مصر": اضافت 11 شاشة وهنالك شاشات جديدة حتى نهاية 99. - شركة "عثمان جروب": 11 شاشة جديدة، تجديد كامل لداري عرض طيبة 1 وطيبة 2، وهنالك شاشات أخرى حتى نهاية 99. - شركة "شعاع": انتجت أربعة أفلام وقامت بتمويل وتوزيع فيلمين آخرين ثم أخذت مجموعة من دور العرض التي طرحت للخصخصة وعددها 5 دور عرض اضافة الى كريم و1 وكريم 2. - مجموعة الأستاذ محمد رمزي: أخذت مجموعة ثانية من دور العرض التي طرحت للخصخصة وعددها 5. - شركة أحمد بهجت: اخذت المجموعة الثالثة وعددها 5. بالإضافة إلى هذا كله هنالك شركات كانت قائمة وما زالت وعندها دور عرض وتخطط لبناء دور عرض جديدة مثل شركة "اوسكار" و"الاخوة المتحدين". ما أريد أن اقوله ولا بد منه، هو ان هذه الشركات قد حققت اضافات ملموسة وحركت شركات أخرى وفي أوقات قياسية. رابعاً، في ظل هذا الجو المتحرك بأموال جديدة وشركات قائمة وموجودة في السوق منذ زمن طويل تم تخفيض الضريبة على تذكرة الدخول الى السينما لتحقق مصلحة للمنتج وصاحب دار العرض. إن ما ذكرته هو تسجيل لحقائق ملموسة وليس كشف حساب. فالتجربة والمحاولات ما زالت في بداياتها ثم أني لست واحداً من أو مع أي من هذه الشركات. ماذا الآن عن المخاوف التي تتناقلها الصحف والتي وردت في مقال الاستاذ رشوان؟ أولاً: ليست هنالك أية مخاوف من أن تتحول دور العرض الجديدة الى شاشات تعرض الأفلام الأجنبية، والاميركية منها تحديداً، وما نراه الآن في فترة كتابة مقال رشوان هو أنها فترة هدوء بالنسبة للفيلم المصري. فمن المعروف أن موسم عرض الأفلام المصرية يبدأ بعد انتهاء موسم الامتحانات السنوي أي مع بداية شهر تموز يوليو تقريباً من كل عام، وبالتالي فإن الشهرين السابقين لهذا التاريخ هما موسم الهدوء ولا يجرؤ ولا يقبل أي صاحب فيلم مصري عرض أفلامه في هذا الوقت. وكذلك الأمر بالنسبة لشهر رمضان المبارك. من هنا امتلأت دور العرض بالأفلام الأجنبية وهي صالات لا يمكن أن تقفل أبوابها. ان عملية عرض الفيلم تشكل الجانب الثالث الذي ترتكز عليه صناعة السينما الى جانب كونها فناً وصناعة وبالتالي تتحكم في هذه العملية الحسابات التجارية وهذا حق للمنتج ولصاحب دار العرض وكلاهما لا يفكران بالخسارة. يضاف الى هذا أيضاً أن عدد الأفلام المصرية المنتجة كان قليلاً خلال السنوات القريبة الماضية، إن نظرة الى برامج دور العرض في القاهرة والاسكندرية وباقي الاقاليم اعتباراً من تاريخ 23/6/99 وهو ما يعتبر بداية الموسم، كما أنه أيضاً يصادف بداية الضريبة المخفضة على تذاكر السينما هذه النظرة تشير بوضوح الى ان جميع دور العرض محجوزة للأفلام المصرية وعددها أفضل هذه السنة عن السنة السابقة. وتستمر الحجوزات حتى شهر رمضان المقبل. بل بعض الأفلام المصرية قد بدأ التفكير في ترحيلها الى عيد الفطر. إذن ليس هناك تعمد لاستبعاد الفيلم المصري من دور العرض وأي حديث غير ذلك يخالف الحقيقة ويخالف في الوقت نفسه مصلحة صاحب دار العرض فهو يستفيد من الضريبة الأقل على الفيلم المصري ثم هو يريد الفيلم الذي يستمر أسابيع وله جمهوره. نقطة أخرى في هذا المجال وهي أن عدد الأفلام الأميركية التي تعرض في السنة محدود ولا يعرض في مصر ولا في أي مكان في العالم ما عدا أميركا طبعاً كل الانتاج السينمائي الاميركي. هي أفلام محدودة العدد وفي الغالب تعرض لمدة أسبوع أو اسبوعين ثم تتغير ما عدا القليل والنادر منها. أما الحديث عن الأفلام العربية التي لا تعرض في مصر فهي ليست مشكلة أصحاب دور العرض ولا حتى شركات التوزيع، انها تحتاج الى تعاون السينمائيين العرب لوضع آلية لهذا الموضوع وستحتاج الى وقت كي يتعوّد الجمهور المصري عليها ولن يكون هذا صعباً مع الوقت والإرادة فعلاً. لقد سبق لي وأن اشتريت حقوق ثلاثة أفلام سورية للعرض في مصر، وهي "الحدود" و"التقرير" و"كفرون"، وحققت نجاحاً هائلاً ولم تتكرر المحاولة، صحيح أن نجاحها كان لتميزها الفني ولأن بطل الأفلام الثلاثة المذكورة هو الفنان الكبير الاستاذ دريد لحام المعروف على مستوى العالم العربي، لكن هذا لا يعني بالضرورة أن أفلاماً أخرى ستفشل. أن المشكلة بالنسبة لهذا الموضوع بين أيدي السينمائيين العرب جميعاً. وخسارة فعلاً أن لا يشاهد المتفرج المصري، أفلاماً عربية متميزة وجيدة. ثانياً: أما عن المهم في المخاوف المثارة في الوسط السينمائي وعلى صفحات الجرائد والمجلات فهو استئثار الشركات ذات رؤوس الأموال الكبيرة بميزات قانون الاستثمار في مصر وحرمان الكيانات الأخرى منها. إن هذا الوضع لم تطلبه أو تريده الشركات الكبيرة بل أن بعضاً منها قد تذمر ايضاً من قيمة رأس المال الذي حدده القانون ب 200 مليون جنيه كحد أدنى للتمتع بميزات قانون الاستئجار. إن هذا الوضع قد جاء باجتهاد من الدولة، ولقد سبق وأن دارت حوله نقاشات عدة وفي تقديري أنه في الامكان التوصل الى حلول ترضي جميع الأطراف. يبقى في تقديري، وحول هذه الشركات برؤوس الأموال الكبيرة ودخولها مجال صناعة السينما في مصر، نقطتان مهمتان جداً لا بد من التحدث عنها وهي في نظري الأهم بعد المهم. أولاً: حاجة هذه الشركات الى الخبرات وهو موضوع غالباً لا نتحدث عنه ولو تحدثنا عنه فبصوت خافت وبكثير من الحياء، إن السينما تختلف عن غيرها من الصناعات بأن الأساس فيها أنها فن أولاً وقبل كل شيء ولا تخلو السينما المصرية إطلاقاً من كفاءات الفن والابداع وفي كل المجالات. إن تعامل هذه الشركات مع الخبرات الموجودة في السوق أمر حتمي ولا بد منه ولقد أشرت الى هذا الموضوع منذ أن قامت هذه الشركات، صحيح أن هنالك حيزاً لا بد منه كي تكتسب الشركات خبرتها من خلال التجربة والخطأ لكن التعاون مع الخبرات الموجودة لا بد وأن يكون ضمن استراتيجية هذه الشركات. إن التصور لو وجد بأن الأموال هي كل شيء قد يكون تصوراً قاتلاً ومدمراً ولعلي أقول إن العكس هو الصحيح وهو أن الكثير من الخبرات التي لا غنى عنها ربما أكبر من الأموال المستثمرة حتى الآن. ثانياً: موضوع التعامل مع الكيانات السينمائية القائمة وهو أمر لا يقل أهمية عن النقطة التي سبقت. وأرى أنه لا بد من صيغة ما، تأتي بمبادرة من الشركات الكبيرة ومع كل أو بعض الكيانات الاخرى القائمة، يتفق عليها لتحقيق مصلحة كل الأطراف فلا الشركات الكبيرة القادمة بديلاً كما هو قائم وعما كان ولا هذا الوضع القائم يقدر على تجاهل الوجود الجديد للشركات القادمة. تبقى ملاحظات سريعة: 1- ان دخول أموال لصناعة السينما ليس بالظاهرة الجديدة، فلقد بلغ حجم استثمار شركتي في هذه الصناعة ما لا يقل عن 25 مليون دولار اميركي هي بأسعار اليوم لو قورنت مع أسعار الثمانينات لاتضح حجم الأموال التي تم استثمارها. 2- ان عدد الأفلام المنتجة في الثمانينات قد اقترب من مئة فيلم في السنة ولا بد ان هنالك اموالاً قد انفقت على هذا الكم من الانتاج. 3- ان حجم ما هو مطلوب من أموال للنهوض بصناعة السينما المصرية لم يعد قليلاً ولا بد من أموال كثيرة وكثيرة جداً. ان تخيلنا لعدد دور العرض المطلوب وجودها لتشكل الحد المعقول الذي يغطي مصر كلها وتكلفة هذه الدور يوضح أن ملايين الملايين لا بد أن تستثمر، ناهيك عن المعامل ومعدات الانتاج وتحديثها. * حسين القلا منتج سينمائي عربي، ساهم خلال سنوات الثمانين في انتاج العديد من الافلام السينمائية المهمة والتي حملت اسم "تيار الواقعية الجديدة" وكان بعضها من تحقيق محمد خان، وصلاح ابو سيف، وعاطف الطيب، وخيري بشارة، وغيرهم.